على المستويي الاجتماعي والسياسي , ثمة أسئلة وإشكاليات نظرية عديدة , يتم إثارتها وطرحها للجدل والنقاش حول كيفية
1- صيانة الوحدة الوطنية والعيش المشترك والسلام الاجتماعي , في ظل بروز النزعة الطائفية ف المجتمعات والمجموعات البشرية المكونة لها . وهي ف مجملها أسئلة وجيهة وجديرة بالنقاش والحوار والبحث عن إجابات حقيقية وممكنة في آن .
ومن الضروري ف هذا السياق بيان أن الطائفية بكل حمولتها وأدبياتها وآفاقها , من الأمراض التي بدأت بالبروز في
الاجتماع العربي المعاصر .
وبالتالي من المهم بيان رؤيتنا السلبية والقدحية لهذه النزعة . وإن هذه النزعة بمتوالياتها المتعددة تساهم بخراب الأوطان وفي تدمير النسيج والوشائج الاجتماعية , وتلقي بظلها الثقيل على منجز الوحدة الوطنية
ونحن ف سياق مجتمعنا ووطننا, نعتبر الوحدة الوطنية من الضرورات التي لا يمكن التفريط بها , وإذا لم نسارع بوعي
وحكمة من معالجة الظاهرة الطائفية ونزعاتها التمزيقية , ستتمكن هذه النزعة من تهديد وحدتنا الوطنية .
ولكي تتضح الصورة جلية , ثمة مفارقة بي النزعة المذهبية والنزعة الطائفية . فليس كل نزعة مذهبية هي نزعة طائفية .
والمرذول أن يحمل الإنسان نزعة طائفية تصنع الحدود النفسية والاجتماعية مع من يختلف معه ف الانتماء المذهبي . بمعنى , من حق أي إنسان أن يتمذهب بأي مذهب فقهي يشاء , ولكن مما ليس من حقه أن يبني على حقه ف التمذهب رؤية
2- طائفية تحوّل الانتماء المذهبي الطبيعي إلى انتماء طائفي مسيس. فنحن مع حماية حق أي إنسان ف أن يتمذهب بأي مذهب يريد , ولكن ليس من حقه أن يبني ف نفسه وعقله وواقعه نزعة طائفية تترجم ف أهداف سياسية مختلفة .
لذلك فإننا حينما نتحدث عن الطائفية واعتبارها من المشاكل العميقة التي تواجه مجتمعاتنا اليوم , لا نتحدث عن حاجة
الإنسان إلى التمذهب والالتزام برؤية فقهية ومعرفية محددة . فالتمذهب الطبيعي ليس مضادا لمفهوم وحقائق الوحدة الوطنية
. أما النزعة الطائفية فهي مضادة بطبعها إلى الوحدة الوطنية بكل حقائقها ومتطلباتها .
والمجتمعات الإنسانية التي تعاني اليوم من بروز النزعات الطائفية لديها , هي معنية قبل غيرها إلى معالجة هذه النزعة عن طريق :
1. الإعلاء من قيمة المواطنة , واعتبارها هي القاعدة المشتركة التي تجمع كل المواطني . فلا علاج فعال إلى النزعة
الطائفية إلا بالإعلاء من قيمة المواطنة وجعلها هي مصدر الحقوق والواجبات ف الدائرة الوطنية .
2.بناء حقائق الوئام والتسامح والتفاهم بي مختلف مكونات وتعبيرات المجتمع , وإخماد أية نزعة عدائية بي كل تعبيرات التنوع الموجودة ف المجتمع وبناء هذه الحقائق بحاجة إلى جهود وطنية مستديمة , تستهدف حماية حقائق التنوع ف المجتمع عبر بناء الحقائق- المضادة ل3نزعات الانزواء والانطواء من جهة , ومن جهة أخرى لإنهاء حالة الشعور بالنرجسية التي قد يشعر بها هذا المكون الاجتماعي أو ذاك
3- . تثبيت قيم الاحترام المتبادل بي مختلف المكونات والتعبيرات . فليس مطلوبا أن تغادر موقعك الفكري أو الثقاف , وليس مطلوبا من الآخر ذلك . المطلوب من الجميع الالتزام بكل مقتضيات الاحترام المتبادل . فمن موقع الاختلاف يتم الاحترام المتبادل . فنحن من مواقعنا المختلفة قد نختلف وتتباين وجهات نظرنا , ولكن هذ ا الاختلاف والتباين لا يشرع إلى أي طرف تجاوز حدود ومقتضيات الاحترام المتبادل . ولا أحد يقول أن من شروط الاحترام المتبادل أن تتطابق وجهات نظرنا ف كل شيء . نحن نختلف مع بعضنا وتتباين وجهات نظرنا في الكثير من القضايا والأمور , ولكن هذا التباين لا يعني أن نتعدى على بعضنا البعض . فمن موقع الاختلاف ندعو إلى الاحترام المتبادل . عن طريق هذه الحقائق والممارسات , تتمكن المجتمعات المتنوعة من ضبط النزعات الطائفية التي قد تبرز من جراء حالات التنوع والتعدد الموجودة ف المجتمع . وعليه فإن الوحدة الوطنية , لا يمكن أن تبنى أو تتعزز ف ظل انتشار النزعات الطائفية . وعليه , من يريد تعزيز وحدته الوطنية
4- فعليه أن يحارب كل نزعات التطرف والطائفية الموجودة في المجتمع . ومن يتراخى ف معالجة المشكلة الطائفية , كأنه يتراخى عن مواجهة كل خصوم الوحدة الوطنية . وبمقدار ما تتمكن المجتمعات المتنوعة, من معالجة النزعات
الطائفية , بذات المقدار تتمكن من تعزيز وحدتها الوطنية وتمتي اللحمة الوطنية بي مختلف المكونات والمجموعات البشرية . وعليه فإننا نعتقد أن كل إنسان يساهم ف إثارة النعرات الطائفية ف المجتمع , فإنه يعمل بالضد من الوحدة الوطنية ومقتضياتها المتنوعة . وف ظل الظروف الحساسة التي تعيشها كامل المنطقة العربية والإسلامية على أكثر من صعيد ومستوى , تتأكد الحاجة الماسة للعمل الجاد والمتواصل لتصليب الوحدة الوطنية ومنع انتشار كل الميكروبات الاجتماعية والثقافية التي تساهم ف خلق ثقوب اجتماعية ووطنية على النقيض من حقائق ومستلزمات الوحدة الوطنية . الرغبات المجردة بوحدها , لا تحمي الوحدة الوطنية ولا تصون أي مكسب من مكاسب الوطن المتنوعة . فالرغبة مطلوبة ولكن تلك الرغبة التي تستند على إرادة إنسانية صلبة باتجاه حماية الوحدة الوطنية وصيانة الوطن من كل المخاطر و التحديات
5- وأضحت النزعات الطائفية بكل مستوياتها وحمولاتها النفسية والسلوكية , هي من أبرز المخاطر التي تضعف الوحدة الوطنية وتهدد استمرارها وحمايتها . ولا طريق فعلي لتعزيز قيم الوحدة الوطنية , إلا بالوقوف الحازم ضد كل النزعات الطائفية التي هي بالضرورة نزعات تقسيمية , تقف بالضد من كل حقائق الوطن ووحدته الداخلية . فلنحارب الطائفية في مجتمعنا , حتى نتمكن بفعالية من حماية وتعزيز وحدتنا الوطنية .
6-ومن يهمه أمر وحدة الوطن والمواطني عليه أن يعمل ويقف بصلابة ضد كل النزعات الطائفية التي قد تحدث شروخا عميقة ف البناء الاجتماعي الواحد ..
ِِ