جمال عبد الناصر، أيقونة النضال العربي والعالمي التقارير والمقالات | جمال عبد الناصر، أيقونة النضال العربي والعالمي
تاريخ النشر: 25-07-2019

بقلم: محمود كعوش

جمال عبد الناصر (15 كانون الثاني/يناير 1918 - 28 أيلول/سبتمبر 1970)، هو ثاني رئيس لمصر في الفترة من 1956 حتى وفاته في 1970. وقام عبد الناصر بقيادة ثورة 23 تموز/يوليو 1952، التي أطاحت بعرش الملك فاروق وأذنت ببداية مرحلة جديدة من تاريخ مصر.
كان عبد الناصر نصيراً للعروبة، ومناهضاً للاستعمار، وداعماً للثورات العربية في الجزائر، ليبيا، العراق واليمن، كما كان له دور رئيسي في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وحركة عدم الانحياز. وقد تولى منصب رئاسة الوزراء عشر مرات.

نشأته
وُلد جمال عبد الناصر بالإسكندرية قبيل أحداث ثورة 1919، التي هزّت مصر، وحركت وجدان المصريين، وألهبت مشاعر الثورة والوطنية في قلوبهم، وبعثت روح المقاومة ضد المستعمرين.
وكان أبوه عبد الناصر حسين خليل سلطان قد انتقل من قريته بني مر بمحافظة أسيوط، ليعمل وكيلا لمكتب بريد باكوس بالإسكندرية، وقد تزوج من السيدة "فهيمة" ابنة "محمد حماد" تاجر الفحم المعروف في الإسكندرية.
وفي منزل والده - رقم 12 شارع الدكتور قنواتي - بحي فلمنج، وُلد في 16 كانون الثاني/يناير 1918، وقد تحول هذا المنزل في وقت لاحق إلى متحف يضم ممتلكات جمال عبد الناصر في بداية حياته.
وكان والده دائم الترحال والانتقال من بلدة إلى أخرى، نظرًا لطبيعة وظيفته التي كانت تجعله لا يستقر كثيرا في مكان.

في بيت عمه
و لم يكد يبلغ الثامنة من عمره حتى تُوفيت أمه في 2 نيسان/أبريل 1926، وهي تضع مولودها الرابع "شوقي"، وكان عمه "خليل"، الذي يعمل موظفا بالأوقاف في القاهرة متزوجًا منذ فترة، ولكنه لم يُرزق بأبناء، فوجد في أبناء أخيه أبوته المفتقدة وحنينه الدائم إلى الأبناء، فأخذهم معه إلى القاهرة، ليقيموا معه حيث يوفر لهم الرعاية والاستقرار بعد وفاة أمهم.
وبعد أكثر من سبع سنوات على وفاة السيدة "فهيمة" تزوج عبد الناصر من السيدة "عنايات مصطفى" في مدينة السويس 1933، ثم ما لبث أن تم نقله إلى القاهرة ليصبح مأمورا للبريد في حي "الخرنفش" بين الأزبكية والعباسية، فانتقل "جمال" وإخوته للعيش مع أبيهم، بعد أن تم نقل عمه "خليل" إلى إحدى القرى بالمحلة الكبرى، وكان في ذلك الوقت طالبًا في الصف الأول الثانوي.
وعندما حصل جمال على شهادة الثانوية من مدرسة النهضة المصرية بالقاهرة في عام 1937، كان يتوق إلى دراسة الحقوق، ولكنه ما لبث أن قرر دخول الكلية الحربية، بعد أن قضى بضعة أشهر في دراسة الحقوق. دخل الكلية الحربية، ولم يكن طلاب الكلية يتجاوزون 90 طالباً.
وبعد تخرجه من الكلية الحربية عام 1938، التحق بالكتيبة الثالثة بنادق، وتم نقله إلى "منقباد" بأسيوط، حيث التقى بأنور السادات وزكريا محيي الدين.
وفي سنة 1939، تم نقله إلى الإسكندرية، وهناك تعرف على عبد الحكيم عامر، الذي كان قد تخرج في الدفعة التالية له من الكلية الحربية، وفي عام 1942، تم نقله إلى معسكر العلمين، وما لبث أن نُقل إلى السودان ومعه عبد الحكيم عامر.
وعندما عاد من السودان تم تعيينه مدرسا بالكلية الحربية، والتحق بكلية أركان الحرب، فالتقى خلال دراسته بزملائه الذين أسس معهم "تنظيم الضباط الأحرار".

حرب 1948
كانت الفترة ما بين 1945 - 1947 هي البداية الحقيقية لتكوين نواة تنظيم الضباط الأحرار، فقد كان معظم الضباط، الذين أصبحوا - فيما بعد - اللجنة التنفيذية للضباط الأحرار، يعملون في العديد من الوحدات القريبة من القاهرة، وكانت تربطهم علاقات قوية بزملائهم، فكسبوا من بينهم مؤيدين لهم.
وكانت حرب 1948 هي الشرارة التي فجّرت عزم هؤلاء الضباط على الثورة ضد الفساد، بعد النكبة التي مُنِيَ بها العالم العربي في حرب فلسطين. وفي تلك الأثناء كان كثير من هؤلاء الضباط منخرطين بالفعل في حرب فلسطين.

الضباط الأحرار وقيام الثورة
وفي صيف 1949، نضجت فكرة إنشاء تنظيم ثوري سري في الجيش، وتشكلت لجنة تأسيسية ضمت في بدايتها خمسة أعضاء فقط، هم: جمال عبد الناصر، وكمال الدين حسين، وحسن إبراهيم، وخالد محيي الدين، وعبد المنعم عبد الرؤوف، ثم زيدت بعد ذلك إلى عشرة، بعد أن انضم إليها كل من: أنور السادات، وعبد الحكيم عامر، وعبد اللطيف بغدادي، وزكريا محيي الدين، وجمال سالم. وظل خارج اللجنة كل من: ثروت عكاشة، وعلي صبري، ويوسف منصور صديق.
وفي ذلك الوقت تم تعيين جمال عبد الناصر مدرسا في كلية أركان الحرب، ومَنحُهُ رتبة بكباشي "مقدم"، بعد حصوله على دبلوم أركان الحرب عام 1951، في أعقاب عودته من حرب فلسطين، وكان قد حوصر هو ومجموعة من رفاقه في "الفالوجا" أكثر من أربعة أشهر، وبلغ عدد الغارات الجوية عليها أثناء الحصار 220 غارة.
عاد بعد أن رأى بعينيه الموت يحصد أرواح جنوده وزملائه، الذين رفضوا الاستسلام لليهود، وقاوموا برغم الحصار العنيف والإمكانات المحدودة، وقاتلوا بفدائية نادرة وبطولة فريدة، حتى تم رفع الحصار في آذار/مارس 1949.
دخل دورات خارج مصر منها دورة السلاح أو الصنف في بريطانيا مما أتاح له التعرف على الحياة الغربية والتأثر بمنجزاتها. كما كان دائم التأثر بالأحداث الدولية وبالواقع العربي واحداثه السياسية وتداعيات الحرب العالمية الثانية وانقلاب بكر صدقي باشا كأول انقلاب عسكري في الوطن العربي في العراق عام 1936، وثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق ضد الانجليز والحكومة الموالية لهم عام 1941، وتأميم مصدق لنفط ايران عام 1951، والثورات العربية ضد المحتل مثل الثورة التونسية والثورة الليبية .
أعجب بحركة الإخوان المسلمين ثم ما لبث أن توصل إلى رأي بان لا جدوى من الأحزاب الدينية في الوطن العربي، بسبب تعدد الأعراق والطوائف والأديان فيه، إلى جانب الدين الإسلامي.

ثورة 23 تموز/يوليو 1952 وقيام الجمهورية
بعد سلسلة من الإخفاقات التي واجهها الملك فاروق داخليا وخارجيا، وخصوصا تخبطه في علاقاته أثناء الحرب العالمية الثانية بين دول المحور والحلفاء، تزعزع موقف مصر كثيرا وأدى إلى إنشاء ثاني أكبر قاعدة بريطانية في المنطقة في السويس "بعد الحبانية في الفلوجة في العراق". كما كان لموقفه في حرب 1948 التي خسر فيها الحرب الأثر السلبي على مصر والأوضاع فيها .
قبل ذلك كانت الدعوات والضغوطات داخليا وعربيا تحث قادة الجيش على لعب دور في إصلاح الأوضاع المصرية، منها ما كانت تبثه محطة إذاعة برلين العربية إبان الحرب العالمية الثانية والتي كانت تحت تصرف كل من الشخصية الوطنية العراقية رشيد عالي الكيلاني ومفتي القدس امين الحسيني. وأخذ الكيلاني بعد أن نجح في العراق عام 1941 بإحداث أول ثورة تحررية في الوطن العربي ضد الانجليز ذات أبعاد قومية تنادي بوحدة الأقطار العربية أطلق التصريحات والبيانات للقادة والجيوش العربية بضرورة الانتفاض ضد الهيمنة البريطانية والفرنسية. وحث الجيش المصري على الثورة ضد المستعمر الذي يدعم النظام الملكي، منبهاً من خطر المخططات الأجنبية لمنح فلسطين لليهود. وخص الجيش المصري بخطاب حثه فيه على مقاومة الانجليز من خلال دعم وتأييد الألمان ودول المحور.
وبعد مهادنة الملك فاروق للإنجليز أصدر الكيلاني بيانا حث فيه الجيش المصري بالانتفاض على الملك. ولقيت دعوة الكيلاني التفهم والترحيب من قبل القادة العسكريين المصريين، وكانت لطروحاته وشعاراته الثورية والتحررية من خلال إذاعة برلين العربية الأثر في نفوس ثوار مصر بالإطاحة بالملك فاروق في حركة تموز/يوليو 1952، لا سيما بعد أن تعمق هذا الإحساس بعد نكبة 1948.

الخلاف مع محمد نجيب وتولي الرئاسة
وفي تموز/يوليو 1952، قامت الثورة، فلم تلقَ مقاومة تُذكر، ولم يسقط في تلك الليلة سوى ضحيتين فقط، هما الجنديان اللذان قُتلا عند اقتحام مبنى القيادة العامة.
وكان الضباط الأحرار قد اختاروا "محمد نجيب" رئيسا لحركتهم، وذلك لِمَا كان يتمتع به من احترام وتقدير لدى ضباط الجيش، لسمعته الطيبة وحسه الوطني، فضلا عن كونه يمثل رتبة عالية في الجيش، وهو ما دعم الثورة وأكسبها تأييدا كبيراً، سواء من جانب الضباط، أو من جانب جماهير الشعب.
وكان عبد الناصر هو الرئيس الفعلي للجنة التأسيسية للضباط الأحرار، ومن ثم فقد نشأ صراع شديد على السلطة بينه وبين محمد نجيب، ما لبث أن أنهاه عبد الناصر لصالحه في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 1954، بعد أن اعتقل محمد نجيب، وحدد إقامته في منزله.
و استطاع أن يعقد اتفاقية مع بريطانيا لجلاء قواتها عن مصر في 19 تشرين الأول/أكتوبر 1954، وذلك بعد موافقته على التخلي عن وحدة مصر والسودان.
أدت سياسات جمال عبد الناصر المحايدة خلال الحرب الباردة بين الإتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية، إلى توتر العلاقات مع القوى الغربية، التي سحبت تمويلها للسد العالي، الذي كان عبد الناصر يخطط لبنائه، فرد عبد الناصر على ذلك بتأميم شركة قناة السويس عام 1956، الأمر الذي لقي استحسانا داخل مصر والوطن العربي. وبنتيجة ذلك، قامت كل من بريطانيا وفرنسا و"إسرائيل" بشن العدوان الثلاثي على مصر، الذي أدى إلى احتلال سيناء. لكن المعتدين أجبروا على الانسحاب تحت الضغوط الدولية التي مورست عليهم. وقد عزز ذلك مكانة عبد الناصر السياسية بشكل ملحوظ.
ومنذ ذلك الحين، نمت شعبية عبد الناصر في المنطقة بشكل كبير، وتزايدت الدعوات إلى الوحدة العربية تحت قيادته، وتحقق ذلك بقيام الجمهورية العربية المتحدة مع سورية (1958 - 1961).
وفي عام 1962، بدأ عبد الناصر سلسلة من القرارات الإشتراكية والإصلاحات التحديثية في مصر. وعلى الرغم من بعض النكسات التي تعرضت لها قضيته القومية، وصل أنصاره بحلول عام 1963 للسلطة في عدة دول عربية. وقد شارك في الحرب الأهلية اليمنية في هذا الوقت. قدم عبد الناصر دستورا جديدا في عام 1964، وهو العام نفسه الذي أصبح فيه رئيسا لحركة عدم الانحياز الدولية التي أسسها من قبل هو وكل من جواهر لال نهرو وجوزيف بروز تيتو.
بدأ عبد الناصر ولايته الرئاسية الثانية في آذار/مارس 1965، بعد انتخابه بدون معارضة، وتبع ذلك هزيمة مصر من قبل "إسرائيل" في عدوان 5 حزيران/يونيو 1967، وتنحى عبد الناصر عن جميع مناصبه السياسية بسبب تلك الهزيمة التي اصطلح العرب على تسميتها "نكسة"، ولكنه تراجع عن ذلك تحت ضغط المظاهرات الجماهيرية الحاشدة التي عمت مصر والدول العربية وطالبت بالعودة عن التنحي.
بين عامي 1967 و 1968 عين عبد الناصر نفسه رئيسا للوزراء وشن حرب الاستنزاف توطئة لاستعادة الأراضي التي فقدتها مصر في عدوان 5 حزيران/يونيو 1967، وبدأ عملية دعم تسييس الجيش وأصدر مجموعة من الإصلاحات الليبرالية السياسية.
بعد اختتام القمة العربية المصغرة التي انعقدت في القاهرة بشكل طارئ على خلفية أحداث أيلول/سبتمبر 1970 الدموية التي شهدها الأردن وإتمام المصالحة الفلسطينية - الأردنية، تعرض عبد الناصر لنوبة قلبية وتوفي في 28 أيلول/سبتمبر 1970. وشيع في القاهرة في جنازة مهيبة شارك فيها ملايين المصريين والعرب وأنصار الراحل الكبير في العالم.
يعتبره مؤيدوه في الوقت الحاضر رمزا للكرامة والعزة والوحدة العربية والجهود المناهضة للإمبريالية العالمية. ويعتبره المؤرخون واحداً من أبرز وأهم الشخصيات السياسية التي عرفها القرن العشرين، على مستوى الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013