المجتمع والتأهيل المجلس الاجتماعي | المجتمع والتأهيل
تاريخ النشر: 03-02-2022

بقلم: الدكتور نبيل طعمة

تشرذم الآراء وانتشار الأفكار واختلاطها وتوهان المسؤولين عن الحلول بين الماضي والمستقبل أدى إلى فقدان سبل الحاضر والواقع، لنجد أنفسنا أمام تحذيرات تواجهنا بحكم الحاصل المستمر، ولكي نمنع أو نوقف بالحد الأدنى استمرار انحداره، وبالتالي ننهي لغة المفاجأة المتقدمة علينا عند وقع أي أمر عصيب أو مصيبة تحل بيننا.
دعونا نعترف، ففي الاعتراف مغفرة وتصويب لما اقترف بحق مجتمعنا وقوميتنا وعروبتنا ووجودنا وأسرنا البسيطة، غايتنا إبعاد الانقسام بسبب انفضاح تركيبتنا الفوضوية البغيضة والفاضحة، على الرغم من طروحاتنا المستمرة التي نصف بها حضورنا بأننا عقد فريد وفسيفساء نادر، ونتباهى بالعيش المشترك والتجانس والتكامل النوعي، وبأننا دولة علمانية بامتياز، ونحن لم ندرك بعد جوهرها وبناءها، كما أننا بعيدون كثيراً عن تقاليدها، بل إننا متمسكون بالدينية والإثنية والطائفية والمذهبية، سراً كنّا وعلانية، غدونا بإرادة التخلف المقيت لا التطور المفيد نمتلك القوانين والأنظمة وتمثيلاً شاملاً ومعادلات دقيقة ومعلومات نوعية حسابية ورقمية وحسية، يقف خلفها متابعون، يبدو أن مهمتهم اختيار أنصاف الحلول من أجل مسير الدولة إلى الأمام ببطء مع الحفاظ على إمكانيات التبديل، من دون الاعتذار، وفي الوقت ذاته من دون تذمّر أو أن تقوم القيامة أو تقعد، لكن حفلات البكاء تستمر، ما يظهر من نتاجها مشاعر الضغينة الخفية أو التحول إلى التقيَّة السياسية القادمة من الخوف وضعف الثقة حسب مقتضيات حضوره.
من المسؤول عن عدم قدرة التربية لتقديم أفكار الانتقال من التعليم السلبي إلى التعليم الإيجابي؟ ومن المسؤول عن بقاء الفكر الديني متعلقاً بالماضي التليد من دون القدرة على الاجتهاد ومواكبة الحاضر والمحيط؟ من المسؤول عن عدم قدرة الإعلام لتقديم الرؤى المنطقية والواقعية التي تربط القاعدة بالقمة السياسية والقيادية حقيقةً لا وهماً؟ من المسؤول عن الاستثمار الدقيق في ولاء المواطن لا في أدائه؟ من المسؤول عن الحب والكراهية واللجوء والاضطهاد؟ من المسؤول عن كل هذا الاضطراب الذي حولنا إلى مستودع من الخردة يحتاج الآخر للنبش فيه، وكأنه يبحث عن إبرة في كومة قش، أو عن وردة في تل من قمامة؟
أين نحن من الحكمة بعد أن غفونا طويلاً، ودخلنا سراديب اللا انتماء إلا للمذهب والطائفة والعشيرة والقبيلة؟ لبسنا عباءات التديّن الأجوف، تعلقنا بذقونه وقلنسواته، انتهكنا حرية ضمائر إيماننا بوجودنا، وهدمنا أخلاقنا الإيجابية، وسرنا متمسكين بالسلبي منها، فسقطت حواف مصيرنا وظهرنا بلا بناء، من سيعيد البناء وما تهدّم؟ من يبني الثقة بين الإنسان والوطن؟ أين نحن بين من يسعى لنهبه، ومن يعرقل قيامته، ومازال ينتمي لذاك المخطط الهدّام، وبين من يريد الانتقال إلى الأمام بالدعاء والابتهال للخلاص، ومن يعمل بجد وجهد، وقَدّم ويقدم القرابين لأجل الوطن شهداء وجرحى وجهوداً من أجل إصلاح ما جرى وبناء ما تهدّم؟ حيث مازال القادر مالياً أو وظيفياً أو عشائرياً أو طائفياً، هو الذي ينتزع ما يريد له أو لأبنائه أو أقاربه من دون مراعاة للكفاءة أو الاستحقاق، ومنذ أن اختلت منظومة تكافؤ الفرص اختلت معها أخلاقيات الناس في الأداء والولاء والسلوك والمسؤولية، وهذا بحدّ ذاته ما أنشأ الهوة بين من يملك ويقدر، وبين من يقدر ولا يملك، وهذا أيضاً أنجب الكوارث الأخلاقية، وأظهر الخلل الاجتماعي الذي جعل سواد المجتمع يقف في المكان متطلعاً إلى الوراء مفضلاً الانزلاق إليه دينياً وعبثياً، وكثيراً ما تحدثت عن أن فقدان الطبقة الوسطى يؤدي إلى الانقسام الطبقي، ويظهر التفاوت الرهيب بين الفقير والغني، ويطيح بالثوابت وبالناس.
هل هذا كله مرحلة عابرة؟ أم إنه كان نتاج اعتنائنا بالوحوش التي عندما نمت انقضَّت علينا، وإن إهمال الحكومات المتعاقبة لكل هذه التراكمات أضعفت البنى التحتية بشراً وحجراً، وجعلت من المتغيرات الاجتماعية الحادة ظواهر لا أخلاقية غريبة وشاذة، وصحيح أن الظروف الاستثنائية التي مررنا بها، والتي استلبت عقداً مهماً من عمرنا، أدت إلى اختلاط الحلول بالمشاكل، وصحيح أيضاً أنّ الحلول تحتاج إلى المزيد من الوقت، إلا أن إنجاز التوازن الاجتماعي والاقتصادي ومعهما الإصرار والإقدام، كل هذا يشكل النقطة الفاصلة بين الظلمات والأنوار، بين المتغيّرات التي أصابت جسد الوطن، وشوّهت دوره الحضاري، ونالت من جلاله ورموزه، وبين من تركوا كل ما وصفناه من ظواهر مختلفة وذهبوا لتعزيز التطور من خلال قيم السلوك الإنساني والاتجاه إلى الحوار الخلاق والمحاسبة بعد الضغط على الجشع والرغبة في الثراء على حساب كل شيء، فمن أجل الانطلاق إلى الأمام يجب أن نعترف بالواقع، ومن ثمَّ نتجه إلى العمل الحقيقي الذي يعيد للجميع الكرامة والاحترام، ويعلي من هيبة الدولة وحقها في ممارسة القانون على الجميع.


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013