[ هل قدم العرب فعلاً شيئاً للعالم عبر تاريخهم و حاضرهم ؟ - ماذا قدموا ؟ أو أنهم لم يقدموا شيئاً ، و أنّ كل ما قيل هو مجرد أوهام ؟ وما الدليل ؟]● التقارير والمقالات | [ هل قدم العرب فعلاً شيئاً للعالم عبر تاريخهم و حاضرهم ؟ - ماذا قدموا ؟ أو أنهم لم يقدموا شيئاً ، و أنّ كل ما قيل هو مجرد أوهام ؟ وما الدليل ؟]●
تاريخ النشر: 21-04-2020

بقلم: اللواء الدكتور بهجت سليمان

 { الحلقة الأولى }

تنويه : 

تناول وسائل التواصل الاجتماعي ، هذا التساؤل ، وقد وصلني كما يلي 

{ هل قدّم العرب فعلاً شيئاً للعالم عبر تاريخهم وحاضرهم ؟ }

{ ماذا قدّموا ؟ أو أنهم لم يقدِّموا شيئاً ، وأنَّ كل ما قيل هو مجرد أوهام ؟ ومالدليل ؟ }

 

وسيجيب عن هذا التساؤل  ، الدكتور : بهجت سليمان  بمقال من حلقتين 

 

1▪︎ ( العروبة ) قديمَةٌ قِدَمَ التاريخ .. وَأَمَّا ( القومية العربية ) فظهَرَت حديثاً ، في ( عَصْرِ القوميات ) ..
و مَنْ لا يَرَوْن إلاّ السّٓلبيّات في " العروبة " ، يحتاجون إلى تغيير نَظّاراتِهِم . ومن لا يرتدون نظارات منهم ، عليهم مراجعة قسم العينية..
ذلك أنّ " عَصْرَ القوميات " بدأ حديثاً مع " عصر النهضة " في أورُبَّا . وهذا المفهوم لم يوُجِد عام 1900 ، كما يقول البعض . فهذه مُغالٓطَة كبرى ، تخلط بين " القومية العربية " وبين ( العروبة ) .. ذلك أن ( القومية العربية ) ظَهَرَت مع أو إْثْرَ مجيء ( عصر النهضة ) و " عصر القوميّات " في أورُبَّا ..
وَأَمَّا ( العروبة ) فهي موجودة منذ فجر التاريخ . و العروبة ليست عرقية ، بل مسألة حضارية وثقافية..
والعروبة موجودة قبل الإسلام بكثير . ولكن الإسلام كان القوة الروحية التي تسلحت بها العروبة ، لكي تسود العالم ، لقرون عديدة.

2▪︎ ويستطيع أيّ مُجادِلٍ هاوٍ أن يُنكر أثر "حضارة العرب" على "العالم القديم" ، أو أن يتنكّر لها ، و لكنْ إلى حين ؛ إذ أنّ المُباطلة في ذلك الأثر لا تصمد أمام المعلومات و السّجلّات الوثائقيّة و الأرشيفيّة الاستشراقيّة ، التي تُجمع على أنّه كان للحضارة العربيّة ، بمعارفها و ثقافاتها المختلفة في الطّب و الفلك و البيولوجيا و علوم البصريّات و الرّياضيات ، و نقل الفلسفة اليونانيّة لِتُنيرَ ظُلُمات القرون الوسطى الأوربيّة ، و في الاجتماع و التّاريخ ، ذلك الأثر العميق و المباشر و غير المباشر ( بالانتحال ) ، الذي يعزّ على ذاكرة الإنسانيّة ، العادلة ، نسيانه على مرّ الأزمان.

3▪︎ بيد أنّنا لا يُمكننا أن نتجاهل ، كما لا يُمكن لأحد غيرنا ، وقائع حقائق تاريخيّة كان لها أثرها الفعليّ في انتشار العصر العربيّ – الإسلاميّ في العالم القديم بوصفه البيئة التي تركت معالمها الجذريّة على تعمّلاتِ عصر النّهضة الأوربّيّ ، و هذا واقع تاريخيّ لم يعد محلّاً للنقاش و التّقوّلات ؛ ذلك لأنّ انتشار "الإسلام" المُحمّديّ نفسه في العالم القديم ، قد جاء، أصلاً ، على جذر ثقافيّ عربيّ متين ، بحيث أنّ التّفاعلات الأنثروبولوجيّة التّالية بين العروبة و الإسلام قد شكّلتْ معلماً من معالم الحيويّة الحضاريّة التي صدّرتها الأمّة العربيّة – الإسلاميّة في طور صعودها الثّقافيّ و الفكريّ و العلميّ ، إلى مختلف بقاع العالم التي كانت في متناول هذه السّيطرة السّياسيّة العربيّة – الإسلاميّة.
هكذا بدأت توسّعات هذا النّموذج الحضاريّ الجديد من المدينة و مكّة إلى "سورية الشّام " ، إلى بغداد ، إلى بلاد فارس و الهند و الصّين على "طريق الحرير" ، الذي عُرِفَ منذ القرن الأول قبل الميلاد ، فيما اتّفق على تسميته كذلك منذ أن أطلق ، في عام 1877م ، العالم الجغرافي الألماني ( فرديناند فون ريتشهوفن ) هذا الإسم على طريق المواصلات لتجارة الحرير انطلاقاً من الصّين "الحريريّة" إلى باقي الجغرافيا العالميّة ، التي امتدّت إليها الحضارة العربيّة الإسلاميّة ، في ما بعد ؛ بينما لم تقف الحضارة العربيّة – الإسلاميّة عند هذه الحدود فامتدّت إلى مِصرَ و أفريقيا الشّماليّة ، إلى إسبانيّة و صقليّة و إيطاليا و فرنسا.

4▪︎ كانت مساهمات "العرب - المسلمين" في ما بعد ، حيث ضمّ الإسلامُ على أساسِ الجذر العربيّ ثقافات مختلفة ، أنِ اتّسعت لتصل إلى أوربا في العصور الوسطى مع انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية و حتى "عصر النهضة والاستكشاف" ( من القرن الخامس و حتى القرن الخامس عشر الميلادي ). و في هذه الأثناء ، و لتأثير العرب الحضاريّ ، فقد " أنقذوا إسبانيا من دَور دخولها العصور الوسطى الذي لم تعرفه إسبانيا بفضل العرب " ، و ذلك بحسب مؤرّخ و فيلسوف و أنثروبولوجيّ و سياسيّ و مثقّف كبير هو ( غوستاف لوبون ) في كتابه ( " حضارة العرب ").

5▪︎ و لقد جاء إنصاف حقيقة امتداد الأثر الإنسانيّ العربيّ إلى "العالم القديم" ، حتّى على لسان موظّفين و قادة " استخباراتيين" و سياسيين كولونياليين معاصرين و كبار و معروفين زُرِعوا في منطقتنا العربيّة المشرقيّة ، لأكبر إمبراطوريّة استعماريّة حديثة و معاصرة و هي " بريطانيا العُظمى" ، مثل " سِيرْ جونْ جْلوبْ " ( أو جون جلوب باشا : أو " أبو حنيك " ) – بحسب لقبه المحلّيّ - عندما أقرّ و اعترف في مؤلّفه الكبير المعروف "إمبراطوريّة العرب"، بنظرة موضوعيّة " إناسيّة " ( أنثروبولوجيّة ) خالية من التّعصّب ، عندما ذكر ما أورثته الحضارة العربيّة من القيم الثقافية و الإنسانية و الاجتماعيّة و الأنظمة المدنيّة و الثقافيّة و المعرفيّة ، و التي نافست فيها أنظمة كبرى و عريقة لإمبراطوريّات أخرى و بزّتها بها ، و التي كانت في ما مضى تتصارع على " العرب " كمناطق نفوذ.. بما في تلك المنافسة العربيّة – الإسلاميّة الرّائدة من آثار و مدلولات اجتماعيّة و إنسانيّة و حضاريّة.

6▪︎ يقول ( سِيرْ جونْ جْلوبْ ) ( 1897 – 1986 ) [ السيرْ جونْ باغوتْ غلوبْ ‏ المعروف باسم غلوب باشا ضابط بريطاني عرف بقيادته الجيش العربي الأردني بين العامين 1939 و1956 ] ، يقول بموضوعيّة تلامس بالتّهكّم ، في يومنا هذا ، سخافات الكثيرين من المشكّكين بالحضارة العربيّة كإمبراطوريّة اتّسع تأثيرُها كلّ " العالم القديم " :
" نحن نعيش في عصر تخضع فيه فكرة الإمبراطورية إلى جدال عالمي كبير . و هناك حقيقة ملحوظة ، و هي أن الشعوب الناطقة بالعربية (..) قد أصبحت في السنوات الحالية من ألدّ أعداء الإمبراطوريات ، كما [ لو أنّها ] لم تكن هي في وقت من الأوقات واحدة من القوى العظمى الكبرى في التّاريخ " (" إمبراطوريّة العرب ").
وعليه ، ليسَ موقفاً أيديولوجياً ، إذاً ، الإقرار بأثر العرب على " العالم " و " التاريخ " ، بل حقيقة ثابتة انطلاقاً من موقف تاريخيّ حيّ و واقعيّ عمليّ و نظريّ، قلّما يُجادل فيه اليومَ غيرُ "العدميين" و " العبثيين" و المَرضى و الثّأريين.

7▪︎ يَرثي ( غوستاف لوبون ) زمناً غابراً كان له سِحرُ الحضارة الواسع بحسب ما نفهمه اليومَ من كلمة " الحضارة " في إطار عالميّ معاصر ، عندما يصف بربريّة العداء لأصحاب الحضارة العربيّة – الإسلاميّة بعد زوال دولتهم في إسبانيا فيقول : " و ممّا يُرثى له أن حُرِمت إسبانية عمدًا هؤلاء الملايين الثلاثة [ العرب - المسلمين ] الذين كانت لهم إمامة السّكان الثقافية و الصناعية " ( حضارة العرب ) ؛ مُشَهِّراً بانحطاط البيئة الغربيّة في ذلك الزّمان ، إذ أبدى الظّرف الجديد – و بعد انهيار الأندلس - مقدار الانحطاط الذي أسفرت عنه إبادة العرب " (حضارة العرب).
و امتازت حضارة العرب في إسبانيا الأوربّيّة في ذلك الدور بمَيل العرب الشديد إلى الفنون و الآداب و العلوم على الخصوص ، و أنشأ العرب في كل ناحية مدارس و مكتبات و مختبرات ، و ترجموا كتب اليونان ، و درسوا العلوم الرياضية و الفلكية و الطبيعية و الكيماوية و الطبية بنجاح.

8▪︎ و يؤكّد ( لوبون ) :

" و استطاع العرب أن يحوِّلوا إسبانيا ماديٍّا و ثقافيٍّا في بضعة قرون ، و أن يجعلوها على رأس جميع الممالك الأوربية ، و لم يقتصر تحويل العرب لإسبانيا على هذين الأمرين ؛ بل أثَّروا في أخلاق الناس أيضًا ، و لم يكن نشاطهم في الصناعة و التجارة أقلّ من ذلك ، فكانوا يصدرون منتجات المناجم و معامل الأسلحة و مصانع النسائج و الجلود و السكر إلى إفريقية و الشرق ، بواسطة تُجّار من اليهود و البربر " .
" و برع العرب في الزراعة براعتهم في العلوم و الصناعات، و لا يوجد في إسبانيا الحاضرة من أعمال الري خلا ما أتمَّه العرب، و أدخل العرب إلى حقول الأندلس الخصبة زراعة قصب السكر و التوت و الأرز و القطن و الموز … إلخ ، و أصبحت إسبانيا ، التي هي صحراء حقيقية في الوقت الحاضر ، عدا بعض أقسامٍ في جنوبها ، جنةً واسعة بفضل أساليب العرب الزراعية الفنية. "
" و وجَّه العرب نشاطهم إلى كل فرع من فروع العلوم و الصناعة و الفنون ، و لم تَقِلَّ أشغالهم العامة عن أشغال الرومان أهميةً ، فأكثروا من إنشاء الطرق والجسور و الفنادق و المشافي .. في كل مكان " ( حضارة العرب ).

 


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013