مفاهيم منوّعة - نظرية الظروف الطارئة المجلس الاجتماعي | مفاهيم منوّعة - نظرية الظروف الطارئة
تاريخ النشر: 31-03-2022

بقلم: محمد حاتم البيات

أصل نظرية الحوادث الطارئة وأساسها القانوني
شروط تطبيق نظرية الحوادث الطارئة
حكم القانون بشأن نظرية الظروف الطارئة
التمييز بين الحادث الاستثنائي العام والقوة القاهرة

تفترض نظرية الظروف الطارئة حالة عقد ما لم يكن واجب النفاذ حال انعقاده، وإنما يتراخى تنفيذه إلى أجل، حيث يختل التوازن في هذا العقد، وتتغير ظروف التعاقد عند مرحلة التنفيذ عما كانت عليه في مرحلة الانعقاد؛ وذلك بتقلب الظروف الاقتصادية فجائياً نتيجة حادث لم يكن في الحسبان. ففي عقد التوريد مثلاً لو ارتفعت الأسعار لظرف الحرب مثلاً بحيث أصبح السعر الذي يحصل به المدين في الالتزام على السلعة الملزم بتوريدها أكبر من السعر الذي يبيع به وفق هذا العقد بحيث يصبح تنفيذ المدين لالتزاماته في عقد التوريد يهدده بخسارة فادحة تخرج عن الحد المألوف في العرف التجاري، وهو ما عبر عنه الفقه باختلال التوازن الاقتصادي للعقد إخلالاً خطيراً.
يرى بعض الفقهاء أن لكل عقد شرطاً ضمنياً مفاده أن الظروف الاقتصادية التي انبرم من خلالها تبقى عند تنفيذه ولا تتغير تغيراً جوهرياً، فلو تغيرت يصبح تنفيذ العقد مهدداً بخسارة فادحة بالنسبة إلى أحد أطرافه، لذا ووفقاً لنظرية الظروف الطارئة وجب تعديل هذا العقد ليزول الحيف الناشئ من هذا التغير المفاجئ في الظروف الاقتصادية.
ومع ذلك اصطدمت هذه النظرية بمبدأ سلطان الإرادة الذي طغى عليها، وجعل الإرادة هي المصدر الرئيس لتلك الالتزامات التعاقدية وما يترتب عليها من آثار، فلو نشأ العقد بتوافق الإرادتين الحرتين اللتين يتمتع بهما كل من المتعاقدين؛ كان وحده قانونهما، فلا يمكن نقضه أو تعديله إلا باتفاقهما المشترك.
أولاً ـ أصل نظرية الحوادث الطارئة وأساسها القانوني:
تعدُّ نظرية الحوادث الطارئة من النظريات المستحدثة في علم القانون. وقد أحدث إقرارها إشكاليات قانونية متعددة بين مؤيد ومعارض إلى أن وصلت إلى ما هو عليه الآن؛ وذلك بإقرارها في التشريعات المدنية وتحديد نطاق تطبيقها عملياً. فمن أين نشأت تلك النظرية؟ وما أساسها القانوني؟
1ـ أصل النظرية:
إن نظرية الحوادث الطارئة تسعف المتعاقد المغبون ـ وإن صح التعبيرـ المنكوب؛ وذلك عندما يختل التوازن في العقد. ففقهاء الكنيسة هم أول من نادى بهذه النظرية، وأقاموا قواعدها على فكرة العدالة التي يجب أن تسود العقد منذ نشأته حتى نهاية تنفيذه. فلا يكفي أن تتساوى التزامات طرفيه عند إبرامه؛ وإنما يجب أن يستمر هذا التساوي إلى حين التنفيذ أيضاً. كذلك الأمر قويت فكرة النظرية في إيطاليا من خلال قاعدة تغيير الظروف. وعندما اندلعت الثورة الفرنسية تعزز مفهوم العقد والتعاقد والإرادة، وما أبرمه المتعاقدان لا يجوز نقضه ولا تعديله أو إبطاله إلا في الحدود التي رسمها القانون، وأمام هذه الرغبة الجامحة في تقديس حرية التعاقد وقف القاضي مكتوف اليدين لا يستطيع بدعوى اتباع قواعد العدالة أن يعدل في العقد؛ ذلك أن القانون المدني الفرنسي عام 1804 تأثر حين وضعه بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين (المادة 1134 من القانون المدني الفرنسي والتي قضت أن "الاتفاقات التي تمت على وجه شرعي تقوم بالنسبة إلى من عقدوها مقام القانون").
وعلى الرغم من ذلك شعر الفقهاء فيما بعد بقصور القوانين ذات الشرعية الفردية عن اللحاق بالتطور العلمي فأخذوا يحاولون تعديلها، بيد أن القضاء الفرنسي وقف في وجه هذه المحاولات التي كانت تؤدي إلى إدخال مفهوم نظرية الظروف الطارئة حتى لا يتزعزع مبدأ العقد شريعة المتعاقدين. لكن سرعان ما استطاع الفقه والقضاء في فرنسا أن يتغلب على هذا المبدأ، فكان أول ظهور لنظرية الظروف الطارئة في مجلس الدولة الفرنسي الذي قبل بمنطوق هذه النظرية إثر تبدل الظروف الاقتصادية تبدلاً كبيراً في الحرب العالمية الأولى أثر ارتفاع أسعار الفحم عام 1916، وكان مجلس الدولة الفرنسي قد قبل دعوى شركة الغاز في بوردو بقصد تعديل شروط العقد برفع سعر الغاز، وفعلاً استجاب المجلس لتلك الدعوى وعدّ بالتالي الحرب ظرفاً طارئاً يوجب تعديل العقد وأصبح ذلك اجتهاداً مستمراً في القضاء الفرنسي مؤداه "في حال وجود ظروف لم تكن في الحسبان وكان من شأنها أن تزيد الأعباء الملقاة على عاتق الملتزم إلى حد الإخلال بتوازن العقد إخلالاً جسيماً".
وفي التشريع الفرنسي الحديث وأثر تبدل الأوضاع الاقتصادية بعد الحربين العالميتين دعت الحاجة أخيراً إلى إصدار قوانين لحالات خاصة أوجد فيها حلولاً صريحة تقوم على تطبيق نظرية الظروف الطارئة والتي تقضي بإعادة التوازن العقدي بين الأطراف المتعاقدة.
2ـ أساس النظرية:
على الرغم من اعتماد نظرية الظروف الطارئة في الفقه والقضاء؛ فإن الرأي الفقهي لا يزال محل خلاف حول الأساس الذي تقوم عليه هذه النظرية.
في الواقع هذا الخلاف لم يعد له جدوى تذكر لسبب أن النظم القانونية قد قننت نظرية الظروف الطارئة، وأقرتها، وأصبحت غالبية الفقهاء تعترف بها. والخلاف الفقهي لم يعد يتعلق إذن بوجود هذه النظرية أو عدم وجودها، بل أصبح يتعلق بالأساس القانوني، الذي تقوم عليه هذه النظرية. فمن الفقه الذي بحث عن أساسها القانوني، وأسنده إلى ضرورة التعادل الاقتصادي بين الالتزامات المتبادلة في العقود الملزمة للجانبين، في حين أن قسماً آخر لم يتبنَّ ذلك الأساس بحسبان أن القانون لم يشترط وجود تعادل اقتصادي بين الالتزامات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين، وهذا بحد ذاته غير كافٍ لتطبيق نظرية الاستغلال. ومن الفقه أيضاً من أرجع السند القانوني لنظرية الظروف الطارئة إلى افتراض الغبن لدى الأطراف المتعاقدة، أو فكرة الإثراء بلا سبب على أساس أن الدائن يثري على حساب المدين دون سبب حينما يتمسك بتنفيذ العقد المرهق للمدين دون تعديل لالتزاماته إلى الحد المعقول. كما أن بعضهم قد أسس النظرية على فكرة عدم جواز التعسف في استعمال الحق، فالدائن الذي يطلب تنفيذ التزام مدينه المرهق غير آبه بما يتهدد هذا المدين من خسائر فادحة يكون متعسفاً في استعمال حقه؛ الأمر الذي يستدعي مسؤوليته المدنية. بيد أن الدائن الذي يطالب بتنفيذ عقده لا يعدّ ـ في الواقع ومن وجهة نظر قانونية ـ متعسفاً، ولا يمكن أن ينسب إليه سوء النية.
وأخيراً وما اتفق عليه الغالبية من الفقه هو أن الأساس الذي تقوم عليه هذه النظرية هو فكرة العدالة، فنظرية القانون والفكر القانوني لا يقبلان أن يرهق المتعاقد بتنفيذ التزام يهدده بخسارة فادحة لأسباب خارجة عن إرادته ظهرت بعد التوقيع على العقد. فمثل هذا المتعاقد لم يكن ليقبل بالعقد لو علم بأن يرهق بتنفيذ التزامه.
ثانياً ـ شروط تطبيق نظرية الحوادث الطارئة:
ويستخلص من ذلك أنه تنص المادة (148/2) من القانون المدني على ما يأتي: "ومع ذلك إذا طرأ حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي ـ وإن لم يصبح مستحيلاً ـ صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة؛ جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك".
يشترط لتطبيق نظرية الظروف الطارئة في القانون المدني السوري الشروط الموضوعية الآتية:
1ـ أن يكون العقد من زمرة العقود المستمرة التنفيذ أو متراخية التنفيذ:
لم تشر المادة (148/2) من القانون المدني صراحة إلى العقود التي يمكن أن تطبق نظرية الظروف الطارئة بشأنها، وإنما جاء نص هذه الفقرة مطلقاً. وقد ثار خلاف في الفقه حول ما إذا كان تطبيق هذه النظرية يقتصر على العقود المستمرة أم أنها تطبق على العقود الفورية مؤجلة التنفيذ أيضاً. فذهب فريق من الفقهاء إلى أنه يجب أن يقتصر نطاق تطبيق هذه النظرية على العقود الفورية، إذ إنها تستلزم وقوع ظرف طارئ بعد انعقاد العقد وفي أثناء تنفيذه، وهذا الأمر ممكن في هذا النوع من العقود. في حين أن فريقاً آخر ذهب إلى أنه يمكن أن تطبق هذه النظرية بشأن العقود الفورية مؤجلة التنفيذ أيضاً؛ وذلك لأن نص المادة (148/2) ـ وهو مطابق لنص المادة (147/2) من القانون المدني المصري ـ جاء مطلقاً، والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يقيد بنص خاص. وهذا هو الرأي الراجح. ويستخلص من ذلك أن هذه النظرية تطبق عادةً في ظل عقود الإيجار أو عقود التوريد. كما يمكن أن يكون ذلك أيضاً في ظل عقود فورية التنفيذ حينما يكون تنفيذها مؤجلاً لأي سبب من الأسباب كالبيع بثمن مؤجل. ومؤدى هذا الشرط هو أن يمر بعض الوقت بين إبرام العقد وبين تنفيذه مما يسمح بوقوع الظرف الطارئ بين الاثنين، بيد أنه لا يهم أن تكون جميع الالتزامات المتقابلة متراخية التنفيذ إلى ما بعد هذا الظرف الطارئ، بل يكفي وجود التزام أصبح تنفيذه مرهقاً بسبب هذا الظرف الطارئ وبصرف النظر عن كون الالتزام المقابل قد تم تنفيذه أو كان هو الآخر متراخي التنفيذ أيضاً.
2ـ أن يقع حادث استثنائي عام لم يكن في الوسع توقعه:
ويقصد بالحادث الاستثنائي الحادث غير المألوف وكونه عاماً إنما يقصد منه ألا يكون خاصاً بالمدين وحده. كالزلازل والحروب وانتشار الأوبئة أو غارات من الجراد أو صدور قانون يفرض تسعيرة محددة، بيد أن كون الحادث عاماً لا يعني أن يكون شاملاً لكل الناس، بل يكفي أن يشارك المدين فيه جمهرة من الناس، كالحريق الذي يلتهم قرية بكاملها.
3ـ أن يكون الحادث الاستثنائي غير متوقع الحصول وقت إبرام العقد:
لا يكفي في الواقع أن يكون الحادث استثنائياً وعاماً، بل يجب أن يكون الحادث غير متوقع، فلو أمكن دفعه؛ فلا سبيل لإعمال مبادئ نظرية الظروف الطارئة، كاختلاف سعر العملة، حادث يمكن توقعه، بل أكثر من ذلك ألا يكون في الوسع توقع حصوله عند التعاقد. فالحكمة من نظرية الظروف الطارئة هي عنصر المفاجأة والغبن اللاحق لإبرام العقد؛ لأن المتعاقد إن كان بإمكانه توقع الحادث عند التعاقد يسقط حقه في طلب تعديل الالتزام استناداً إليه؛ لأنه يكون قد ارتضى الالتزام بوجود هذا الحادث.
أما لجهة معيار توقع الحادث الاستثنائي فهو معيار موضوعي، وهو معيار الرجل المعتاد بحيث لا يكون للرجل المعتاد من العناية والاهتمام الكافي في الظروف ذاتها أن يتوقع وقوع هذا الحادث مهما اتخذ من احتياطاته.
4ـ أن يكون الحادث الاستثنائي مما لا يمكن تفاديه:
فلو توانى المدين عن بذل الجهد اللازم لدفع أثر الحادث الطارئ عن نفسه عندما يكون ذلك ممكناً؛ فليس له التمسك بنظرية الحوادث الطارئة لأنه يعد مقصراً، فلا يستطيع أن يحمل دائنه نتيجة هذا التقصير كانقطاع خدمة النقل انقطاعاً عارضاً حيث يمكن التغلب عليه باستعمال طرق أخرى للنقل غير تلك التي انقطعت.
5ـ أن يؤدي الحادث الاستثنائي إلى جعل تنفيذ التزام المدين مرهقا دون أن يصل الأمر إلى حد استحالة تنفيذه:
وهذا هو الشرط الجوهري من شروط تطبيق نظرية الحوادث الطارئة، وهذا يعني أن يكون الإرهاق من النوع غير المألوف؛ أي الذي يمكن أن يلحق المدين خسارة فادحة إذا أجبر على تنفيذ التزامه. وهو ما يميز القوة القاهرة من الحادث الطارئ، فالأولى تؤدي حتماً إلى استحالة تنفيذ الالتزام في حين أن الثاني لا يؤدي إلا إلى الإرهاق في تنفيذه حتى إن اتفقت القوة القاهرة مع الحادث الطارئ في عنصري المفاجأة والحتم.
أما فكرة الإرهاق فهي موضوعية ينظر فيها إلى ظروف الصفقة ذاتها، وليس الظروف الشخصية للمتعاقد المغبون المنكوب. فمن غير العدل أن يؤخذ في الحسبان المركز المالي للمدين في مسألة الإرهاق من عدمه.
ثالثاً ـ حكم القانون بشأن نظرية الظروف الطارئة:
فإذا توافرت الشروط السابقة للنظرية فإن للقاضي ـ وتبعاً للظرف وبعد إجراء الموازنة بين مصلحة الطرفين ـ أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول (المادة 148 من القانون المدني السوري تقابل المادة 147 من القانون المدني المصري، والمادة 143 من القانون المدني القطري).
وللقاضي سلطة تقديرية في هذه المسألة، فله أن يعدّ وقف تنفيذ العقد خلال فترة الحادث الاستثنائي حين تكون آثار الحادث استثنائية مؤقتاً، ولا يعدّ ذلك ضرراً بالدائن. وعلى العكس قد يرى القاضي الحكم بتنفيذ العقد؛ ولكن مع إنقاص الالتزام المرهق للمدين. وخير مثال على ذلك عقد المقاولة، فلو التزم مقاول في إشادةَ بناء متعدد الطوابق مؤلف من عشرة طوابق، ثم ارتفعت أسعار المواد المستخدمة في البناء ارتفاعاً فاحشاً بسبب الحرب مثلاً؛ فإن القاضي له أن يقرر إنقاص التزام الطرف المغبون (المقاول)، وذلك بإنقاص التزامه من حيث عدد الطوابق التي التزم بإشادتها.
في الواقع أن القانون حدد معياراً موضوعياً بشأن تحديد الحادث الاستثنائي العام غير المتوقع وفي الأثر الذي يترتب على قيامه هذا الحدث وفي ضرورة التقييد بالظروف والموازنة بين مصلحة الطرفين الدائن والمدين، بيد أن تطبيق ذلك عملياً لا يخلو من ضرورة، فضلاً عن أن ذلك يتوقف على حسن تقدير القاضي في رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول.
أما فيما يتعلق بالخسارة الفادحة فيجب على القاضي أن يشرك الطرفين في الإرهاق، فيشركهما في رد الالتزام إلى الحد المعقول. وذهب الفقه في تفسير هذا الاشتراك إلى تقسيم مبلغ الإرهاق بالتساوي مناصفة بين الدائن والمدين بعد تنزيل مبلغ الخسارة المألوفة، التي يجب أن يتحملها المدين وحده، وكل ما يجب على القاضي في هذه الحالة أن يأخذه بالحسبان وعلى وجه الدوام الموازنة بين مصلحة الطرفين. فليس في سبيل تجنب المدين الخسارة الفادحة أن يوقع الدائن في خسارة فادحة. كذلك الأمر من حق الدائن ألا يلتزم بالتعديل القضائي للعقد لرد الالتزام المرهق بنتيجة الحادث الاستثنائي، فله أن يقبل بذلك التعديل أو أن يطلب فسخ العقد وإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل إبرام العقد. ويجب على القاضي في هذه الحالة أن يخير الدائن بين الأمرين لاختيار المناسب بالنسبة إليه، فلو اختار الدائن الفسخ كان ذلك أصلح للمدين؛ إذ يرتفع عن كاهله كل أثر للحادث. وبعبارة أخرى: إن الدائن أمام خيارين اثنين، إما أن يقبل بالتعديل الذي أجراه القاضي آخذاً بالحسبان مصلحة الطرفين؛ وإما أن يطلب فسخ العقد ودون تعويض. وهذا الخيار الأخير لا يمنح للمدين، بل هو ملزم بتنفيذ ذلك التعديل دون أن يكون له حق الخيار بفسخ العقد.
وقد يوجد بعد التعديل القضائي للعقد ظروف استثنائية أخرى أو أن يشتد الطارئ الأول أو يخف، فليس ما يمنع القاضي من إعادة النظر في التعديل الذي أجراه زيادة أو نقصاناً.
رابعاً ـ التمييز بين الحادث الاستثنائي العام والقوة القاهرة:
في الواقع أنه لا يشترط أن يؤدي الحادث الطارئ إلى حد استحالة تنفيذ الالتزام، وهذا ما يعدّ صفة جوهرية من صفات القوة القاهرة لا الحادث الاستثنائي، بل إنه يكفي في الحادث الاستثنائي أن يؤدي إلى الإرهاق في تنفيذ الالتزام، ولكن ذلك لا يحول دون اشتراك القوة القاهرة والظرف الطارئ ـ كما أشير من قبل ـ في صفة المفاجأة، وفي أن كلاً منهما أمر غير متوقع الحدوث عند التعاقد، ولا يمكن دفعه. ومع ذلك يفترق الظرف الطارئ عن القوة القاهرة من حيث إن أثر الحادث هو تعديل الالتزام المرهق، وهو التعديل القضائي للعقد؛ وذلك برد التزام المدين المرهق إلى الحد المعقول، أما أثر القوة القاهرة فهو دائماً انقضاء الالتزام؛ لأن الأخير استحال تنفيذه مما يؤدي إلى براءة المدين من التزامه. والفقه يعتقد أن الظرف الطارئ نفسه إذا أدى إلى جعل الالتزام مستحيلاً فإنه لا يعدّ ـ والحالة هذه ـ حادثاً طارئاً، بل قوة قاهرة.
كذلك الأمر تفترق القوة القاهرة عن الظرف الطارئ من حيث إن القوة القاهرة يجوز أن يتفق على أن يتحمل المدين تبعتها، وهذا بحد ذاته تشديد في أحكام المسؤولية المدنية العقدية، في حين أن الظرف الطارئ بصفاته القانونية سيؤدي حتماً إلى تعديل التزام المدين، وتعديل الالتزام هو من متعلقات النظام العام، لا يمكن للدائن والمدين أن يتفقا مقدماً على استبعاده (المادة 148/3 من القانون المدني السوري).


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013