مفاهيم منوّعة - المفاعل النووي المجلس الاجتماعي | مفاهيم منوّعة - المفاعل النووي
تاريخ النشر: 26-05-2022

بقلم: بسام المعصراني

المفاعل النووي nuclear reactor هو منظومة أجهزة يُحدث فيها التفاعل الانشطاري النووي ذاتياً بصورة متحكم بها، إذ تقوم النترونات بإحداث الانشطار في نوى الوقود النووي فيولّد ذلك طاقة وإشعاعاً ونترونات، أي يحدث ما يسمى بالتفاعل النتروني المتسلسل neutron chain reaction.
يوفر المفاعل النووي جملة المواد للحفاظ على التفاعل النتروني المستمر وللتحكم به ولترحيل الحرارة الناتجة من تفاعلات الانشطار بالصورة الملائمة، ويراعى توفير عوامل الأمان للحماية من الإشعاع ومن المواد ذات النشاط الإشعاعي التي تنتج في أثناء تشغيل المفاعل. وتُستخدم المفاعلات النووية لأغراض مختلفة أهمها توليد الطاقة الكهربائية، كما تُستخدم للتشعيع النووي ولإنتاج مواد خاصة. بُني أول مفاعل نووي عام 1942، وتلته مئات المفاعلات في كثير من البلاد وهي تختلف عن بعضها من حيث المواد المستخدمة فيها ومن حيث تصميمها واستطاعتها

لمحة تاريخية:
كان إنريكو فرمي E.Fermi وليو شيلارد L. Szilard أول من بنى مفاعلاً نووياً في جامعة شيكاغو في عام 1942. واستخدمت المفاعلات النووية الأولى في أربعينيات القرن العشرين لتوليد البلوتونيوم [ر] للأسلحة النووية. ثم استخدمت مفاعلات أخرى في البحرية لتسيير الغواصات. وفي منتصف الخمسينيات من القرن العشرين أُجريت في الاتحاد السوڤييتي وفي دول غربية أخرى أبحاث حول استخدام المفاعلات النووية لأغراض غير عسكرية. وفي عام 1951 أنتجت طاقة كهربائية لأول مرة من مولدات تعمل بالطاقة النووية. وكان أول مفاعل يولد الكهرباء لأغراض تجارية قد بني في روسيا في عام 1954. وبدأ تشغيل أول مفاعل نووي لتوليد الكهرباء في الولايات المتحدة في عام 1957.
وبعد أن أنشئت مئات المفاعلات في بلدان كثيرة توقف بناؤها في بعض البلدان، ومنها الولايات المتحدة (في الثمانينيات)، وكان ذلك لأسباب اقتصادية ثم أعادت النظر في ذلك في عام 2004، وسوف تبنى مفاعلات نووية جديدة لتوليد الكهرباء لأنها لا تتسبب في إطلاق غازات ضارة بالبيئة.
وصف المفاعل:
يتألف المفاعل النووي من ثلاثة أجزاء (الشكل 1):
- جزء فعّال هو قلب المفاعل reactor core
- أجهزة تحكم وأمان.
- حاوية محكمة تستطيع تحمل ضغوط عالية.
1- قلب المفاعل: تختلف المفاعلات عن بعضها تبعاً للعناصر الرئيسة الثلاثة التي تميز القلب وهي : الوقود fuel والمهدّئ moderator والمبرّد coolant (أو المائع الحامل للحرارة).
أ - الوقود النووي: ويمكن أن يكون من اليورانيوم، وهو الأكثر استخداماً، أو من البلوتونيوم. واليورانيوم يمكن أن يكون إما بشكله الطبيعي (الذي يحتوي على 0.7 في المئة من اليورانيوم 235 وعلى 99.3 في المئة من اليورانيوم 238) أو مخصّباً enriched زيدت فيه نسبة اليورانيوم 235 إلى نحو 3 إلى 4 في المئة.
يستخدم اليورانيوم الطبيعي أكثر ما يستخدم على شكل قضبان مصمتة أو مجوفة (أنابيب) من اليورانيوم المعدني نصف قطرها عدة سنتمترات وطولها عشرات السنتمترات. أما اليورانيوم المخصّب فيستخدم عادة على شكل أكسيد اليورانيوم UO2 بصورة أسطوانات صغيرة قطرها عدة مليمترات وارتفاعها نحو 15 مليمتر توضع فوق بعضها في أنابيب معدنية.
يتعرض اليورانيوم المعدني للأذى بسبب الإشعاع وهذا يُحِد من عمره التشغيلي في المفاعل، إلا أنه يمكن تحسين متوسط عمره المتوقع نوعاً ما بوساطة المعالجة الحرارية، وأكثر من ذلك بإضافة عناصر أخرى إليه مثل الزركونيوم أو الملبدينيوم. أما أكسيد اليورانيوم فمقاومته لأذى الإشعاع أكبر، فضلاً عن أنه يقاوم التآكل في الماء. ولكن ناقليته الحرارية وكثافته أخفض من تلك التي للمعدن، وهذا يجعله أسوأ من المعدن في بعض التطبيقات.
يُحاط الوقود، لمنع تسرب نواتج الانشطار التي تتشكل فيه ولتجنب التلوث الخارجي، بغلاف محكم الإغلاق يحميه كذلك من التآكل والتحات الذي يسببه المائع الحامل للحرارة المحيط به. ويشكل هذا الغلاف كذلك دعامة ميكانيكية له. ويمكن أن يكون الغلاف من المغنزيوم أو من الفولاذ غير القابل للصدأ أو من سبيكة من الزركونيوم.
أما البلوتونيوم 239 فينتج بوساطة أسر نترون إضافي في اليورانيوم 238 ما بعد اليورانيوم فهو ناتج ثانوي في مفاعلات توليد الكهرباء النووية. وقد أنتجت اليابان وحدها، على سبيل المثال، 10 طن من البلوتونيوم نتيجة لبرنامج مفاعلاتها التجارية. لكن البلوتونيوم لا يزال، كوقود نووي تجاري، في مرحلة التجريب والاختبار في أوربا واليابان، أما في الولايات المتحدة فقد استبعدت إلى أجل غير مسمى منذ عام 1977 عملية تدوير البلوتونيوم من الوقود المستنفد.
ب - المهدّئ: لابد لاستمرار التفاعل المتسلسل من تهدئة النترونات الناتجة من التفاعل والتي تبلغ سرعتها نحو 20000 كم/ثا إلى سرعة تبلغ تقريباً 2 كم/ثا فقط. وتدعى عندئذ نترونات حرارية. وهذا هو دور المهدئ الذي يمكن أن يسمى أيضاً مبطّئأً. يتألف المهدئ من ذرات خفيفة بحيث إن النترونات التي تصطدم بنوى هذه الذرات اصطدامات مرنة متتالية، مثلها في ذلك مثل كرات البلياردو، تفقد جزءاً كبيراً من طاقتها الحركية من دون أن تؤسر. ويزداد احتمال أن يتسبب نترون في انشطار نواة من مادة الوقود ازدياداً كبيراً حين تكون سرعة هذا النترون صغيرة، ولذلك تستخدم معظم المفاعلات مهدئاً لتحويل النترونات السريعة إلى نترونات حرارية (أي بطيئة). وهذا يتيح استخدام مقادير أقل وتراكيز أصغر من المواد القابلة للانشطار. وأكثر المواد استخداماً كمهدئ هو الغرافيت والماء العادي والماء الثقيل والبريليوم أو سوائل عضوية معينة.
ج- المبرّد (أو المائع الحامل للحرارة): إن معظم الطاقة التي يحررها انشطار الوقود النووي هي طاقة حركية، تحملها شظايا الانشطار، تتحول بدورها إلى حرارة لدى تباطئها ومن ثم توقفها. وترحََّل هذه الحرارة من قلب المفاعل إلى خارجه بوساطة مائع تحركه مضخة. وينبغي أن تتوافر في هذا المائع الصفات الآتية:
ـ أن يكون مستقراً من الناحية الكيمياوية.
ـ ألا يأسر من النترونات إلا أقل ما يمكن.
ـ أن تكون سعته وناقليته الحراريتان كبيرتين لدرجة كافية.
ـ ألا يسبب تآكلاً إن في غلاف الوقود أو في مكونات المفاعل الأخرى.
ويمكن أن يكون هذا المائع إما غاز الكربون (كما في مفاعلات اليورانيوم الطبيعي)، أو من الصوديوم المنصهر (كما في المفاعلات السريعة الولودة)، أو من الهليوم، أو من الماء الثقيل، أو من سوائل عضوية (كما في الأنواع الأخرى من المفاعلات).
2- أجهزة التحكم والأمان: يكون المفاعل حرجاً critical حين يكون معدل إنتاج النترونات فيه مساوياً معدل امتصاصها في القلب وتسربها إلى خارجه. ويكون دون الحرج subcriticalإذا كان عدد النترونات المنتجة أقل من عدد المستهلك منها، وهذا يؤدي إلى توقف التفاعل المتسلسل، ويكون فوق الحرج supercritical إذا كان عدد النترونات المنتجة أكبر من عدد المستهلَك منها. لذلك يحتاج التحكم بالمفاعل إلى قياس الشروط الحرجة قياساً مستمراً وضبطها. ويتم التحكم بالمفاعل بوساطة ضبط التوازن بين إنتاج النترونات واستهلاكها، أي الحفاظ على التفاعل النووي المتسلسل في مستوى محدد. ويجري التحكم باستهلاك النترونات عادة بوساطة تغيير امتصاصها أو تسربها، لكن يمكن كذلك التحكم بمعدل توليد النترونات بوساطة تغيير كمية المادة القابلة للانشطار في قلب المفاعل.
يتكون جهاز التحكم من قضبان تحكم (وأمان) control rodsمصنوعة من مواد لها خاصة امتصاص النترونات ( مثل الكدميوم والبور) يجري ضبط إدخالها في قلب المفاعل ضمن شروط متحكم بها بصرامة. وينبغي أن تكون هذه القضبان مرتبة بحيث تزيد التفاعلية reactivity (أي تزيد عدد النترونات) ببطء وبتحكم جيد، كما ينبغي أن تكون قادرة على إنقاص التفاعلية إنقاصاً بطيئاً وإنقاصاً سريعاً إذا اقتضى الأمر.
ويمكن تشغيل سواقات التحكم إما آلياً أو بوساطة المشغّل. وهذه السواقات يمكن أن تكون كهرميكانيكية أو هدروليكية تسبب حركة إدخال قضبان التحكم إلى القلب وإخراجها منه. ويتيح جعل هذه القضبان تسقط بسرعة داخل القلب تحت تأثير ثقلها إيقاف المفاعل فجأة scram في حال الخطر.
3- الحاوية المُحكمة: ينبغي أن تتحمل الحاوية التي تضم قلب المفاعل وأجهزة التحكم ضغطَ المائع الحامل للحرارة. وهي إما أن تكون من الخرسانة المسبقة الإجهاد سمكها عدة أمتار (كما في المفاعلات العاملة على اليورانيوم الطبيعي والغرافيت والغاز)، أو أن تكون معدنية يبلغ سمكها نحو 15 سم مبطنة من الداخل بالفولاذ غير القابل للصدأ (كما في مفاعلات الماء العادي).
أنواع المفاعلات:
توجد أنواع كثيرة من المفاعلات النووية الانشطارية يمكن تصنيفها بطرائق متعددة وفقاً للآتي:
ـ الهدف منها: مفاعلات بحث أو تجريبية أو تدريب أو لتوليد الكهرباء أو للتشعيع أو لتوليد البلوتونيوم.
ـ طبيعة الوقود: يورانيوم طبيعي أو مخصب أو بلوتونيوم.
ـ طبيعة النترونات المسببة للانشطار: نترونات حرارية أو سريعة.
ـ توزع الوقود النووي والمهدئ: ففي المفاعلات «المختلفة» heterogeneous يكون الوقود والمهدئ مفصولين، وفي المفاعلات «المتجانسة» homogeneous يكون الوقود والمهدئ ممزوجين أو يكون الوقود منحلاً في المهدئ.
فإذا صُنِّفت المفاعلات تبعاً لطاقة النترونات المسببة للانشطار النووي كان هناك صنفان:
1) المفاعلات الحرارية thermal reactors وهي التي تستخدم النترونات الحرارية، وتتصف بأنها تحتوي على مواد مهدئة تبطئ النترونات حتى تقترب طاقتها من الطاقة الحركية الوسطية للجسيمات المحيطة بها. وهي تُقسم بدورها إلى عدة أنواع تبعاً لنوع الوقود ونوع المهدئ:
ـ مفاعلات تستخدم اليورانيوم الطبيعي وقوداً والغرافيت مهدئاً والغاز (الهليوم أو النتروجين أو ثنائي أكسيد الكربون) مبرّداً. وهذه المفاعلات تكون عادة كبيرة الحجم لأن اليورانيوم الطبيعي لا يوفر سوى القليل من النترونات، ولذلك تكون تكلفة بنائها باهظة.
ـ مفاعلات تستخدم اليورانيوم المخصّب وقوداً والماء العادي المضغوط مهدئاً ومبرداً مفاعلات الماء المضغوط PWR)). وحجم هذا النوع من المفاعلات أصغر نسبياً من المفاعلات الحرارية لأن اليورانيوم المخصب يوفر عدداً كبيراً من النترونات، ولهذا يمكن استخدام الماء العادي مهدئاً ومبرداً في الوقت نفسه. تصل درجة الحرارة في هذا النوع إلى 250 - 300 س ويبلغ الضغط 130 إلى 150 كغ/ سم2.
ـ مفاعلات تستخدم اليورانيوم المخصب وقوداً والماء العادي الغالي (BWR) boiling-water reactor، وهي كالسابقة سوى أن الماء فيها يغلي ويبلغ الضغط فيها 50 إلى 80 كغ/سم2 .
ـ مفاعلات مهدأة بالغرافيت ومبردة بالماء العادي (RBMK) reactor bolshoymoshchosty kanaly (التسمية الروسية)
ـ مفاعلات مبردة ومهدأة بالماء الثقيل المضغوط (PHWR) pressurized heavy water reactor أو (CANDU) Canadaian deuterium uranium
2) المفاعلات السريعة fast reactors وهي التي تستخدم النترونات السريعة للحفاظ على التفاعل المتسلسل وتتصف بعدم وجود مادة مهدئة فيها. وتتطلب استخدام وقود من اليورانيوم المخصب إلى درجة عالية ( قد تصل إلى درجة التخصيب اللازمة للأسلحة النووية) أو من البلوتونيوم. بعض هذه المفاعلات قادر على توليد كمية من الوقود تفوق تلك التي يستهلكها (وهي المفاعلات السريعة الولودة fast breeder reactors FBR). لكن هذا الصنف من المفاعلات لم يبلغ بعد النجاح الذي بلغته المفاعلات الحرارية.
يُضاف إلى ما سبق:
3) المفاعلات المتقدمة: يجري تطوير أكثر من عشرة تصاميم مفاعلات متقدمة يستند بعضها إلى مفاعلات معروفة مثل PWR وBWR ËCANDU، في حين تختلف تصاميم الأخرى اختلافاً جذريا عن السابقة مثل التصميم المسمى مفاعل السرير الحصوي ذا الوحدات pebble bed modular reactor (PBMR) والمفاعل المبرد بالغاز ذا درجة الحرارة العالية (HTGCR) high temperature gas cooled reactor.
كما يجري البحث فيما يسمى بمفاعلات الجيل الرابع Generation IV Reactors التي تشمل الأنواع الآتية:
- المفاعل السريع المبرَّد بالغاز.
- المفاعل السريع المبرد بالرصاص.
- مفاعل الملح المنصهر.
- المفاعل السريع المبرد بالصوديوم.
- المفاعل فوق الحرج المبرد بالماء.
- المفاعل ذو درجة الحرارة العالية جداً.
تطبيقات المفاعلات:
تستخدم المفاعلات النووية لأغراض متعددة أهمها ما يأتي:
- توليد الحرارة وذلك إما لاستخدامها لتوليد الكهرباء في المحطات النووية أو لاستخدامها لتدفئة المنازل، أو لإزالة ملوحة المياه.
- الدفع propulsion لتسيير الغواصات أو لدفع الصواريخ النووية الحرارية.
- تحويل العناصر إلى أخرى مثل إنتاج البلوتونيوم (غالباً لاستخدامه في الأسلحة النووية أو اليورانيوم 233)، أو صنع نظائر مشعة مختلفة ( مثل الأمريسيوم المستخدم في صنع كواشف الدخان ونظائر أخرى، مثل الكوبالت 60، تستخدم في تعقيم الأطعمة والمنتجات الأخرى).
- البحث العلمي والاختبار والتعليم (بوصف المفاعل مصدراً للنترونات).
- تطوير التقانة النووية.:
ولعل أوسع التطبيقات انتشاراً هو استخدامها لتوليد الكهرباء، فهي تستخدم في المحطات النووية لتوليد الكهرباء بوساطة الحرارة الناتجة من التفاعلات النووية لتوليد البخار أو لتسخين الغازات لتدوير عنفات المولدات. ومع أن تحويل طاقة الانشطار النووي إلى عمل مفيد وممكن، إلا أنه لم يجر حتى اليوم تحقيقه بكفاية. ولذلك فإن محطة توليد الكهرباء النووية تشبه في عملها محطات التوليد الحرارية التي تستخدم الفحم الحجري أو الوقود النفطي أو الغاز الطبيعي فيما عدا أن المفاعل النووي يحلّ فيها محلّ المرجل العادي مصدراً للحرارة، الشكل (1). وتعطى استطاعة المفاعل عادة بالميغاواط الحراري MWth للتعبير عن معدل توليد الحرارة فيه. أما ما تولده محطة نووية من كهرباء فهو عادة نحو ثُلث الحرارة المولدة. ففي مفاعل استطاعته بين 1500 و2000 ميغاواط حراري تكون الاستطاعة الكهربائية التي تولدها المحطة النووية العاملة عليه بين 400 و 600 (وقد تصل إلى 1000) ميغاواط كهربائي.

المراجع :
بسام المعصراني
الاندماج النووي ـ الحجرات والعدادات النووية ـ الطاقة النووية ـ العناصر المشعة.
- S. GLASSTONE, A. SESONKE, Nuclear Reactor Engineering (4th ed. 1993).
- B. LAPONCHE, Introduction à l‘étude neutronique des réacteurs nucléaires (P.U.F. 1969)


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013