عندما تكون الخيانه او العماله وجهة نظر - على الدنيا السلام التقارير والمقالات | عندما تكون الخيانه او العماله وجهة نظر - على الدنيا السلام
تاريخ النشر: 20-07-2022

بقلم: طارق صياح حاتم

- اللجنة الدستورية تقدُّم محبط و أحلامٌ بنهاية المأساة السورية:

أحد عشر عاماً مضت على بدء الأزمة السورية التي لم يسلم منها البشر و لا الحجر و أتت على مقدرات البلاد و وزعت شبابه في ثلاث دروب، الموت أو الهجرة أو حمل السلاح و لم ينجو من آثارها إلا القليل و يعاني الشعب السوري على اختلاف مشاربه و طوائفه و معتقداته و إيديولوجياته ما يعانيه في المغترب و تتقاذفه تصريحات الساسة في دول اللجوء و تستغل قضيته في معتركاتها الانتخابية و السياسية و هو بين مطرقة الغربة و سندان الحكومات و لا معين و لا مغيث إلا الله و عيونه ترنو إلى وطنٍ هُجِّر عنه قسراً هارباً من أعتى الحروب و أقسى أشكال الإرهاب الدولي المنظم الذي لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلاً أبداً و المدعوم من استخباراتٍ عربيةٍ و إقليميةٍ و دولية لم تعد خافيةً على أحد بعد كل هذه السنون.

- اللجنة الدستورية؛ التأسيس و المهام:

بناءً على قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ الصادر عام ٢٠١٥م عن الأمم المتحدة و القاضي بتيسير العملية السياسية التي يقودها السوريون أنفُسُهم، و التي تحدد ضمن أمور أخرى، جدولًا زمنياً و عملياً لصياغة دستورٍ جديدٍ للبلاد يضع عناوينه و تفاصيله السوريين أنفسهم دون توجيهٍ أو ضغط أو أوامرٍ من أحد و بموجبه يتم إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وفقاً لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، مع جميع السوريين الذين يمكن لهم المشاركة، بمن فيهم اولئك الذين يعيشون في المهجر.

تم تأسيس اللجنة الدستورية بناءً على اتفاق بين الحكومة الدستورية للجمهورية العربية السورية و هيئة التفاوض السورية المعارضة على حزمة اتفاقات بشأن الاختصاصات و قواعد الإجراءات الأساسية، والتي أعلن عنها الأمين العام للأمم المتحدة في ٢٣ أيلول ٢٠١٩م. و هي تجري اليوم جولتها الثامنة بعد سبع جولات محبطة و مخيبة للآمال عمّقت الجرح السوري النازف و زادت آلامه و دمرت أحلامه.

- عصي في عجلات اللجنة و تبادل للاتهامات:

المنطقيّ في هكذا ظرف حساس من وضع الشعب السوري و واقعه المرير أن من يعمل في هذه اللجنة يعاني ضغوطاً نفسيةً و وجدانيةً و مهمة أخلاقية و أمانةً ثقيلةً في عنق كل عضوٍ في هذه اللجنة و يحمل أعضاء اللجنة من دمشق آمال الشعب و آلامه و أمانةً ثقيلةً من أمهات الشهداء الذين قضوا نحبهم دفاعاً عن هذه الأرض الطاهرة عن كل ترابها و حدودها عن دينها و أعراض شعبها و تاريخها و عقائدها و ثوابتها الوطنية و أيُّ تفريطٍ بهذه الثوابت و الأمانات خيانة عظمى للشعب و الوطن و دماء شهداء جيش هذا الوطن و شبابه و هذا عهدنا بأن أبناء سورية لن يفرطوا بثوابتهم و أن كل ما خلا هذه الثوابت قابل للنقاش بما يعجل حقن دماء السوريين. لكن ماذا عن الجولات السبع العجاف التي مضت و ماذا عن روّاد الفنادق و رجال السفارات و منصات العواصم الإقليمية التي تأتي ميزانياتها من بعض الدول الإقليمية و بهذا يرتهن قرارها لإرادة هذه الدول و تنفِذ باحترافية و دقة تعليمات مموليها و لا تجرؤ حتى على النقاش و اتخاذ قرارات مهما كان سطحها و درجة حساسيتها و أهميتها و يتوجب عليها العودة لصاحب القرار الذي تتبع له و هذا ما ينعكس سلباً على عملها و سرعةِ أدائها إذ يسعى المشغّلون فيها لإضاعة الوقت و كسب عامل الزمان للضغط على الأسد الذي يعاني و شعبه و دولته و مؤسساتها ضغوطاً لم تشهد لها البلاد مثيلاً على مدى عقود و ينتظر هؤلاء المشغلون أن يقدّم لهم الأسد تنازلاتٍ جوهرية لم يقدمها في ميدان المعركة و صمد و خلفه شعبه بكل بسالة دون تراجع أو تنازل و هنا تكمن مشكلة هذه اللجنة و عيوبها التي تتسبب و للأسف ببطء عملها و تراجع نتائج جولاتها.

هذه اللجنة يا سادة و بناء على مقالٍ أورده مركز قاسيون  للدراسات في الرابع و العشرين من نوفمبر الماضي قد كلفت خلال عامين عشرين مليون دولاراً في ست جولاتٍ لها و خلال مئة ساعة عمل فقط ولك عزيزي القارئ أن تتصور كيف صرفت هذه الدولارات على رفاه أعضاء هذه اللجنة و حمايتهم و استقبالهم و بطاقات سفرهم ليصلوا إلى الغرف المغلقة و يتقاذفون الاتهامات بالبراغماتية و العمالة و التبعية و الديكتاتورية و هم في حالة انفصامٍ كامل عن واقع و معاناة و مشكلات هذا الشعب الجريح و بعد كل جولة يسرب بعضهم نهفات بعض زملائهم و الاوامر الهاتفية الفورية و غرف الإدارة الاستخباراتية المعروفة للجميع و هنا يحضرني تاريخ مفاوضات فييتنام و الولايات المتحدة حيث كان يصر وفد فييتنام أن ينام ضيفاً في السكن الجامعي لطلبةٍ من أبناء وطنهم رغم تهيئة الفنادق الأوروبية الفاخرة لاستقبالهم لكن سجّل التاريخ أن المفاوضين امتنعوا عن الإقامة في الفنادق كي لا تسوِّل لهم أنفسهم يوماً أن ينسوا معاناة شعبهم و نضاله في مقارعة الإستعمار الأمريكي. أعضاء الوفد الحكومي من سياسيين و مسؤولين و مثقفين و رجال دولة و قانون ليسوا في أحسن أحوالهم و يقيمون مع الشعب السوريً و يعانون الغلاء و نقص الغذاء و انقطاع الكهرباء و سوء الخدمات و فقدان الكثير من المواد الأساسية و مهما بلغ دعم الحكومة لهم مادياً فمجرد إقامتهم بين السوريين و نظراتهم في أعين الأمهات و الآباء يحمل لهم الكثير من الرسائل و الوصايا و يحملهم أماناتٍ ثقيلةً من الطموحات و حال الشعب يقول تعبنا و أنهكتنا الحرب لكننا خلفكم صامدون أسرعوا و لا تتعجلوا فدماء أبنائنا أمانةٌ في أعناقكم.

- مستقبل عمل اللجنة في ظل المتغيرات الدولية:

ما يعرفه الجميع و يدركه القاصي و الداني أن هناك لاعبين كبار على المستوى الدولي يؤثرون و يؤثر وضعهم و مستوى علاقاتهم على المعادلة السورية و هنا نذكر روسية و أمريكا و لاننسى اللاعبَين الأهم على المستوى الإقليمي و هم تركية و إيران  و دورهم في هذه العملية و ما تركته العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا من أثر على عمل اللجنة على الأقل تأخير بدء جولتها الثامنة في ظل التوتر الحاصل في العلاقات الأمريكية الأوروبية الروسية كما لاننسى الدور التركي المعطل للعمل و الراغب بكسب ضمانات أو مكاسب و تنازلات من دمشق لاستثمارها في الحملة الانتخابية لحزب العدالة و التنمية و قضية اللاجئين التي أصبحت تشكل عبءً سياسياً ثقيلاً على كاهل الحكومة التركيّة. تضيع اللجنة في التفاصيل و تنتظر الأوامر من مشغلي بعض أعضائها الذين يقضون أيامهم في غرف الفنادق السويسرية على حساب الشعب السوريّ و دمائه دون خجل أو تأنيب ضمير و يتغنون بصمودهم و أنهم يدافعون عما یسمى الثورة و عن ضحاياها و دمائهم و يكتبون الخطب و يصرحون متراشقين التهم نحو وفد الدولة السورية و كل متابع للشأن السوري يعرف حقيقة ما يجري.

اللجنة الدستورية لسورية و لشعبها و منها و لا يمكنها النجاح مالم تكن سوريةً جملةً و تفصيلاً و قرارها سوريّ شكلاً و مضموناً دون أي تدخل من أحد و بدون أي تعليمات تمليها هذه الدولة أو تلك و إن مخرجات هذه اللجنة مخجلةٌ حتى هذه اللحظة و يجب إعادة النظر بها و بمخرجاتها و أشخاصها و أفضل مكان لها تعقد فيه جلساتها هو عاصمة السوريين جميعاً؛ دمشق الفيحاء عاصمة العروبة بضماناتٍ يقدمها الأسد للعرب و للأمم المتحدة و برعايةٍ عربيةٍ و دولية و إقليمية و بقرار عربي من جامعة الدول العربية يسجل في تاريخها بعد أن يتم إعادة سورية لموقعها الجيوسياسي الذي تستحق و لكن يا تُرى هل من مجيب؟!

 


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013