الثورة الإسلامية الإيرانية ٤٣عاماً تحت المجهر التقارير والمقالات | الثورة الإسلامية الإيرانية ٤٣عاماً تحت المجهر
تاريخ النشر: 12-02-2022

بقلم: الدكتور : طارق صياح حاتم

من كان يصدق أن نظاماً ديكتاتورياً متجبراً و متجذراً بسلطته و قبضته الأمنية المحكمة ينهار فجأة أمام ثوارٍ مسالمين يحملون دماءهم على أكفهم و يجابهون أقوى نظام قمعي سلطوي متغطرسٍ في عهده. "جاء الإمام" عبارةٌ خالدة في أذهان المستضعفين خاصة و في أذهان الإيرانيين عامة كانت فجراً و أملاً لكل الأحرار تروي أروع ملحمةٍ حديثة عنوانها أن الإرادة و الحق و مقارعة الظالم مآلها النصر. انطلقت الاحتجاجات و تفجرت كالبركان في كل رقعةٍ و نقطة من أرض إيران و خرج الإيرانيون باختلاف أعراقهم و مذاهبهم و طوائفهم بصوتٍ واحد ليملؤوا ساحات إيران على امتداد الجغرافية و حناجرهم تلهج بالهتافات المناهضة لحكم الطاغية الظالم و استمرت الاحتجاجات و التضحيات حتى فر الشاه هارباً مدحوراً بأيدي شعبه دون تدخل من أحد و دون أي دعم خارجي ليرسم الثوار الإيرانيون أبهى صور البطولة و الفداء و على رأسهم الإمام الخميني الراحل طيب الله ثراه. صدمةٌ هزّت العالم شرقاً و غرباً فكيف يسقط هكذا نظام مستحكم الأسس و الركائز و تدعمه عناصر الأمن و الشرطة و جهاز "سافاك" (SAVAK)، الشهير الذي عمل بدمويةٍ و خبث حتى عام ١٩٧٩م، حين أطيح بالشاه محمد رضا بهلوي.
في ورقة بحثية نشرها مركز "The Journal of Strategic Security"، أشار الباحث أوديت بانيرجي إلى أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية ساعدت الشاه في تشكيل الاستخبارات الإيرانية التي كانت ذراع الشاه لقمع الاحتجاجات و ضرب المعارضين و تصفيتهم لكن مشيئة الله و إرادة الشعب كانت أقوى و أمضى.
إرث من التبعية و الذل و الانحدار أورثها شاه إيران للشعب تبعيةٌ للإنكليز و الأمريكان و الغرب في محاولةٍ منه لتوطيد عرشه إذ أنه برأيه أن ضمانه لعلاقات طيبة مع الغرب تعني استمرار حكمه و سلطته فالشارع المقموع و الشعب المقهور لن يتمكن من الوقوف بوجه النار و الحديد. جاء الإمام حاملاً معه الأحلام و الخلاص للمستضعفين و حاملاً معه شعلةً من نور بعثت أملاً جديداً في قلوب المظلومين في أنحاء الأرض و امتدح ثورة هذا الشعب الكثير من المثقفين و الأدباء و الشعراء و لعل أشهرهم الراحل نزار قباني الشاعر العربي المعروف و المحبوب لدى العرب.
و لابد لنا هنا من التساؤل ما الذي تغير بعد الثورة و كيف بدأت في الغرب حملة كبيرة ضد هذه الثورة و لمصلحة من و ماهي الغاية من ذلك؟

- الغرب و الثورة الإسلامية؟
خسر الغرب و على رأسهم الإنكليز و الأمريكيون أقوى و أفضل عميلٍ لهم في الشرق و خسروا موطئ قدمهم الذي اعتادوا عليه على ضفاف الخليج و بحر عمان و اهتزت مصالحهم في الشرق بشكل كارثيّ حين اعلنت الثورة مبادئها في التعامل مع الجميع على مبدأ الاحترام المتبادل و احترام سيادة الدول و مصالح رعاياها و شعوبها و أي تدخل أو إملاءات من الخارج لن تجد أذناً صاغيةً أبداً بل على العكس ستلقى كل استهجان و إدانة. في الرابع من تشرين الثاني عام ١٩٧٩م قام الأحرار من التلاميذ و الطلبة الإيرانيين الأحرار باقتحام السفارة الأمريكية و أثبتوا للعالم أجمع أن سفارات أمريكا في بلدان العالم ليست سوى أوكاراً للتجسس و التآمر على الشعوب تديرها المخابرات المركزية الأمريكية تحت غطاءٍ دبلوماسي لأحراج الشعوب. جُنّ جنون الغرب بعظمته الزائفة لاسيما مع أزمة ٤٤٤ يوماً من مقاومة طغيان الأمريكيين و أزمة العملاء و الجواسيس المعتقلين و الذين يُطلق عليهم زيفاً اسم الدبلوماسيين و لايزال مقر السفارة الأمريكية شاهداً على أعمال التجسس من خلال الأوراق و الوثائق المضبوطة في السفارة و أجهزة الاتصال المشفرة و المتطورة في ذلك الزمان.
عرف الغرب أن هذه الثورة عنيدةٌ صامدة لن تحيد عن أهدافها و غاياتها قيد أنملة و ستمضي راسخةً بإيمان حتى تحقيق شعارات الثورة في الاستقلال و الحرية و الجمهورية الإسلامية و لهذا بدأ الغرب بمراكز أبحاثه و دراساته مستعيناً بالمعلومات الاستخباراتية و أجهزة الاستخبارات الدولية بالتخطيط لضرب الثورة اجتماعياً و اقتصادياً و سياسياً في المنطقة و تأليب العالم عليها و محاولة اغتيالها بتصفية قيادات الصف الأول و وصفها بأنها خطر داهم يهدد السلم في المنطقة. و فعلاً كانت نتيجة هذه المخططات اطلاق أكبر مأساة في المنطقة في حرب الثمان سنوات المفروضة من قبل الغرب لتطيم اكبر جيشين في المنطقة ،هذه الحرب الظالمة التي انهكت الشعبين الإيراني و العراقي بدون دافع أو سبب سوى انها مدفوعة بطغمة الشر الأكبر و عملاء المنطقة الذي صنعوا بوسائل إعلامهم و أبواقهم من نظام الثورة الثائر الذي حمل المحبة و السلام و نادى بالحرية لجميع الشعوب خطراً داهماً يهدد المنطقة و حاولوا ضرب هذا النظام بكل ما اوتوا من قوى من داخل و خارج إيران إلا أن صمود هذه الأمة العظيمة و وجود قيادةٍ حكيمة مصلحة زاهدة تحمل هموم الأمة و تسعى لبناء أمجادها و تحسين معيشة مواطنيها كانت حائلاً و سداً منيعاً بوجه كل تلك المؤامرات.
وقف أحرار العالم مع الجمهورية الإسلامية التي كانت لا ترى من الحرب إلا دفاعاً عن نفسها و أرضها. حاول الجميع التقليل من خطورة هذه الادعاءات أعاد الغرب حساباته و استسلم للأمر الواقع بعد الكثير من المحاولات الفاشلة لضرب الثورة و اسقاطها لكن هذه الثورة انطلقت من رحم معاناة الشعب قام بها الشعب وحده و نال حريته و استقلاله بيده دون وصاية أو تمويل أو توجيه للحراك من أي جهة خارجية و هذا سرّ نجاح الثورة و استمرارها.
لجأ الغرب لضرب دعائم اقتصاد إيران و تفعيل العقوبات الاقتصادية بأقصى درجات ظلمها على هذا الشعب و حاربته في لقمة عيشه و خبزة أطفاله و لا زال هذا الشعب يعاني يوماً بعد يوم جور و ظلم الغرب و الأمريكيين الذي حرم الشعب الإيراني من الدواء و الغذاء و التقانة الحديثة لكن بإرادة الشعب الصلبة و استمرار عجلة الإنتاج الوطني تطورت الصناعة الإيرانية في كافة المجالات إلى مصاف دول حديثة ذات اقتصادات مستقرة على مستوى العالم و هاهي اليوم تقارع بكل بسالة و صبر الغطرسة و التجبّر الأمريكي و الذي سيجثي قريباً منحنياً على ركبتيه لهذه الأمة و سيكتب التاريخ أن إيران الثورة الإسلامية هي الدولة الوحيدة في التاريخ الحديث التي مرّغت أنف أمريكا مراراً و تكراراً بالتراب.

- إيران و العرب بعد الثورة الإسلامية:
جاء موقف الجمهورية العربية السورية
ممثلة بموقف القائد المؤسس، الرئيس حافظ الاسد واضحا وداعما لهذه الثورة العظيمة
وكانت سوريا من أوائل الدول التي اعترفت بهذه الثورة
كونها قضت على بؤرة للاستعمار والعمالة في منطقتنا
كانت تسمى شرطي الخليج
وعلاقتها مع العدو الصهيوني ايام الشاه
وجاءت تصريحات إيران الثورة عنواناً للسلام و المحبة و الوقوف مع القضايا الدولية المحقة و اشهرها و أهمها القضية الفلسطينية لما لها من أهمية خاصة و قدسية كبيرة في نفوس المسلمين و العرب و من هنا كان تحرير القدس هو الشعار الأبرز الذي تبنته الجمهورية الإسلامية و بادرت باكراً إلى دعم حركات التحرر و المقاومة الفلسطينية و دعمها و توجيهها نحو هدف سامٍ وحيد هو تحرير القدس دون التراجع قيد أنملة عن مطالب الفلسطينيين بحق التحرير و العودة لمنازلهم و مدنهم و قراهم و لهذا وجدت إيران نفسها شريكةً للعرب في نضالهم ضد إسرائيل الكيان الغاصب المجرم و بذلت إيران في سبيل ذلك الغالي و النفيس و دائماً ما كانت دعوات إيران نابعةً من احترام حسن الجوار و الندية في التعامل و احترام سيادة الدول و تقدير مشاعر شعوبها و اعتبرت التدخل بالشؤون الداخلية للدول مرفوضاً إلا لنصرة مظلومٍ بان ظلمه فهذه الثورة التي جاءت لتكشف سواد الظلم في إيران لن تتوانى عن نصرة المظلوم في شتى بقاع الأرض. لكن و للأسف التأثير الإسرائيلي و الإنكليزي و الأمريكي على بعض الأنظمة العربية صنع سنوات من العداوة و البغضاء و شحن المشاعر السلبية بينها و بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و ذلك للإبقاء على حالة القلق الدائم في منطقةٍ من أغنى مناطق الكرة الأرضية لما تحتويه من كل مصادر الطاقة و نفائس المعادن و بهذا ضمن الغرب و ربيبته إسرائيل سيطرة على منطقة الخليج بذريعة الخطر الإيراني القادم. لكن إيران الثورة أثبتت و خلال ما يزيد على أربعة عقود أنها جارةٌ مسالمة تبادل السلام بالسلام و المحبة بالمحبة و تقترب خطوتين إذا ما اقترب الجار خطوة و لا تقاتل إلا من أراد بها سوءً أو باهلها و شعبها.
- إيران و العالم:
بنت الجمهورية الإسلامية جسوراً من العلاقات الطيبة مع العالم الحر و وقفت مع القضايا الدولية المحقة و كانت سنداً و عوناً لكل أصدقائها و حلفائها و أسست علاقاتٍ وثيقةً عنوانها المحبة و احترام السيادة و مصلحة الشعوب و رفضت كل أشكال التدخل الأرعن في تقرير الشعوب لمصيرها و اختيار أنظمتها السياسية فكان للجمهورية و لا يزال علاقات طيبة مع دول أمريكا اللاتينية و دول آسيا و روسيا و عدد كبير من الدول الأوروبية و معظم الدول العربية و الإسلامية و كانت حاضرة بقوة في كل الميادين رغم كل الصعاب التي عانتها خلال الحرب العراقية المفروضة.

 - إيران الثورة و القضية الفلسطينية:
لقد رفعت الثورة الإسلامية شعارات النصر المتواضع واضعةً نصب عينيها إحقاق العدل بين الشعب ما استطاعت لذلك سبيلاً و رفع الظلم عن كاهل المستضعفين و المظلومين و قد أسست أفكار الإمام الخميني الراحل و أرست قاعدةً راسخة في بناء دولة متحضرة حرة مستقلة ذات سيادةٍ كاملةٍ غير منقوصة تملك قرارها دونما أي تدخل من أحد و قدمت نموذجاً لدولةٍ إسلامية متقدمة في كل المجالات. و لا يمكن لدولةٍ تحمل اسم الإسلامية في عنوانها أن لا يكون لفلسطين و القدس عنوانٌ في حياتها و أهدافها فكانت القدس و القضية الفلسطينية قضيةً حساسةً ذات أولوية مقدمة في أفكار الإمام الراحل و في ذهن الحكومات الإيرانية المتتالية. فلقد أولت الجمهورية الإسلامية القدس و فلسطين الكثير من الاهتمام و التقدير سياسياً و عسكرياً و مالياً و ثقافياً فكان دعمها السياسي و العسكري لحركات المقاومة الإسلامية من أبرز سمات إيران الثورة و أما ثقافياً فيتظاهر الملايين من الأحرار في كل أنحاء العالم في يوم القدس الذي أطلقه الإمام الخميني رحمه الله ليكون يوماً للأقصى و لفلسطين و أما أدب المقاومة بعد الثورة فلقد حمل بين صفحاته الكثير من الشعر و الأدب و القصص لترسيخ عقيدة التمسك بالأقصى في أذهان الطليعة الشابة في إيران و لا تكاد تخلو مدينة أو بلدة من اسم القدس في أحد معالمها أو شوارعها أو حدائقها لتبقى ذكرى فلسطين خالدة في القلوب حتى تحرير هذه البقعة الطاهرة و إعادة الأقصى لأهله و البيوت الفلسطينية لأهلها و سكانها الأصليين.

 - منجزات الثورة الإسلامية علمياً و اقتصادياً و خدمياً و عسكرياً:
استطاعت إيران على مدى ثلاثةٍ و أربعين عاماً من انتصار الثورة أن تكون في مصاف الدول المتقدمة و أن تكون من الدول المهمة في الإنتاج العلمي و الأبحاث فكان لإيران كلمتها في تقانة النانو إذ تشغل حالياً الرتبة الخامسة عالمياً بتقانات الناتو و كذلك حضورها في الفضاء و امتلاكها لتقانات الصواريخ الفضائية مثل سيمرغ و قاصد و الأقمار الصناعية التي كان آخرها قمر نور الذي يعد انجازاً للقوى الجيوفضائية للجمهورية الإسلامية و فخراً لهذه الأمة المجيدة. مئات الجامعات الحكومية و الخاصة و المشتركة تحتضن بين صفوفها و قاعاتها نخباً علميةً من شباب إيران المثقف و المحب لبلده و من بين هذه الجامعات جامعاتٌ مرموقةٌ محترمة تنافس أفضل الجامعات العالمية في معايير جودة التعليم و لعل أشهر جامعاتها جامعة شريف الصناعية و أمير كبير التكنولوجية و جامعة إيران للعلم و الصناعة جامعة طهران و العلامة الطبطبائي و شيراز و أصفهان و فردوسي و غيرها. المئات من الأوراق البحثية المرموقة تنشرها الجامعات الإيرانية كل عام لتسهم في دعم عجلة تقدم العلوم و التكنولوجيا حالها حال بقية الدول إذ تنافس بمخرجاتها العلمية جامعات أوروبا و أمريكا رغم كل الظروف و الحصار و العقوبات التي تحد من قدراتها المخبرية و استفادتها من وسائل العلم المتطورة ناهيك عن احتضانها لما يزيد عن سبعة و عشرين ألف طالباً و طالبة من أكثر من أربعين دولة من دول العالم. أما في الطب فالمشافي تغزو المدن و البلدات و السعي الدائم من الحكومات لزيادة عدد الأطباء في المجتمع لتحقيق خدمة اجتماعية صحية لكل أفراد المجتمع على اختلاف أوضاعهم و تنتشر المراكز الصحية المدعومة في كل أحياء المدن و تقدم أفضل الخدمات بأقل التكاليف بما يخفف العبء على كاهل الشعب الذي يقاوم الحرب الاقتصادية منذ عقود. و تعد إيران اليوم قطباً في الجراحة التجميلية و عمليات زراعة الكبد و زراعة نقي العظام و المعالجة الإشعاعية و الكيميائية في الشرق الأوسط و يقصدها الآلاف من المرضى من دول الشرق الأوسط المختلفة. أما من الناحية الاقتصادية و على الرغم من الإرهاب الاقتصادي المفروض على الشعب فهناك المئات من المدن الصناعية المنتشرة في شتى أنحاء البلاد و التي تؤمن حاجة الشعب من السلع بل و تتعداه لتصدر منتجاتها للعالم متحديةً كل صعاب العمل و تأمين المواد الأولية و القطع الأجنبي اللازم في ظل الحصار الخانق المفروض على البلاد لكن مستقبلاً واعداً ينتظر هذه الأمة التي تؤمن بالعمل سبيلاً للنجاة و التقدم و الحضارة. أما الصناعة الدفاعية فلا تقل أهميةً و تطوراً عما سبقنا فإيران اليوم تكتفي ذاتياً بصناعتها الدفاعية المحكمة و امتلاكها لتقنيات الردع الصاروخية الدفاعية و أنظمة الرادار المتقدمة و المصنعة محلياً أضف إلى ذلك الصناعات الدفاعية المتوسطة و الثقيلة و التي تعد إيران من الدول المحدودة التي تؤمن حمايتها و أمنها القومي بالاعتماد التام على صناعتها الداخلية الدفاعية. و أما في مجال الطاقة فمع أن للعقوبات دور كبير في التأثير على هذا الجزء من الاقتصاد إلا أن الإرادة و الخبرة الإيرانية كانت كفيلةً بهمة الخبرات المحلية على تصنيع و صيانة الكثير من المحطات الكهربائية المختلفة و كذلك امتلاك التقنيات النووية السلمية جنباً إلى جنب مع مصاف الدول الكبار و لعل إنجاز إيران الجديد جعلها ثاني دولة في تصنيع المسرعات الإلكترونية بعد أمريكا و بخبراتٍ إيرانية بحتة.

 - الدور السياسي لإيران على الساحة الدولية:
مع أنه هناك الكثير من الضغوطات السياسية و محاولات التهميش لإيران و تقزيم دورها في المنطقة و العالم لكن انحسار العالم ذو القطب الواحد و اضمحلال التفرد الأمريكي في السيطرة على زعامة العالم مكّن إيران من أخذ حجمها و مكانها الصحيح في السياسة الدولية فإيران اليوم دولة مؤثرة في أمن المنطقة و العالم و ذلك انطلاقاً من موقعها الجيوسياسي الحسّاس في منطقة النار و اللهيب المستعر بين أفغانستان و العراق و سورية و المجموعات الراديكالية الإسلامية التي تهدد الأمن الدولي و السلام في العالم و تسيء للدين الإسلامي الحنيف. نعم اليوم إيران تقول كلمتها في ميادين السياسة و تفرض شروطها في المحافل بكل صلابة و إرادة و حزم غير آبهةٍ بالدعاية الجوفاء و الأبواق السياسية و الإعلامية و السنوات القليلة القادمة ستثبت عمق هذه الرؤية و أن إيران دولة إقليمية محورية لها ثقلها و وزنها و لا يمكن معاداتها أو تجاهلها بعد اليوم. أما الناحية الأمنية فإيران اليوم من الدول الأكثر أمناً على مستوى العالم رغم كل التحديات و تعد من أوائل الدول المكافحة للجريمة و المخدرات و ينعم أهلها بالأمن الذي يفقده كثير من جيرانها منذ عقود و يسهر مئات الآلاف من قوات الشرطة على أمن الشعب و راحته و استقرار حياته رغم كل التحديات.

 - ايران الثورة و جيلها الثاني إلى أين؟
أهم أولويات إيران اليوم هو علاقات طيبة و انفتاح مع الجوار و العالمين العربي و الإسلامي على مبدأ وحدة الدين و وحدة الأمة و المصالح المشتركة التي يفرضها الموقع الجغرافي لإيران على الحدود الشرقية للوطن العربي و يلي ذلك علاقات اقتصادية متوازنة و مساهمة خلق توازن اقتصادي بين الشرق و الغرب و تفعيل ربط الشرق بالغرب من خلال تحقيق المزيد من البنى التحتية و طرق النقل البرية و السكك الحديدية على كامل جغرافية الجمهورية و تفعيل اتفاقيات اقتصادية مهمة مع كل الدول الصديقة لتحقيق النمو الاقتصادي بما يخدم رفعة الشعب و مصلحته و تحسين معيشته و تعويضه عن أضرار العقوبات الجائرة و لعل النصر السياسي القادم عما قريب و نحن على بعد ساعات عن الذكرى الثالثة و الأربعين للثورة يكون بشارةً من بشائر هذه الثورة المجيدة و أن يتحقق لهذا الشعب نصرٌ دبلوماسيٌّ سياسي ينهي العقوبات الظالمة و يعيد الحياة للاتفاق النووي الذي عطله الرئيس الأرعن لأمريكا دونالد ترامب و لهذا يجب على الجميع إدراك حقيقة أنه ليس لإيران أي مطامعٍ في أي بلد و أنها تخط سياساتها على مبادئ الاحترام المتبادل و أن السنوات الماضية أثبتت أن الادعاءات و الافتراءات الأمريكية و الغربية ليست سوى شماعة و فزاعة لتحقيق المزيد من السيطرة على الموارد الاقتصادية لدول المنطقة و إبقاء حالة التوتر التي لا تخدم بطبيعة الحال إلا أمريكا و الكيان الغاصب.
و أما قضية المقاومة و الوقوف إلى جانب فلسطين و شعبها و الدول الصديقة و الحليفة فقرار سياديّ ينبع من صدق السياسة الإيرانية و هي أن الحليف له كل الوفاء و المحبة و أن الجمهورية تبادل الوفاء بالوفاء و السلام بالسلام و الاحترام بالاحترام و برامجها الدفاعية ليست إلا لتعزيز السلام و لتمكنها من الدفاع عن نفسها و مجابهة الخصم فيما لو سولت لعدوٍّ نفسُه المساس بأمن و سيادة هذا الشعب و أن السلام سلام القوي و الأمن الحقيقي يتحقق بقوة الشعب و يتعزز بما تصنعه يداه.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013