بقلم: أحمد عبد الوهاب
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 10-04-2018 - 1482 العراق البوابة الشرقية للعرب، كان هدفا لعمليات غزو وتقسيم على مدار قرون طويلة في الماضي والحاضر، وقد كانت بغداد صخرة في وجه الغزاة رغم السيطرة عليها أكثر من مرة والتي كان آخرها التاسع من أبريل/ نيسان من العام 2003، على يد القوات الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن.
لم تكن الذرائع التي ساقتها الولايات المتحدة الأمريكية لدخول العراق تمثل واقعا على الأرض رغم تأكيدات الآلة الإعلامية الغربية بحيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل المزعومة، والتضخيم الهائل في قدرات العراق العسكرية، بل كان العراق وقت الغزو الأمريكي في مارس/ آذار 2003 منهكا هزيلا جراء حصار ثلاثة عشر عاما برا وبحرا وجوا، حتى أن سلاح الطيران الحربي لم يكن باستطاعته التحليق فوق بغداد. لعبت الاستخبارات الأمريكية خلال فترة الحصار الخانق دورا كبيرا، واستطاعت أن تخترق صفوف بعض القطاعات في الجيش، وتجنيدهم لصالحها عندما تحين "ساعة الصفر"، المعركة التي أكد الأمريكان أنه لا مفر منها، بل كانت عملية الغزو الأمريكي إحدى الخطوات للسيطرة على المنطقة ومقدراتها بعد أن أصبحت الولايات المتحدة القطب الأوحد في العالم في أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي السابق. كانت هناك جهود دولية خلال فترة حصار العراق وضغوط على الرئيس العراقي الراحل للحصول على أكبر قدر من التنازلات؛ لمنع الحرب التي تلوح بها أمريكا "بوش"، وبشكل خاص بعد أن أصبحت القوات الأمريكية على بعد كيلومترات من الأراضي العراقية في "أفغانستان"، لم يكن بوش بحاجة لجلب قوات كبيرة من الولايات المتحدة، بعد أن جمعت تحت طواعيتها تحالفا يضم عدد من الدول الغربية مثل بريطانيا وفرنسا واليابان وعدد من الدول العربية. كانت هناك مهلة أممية وشروط ينبغي على صدام حسين القبول بها لمنع نشوب الحرب، وكان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، يقوم بجولات مكوكية من أجل قبول صدام حسين بالشروط الأمريكية، التي كانت تمثل قيودا على العراق وانتهاكا لسيادته، وكانت الآلة العسكرية الأمريكية تنتظر الإذن بالبدء بعد أن حددت أهدافها منذ سنوات. لم يتبق سوى ساعات قلائل وتنتهي المهلة الأممية، الأنباء تتوارد حول موافقة بغداد على الشروط الأمريكية، وهنا يتنبه بوش "الابن" أن السيناريو الأمريكي والتوقيت الذي طال انتظاره قد يتأخر عشرات السنين لو أتيحت الفرصة لصدام حسين، لإعلان قبوله بشروط الأمم المتحدة، ساعات قليلة جداً متبقية على المهلة انتهى يوم التاسع عشر من مارس / آذار 2003، وتعدت الساعة الثانية عشر ليلة 20 مارس / آزار 2003، بوش"الابن" يعطي إشارة البدء لضرب العراق وقبل أن تنتهي المهلة بساعات، وتتوالى بيانات الحرب، ويستمر القصف الجوي لتدمير البنى التحتية في العراق بالكامل، الجميع يترقب وينتظر رد الفعل العراقي، تصريحات عراقية رسمية تؤكد أن الجيش العراقي المتمرس على القتال والخبير بأرضه يخوض معارك برية كبيرة ضد الغزو الأمريكي في معظم المناطق. بوش الابن والذي صرح في وقت سابق أن العراقيين ينتظرون الجيش الأمريكي بالورود، ها هو اليوم في العراق وجنوده يلتقطون الصور التذكارية مع باقات الورود الأمريكية في الزي العراقي، وتستمر عمليات القتال بين الجيش العراقي وبين الغزاة الأمريكيين ما يقارب الثلاثة أسابيع من البطولات والإصرار على النصر وهم من ظلوا ثلاثة عشر عاما تحت الحصار، ومنعت عنهم الأدوية والأطعمة وقطع غيار المصانع والمعدات وغيرها من وسائل الحياة. بدأت تنكشف القوات الأمريكية بعد عمليات الاقتحامات البرية، نظرا لتحييد سلاح الجو الأمريكي نتيجة المواجهات المباشرة، فالعديد من عمليات القصف الجوي كان ضحاياها من التحالف الأمريكي. ثلاثة أسابيع من الحرب الأمريكية على العراق دمرت فيها البنى التحتية بالكامل، بل وحولت الحياة إلى جحيم، بعد أن طال القصف كل شىء ولم يعد هناك مفر من القتل أو السجن أو المطاردة والتنكيل، بدأ صوت المعركة يخفت شيئا فشيئا، إلى أن جاء يوم العاشر من أبريل / نيسان من العام 2003، ليخرج وزير الإعلام العراقي بنبرته الحادة لؤكد على الهواء أن مفاجئات تنتظر "العلوج" بعد قليل وكانت رحا معركة مطار صدام تدور رحاها، وكانت نبرات الصحاف تشير إلى أن هناك تخطيط وتأكيدات عسكرية من الجيش بأنه يمتلك زمام معركة المطار. لم يمر وقت طويل حتى اختفت كل مظاهر تواجد الجيش العراقي في بغداد، وظهرت مجموعات عراقية تعتلي الدبابات الأمريكية وتقوم بهدم كل مظاهر الدولة، وتفتح القوات الأمريكية السجون والمعتقلات وتترك أبواب الهيئات والوازارات والمتاحف وكل تاريخ العراق للنهب والسرقة في سابقة خطيرة لم ترتكبها أكثر الجيوش همجية في العالم. الكارثة الأكبر والتي لم تفعلها أيضا أي من قوى الغزو والاحتلال في العالم والتي هى جريمة دولية وإنسانية بكل المقاييس هو قيام بوش الابن بإعلان حل وتسريح الجيش العراقي وإنهاء أي وجود للدولة تحت الاحتلال، وتعيين حاكم أمريكي، بول بريمر، والذي أعاد تشكيل الخريطة السياسية من "المنطقة الخضراء" وسط بغداد بما يخدم المصالح الأمريكية. الفاصل ليس كبيرا بين اختفاء الجيش العراقي وأسلحته في أبريل / نيسان من العام 2003 وبين ظهور المقاومة العراقية، والبدء في حرب استنزاف ضد القوات الأمريكية بشكل غير مسبوق، وتم إلقاء القنابل على وجه بوش الابن ومن معه بدلا من الورود التي كان ينتظرها، وهو ما دفع بوش إلى إعلان انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية في العراق في 2مايو / آيار 2003، وقال في خطابه، الذي القاه أمام حشد من العسكريين الأمريكيين على متن حاملة الطائرات إبراهام لنكولن، إن الحرب شنت بهدف تحرير شعب العراق وتحقيق السلام للعالم، وأكد بوش أن ديكتاتور العراق — حسب وصفه — قد سقط، وأن العراق قد حرر، وأن القوات الأمريكية تقوم الآن فيه بعمليات حفظ الأمن وإعادة البناء. بالفعل كان إعلان بوش عن تحرر العراق والتنمية يعبر عن الواقع الذي يراه، حيث ذكرت تقارير إعلامية أنّ حصيلة الضحايا العراقيين من المدنيين ومنذ بداية الاحتلال الأمريكي عام 2003، وبحسب بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي"، تكفي لأن تدخل بغداد موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، حيث أن عدد القتلى بفعل أعمال العنف كما قالت "يونامي" حتى الآن في العراق كما يلي: — 12 ألفا و133 سقطوا في 2003 — 11 ألفا و736 في 2004 — 16 ألفا و583 في 2005 — 29 ألفا و451 في 2006 — 26 الفا و36 في 2007 — 10 آلاف و271 في 2008 — 5 الآف و373 في 2009 — 4 آلاف و167 في 2010 — 4 آلاف و153 في 2011 — 4 آلاف و622 في 2012 — 9 آلاف و851 في 2013 — 20 ألفا و169 في 2014 — 17 ألفا و502 في 2015 لم تجف دماء العراقيين منذ العام 2003 وحتى الآن ما بين قتل طائفي "على الهوية"، وقتل في تفجيرات، وصراع طائفي غير مسبوق، وتمزيق البلاد ومسخ هويتها وتاريختها وتدمير اقتصاد هذا البلد النفطي الكبير، كما أتاح الغزو الأمركي وأعطى الفرصة لزرع الإرهاب بشكل مرعب، بل أن تنظيم "داعش" الإرهابي والذي استطاع خلال شهور قلائل بسط سيطرته على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية والاستيلاء على أسلحة الجيش العراقي ومعداته وبطرق سهلة وبدون مقاومة. وكما يقال أمريكا جاءت بالداء واحتفظت هى بالدواء، ولن تترك والمنطقة إلا مجبرة على ذلك، وما الصراع الذي يحدث في سوريا اليوم إلا تخوف أمريكي من انتهاء دورها في المنطقة وحلول قوى كبرى كروسيا والصين لتبوء مكانها الطبيعي في العالم، لذا تحاولت الولايات المتحدة اليوم برئاسة ترامب اشعال الصراعات في المناطق الحساسة في العالم من أجل إيجاد ذرائع للبقاء، وما قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس إلا أحد الأدوات التي تدير بها واشنطن الصراع في المنطقة. لكن لن يسير العالم في الركاب الأمريكي إلى ما لا نهاية وبوادر الانكماش الأمريكي وإعادة تشكيل القوى في العالم، بدأت تظهر على السطح لتقول "لا" للابتزاز الأمريكي والدور المشبوة الذي تلعبه في المنطقة، فهل حان الوقت لمحاكمة بوش.
لا يوجد صور مرفقة
|