الأسئلة التي لم يُجِبْ عليها محمود جبريل ** ** والسؤال الذي أجاب عنه الشارف بوقنيدة ** التقارير والمقالات | الأسئلة التي لم يُجِبْ عليها محمود جبريل ** ** والسؤال الذي أجاب عنه الشارف بوقنيدة **
تاريخ النشر: 17-04-2020

بقلم: د. موسى ابراهيم

في أوائل سنة 2013 كنت في البر المصري مهجراً تحت طائلة الاتهام بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في بلدي ليبيا، حيث صدرت ضدي بطاقة الانتربول الحمراء قبلها بعام واحد، وأصدرت محكمة الجنايات الدولية قائمة المتهمين التي شملت اسمي مع اسم القائد معمر القذافي واللواء عبدالله السنوسي والدكتور سيف الإسلام القذافي (وأي شرف أن أحشر في الدنيا والآخرة مع الإمام الشهيد). بعدها قررت محكمة الجنايات تنزيل رتبتي الشرفية من رفيق الأبطال في الاتهام إلى مستوى "شاهد" ملزم بالحضور، بينما حافظ الانتربول على سعيه الحثيث للقبض على عشرات القيادات الوطنية المهجرة، وأنا منهم، لسنوات تالية.

في هذا الخضم من الملاحقات القانونية والاستخباراتية، وبينما أنا في المفوضية العليا للاجئين في القاهرة، متخفياً، أحاول مع بعض الرفاق أن نقنع الأمم المتحدة بضرورة إعطاء صفة "اللاجئين" لليبيين المهجرين في مصر مثلما فعلت مع السوريين مثلاً، تقدم مني مسؤول ليبي سابق في النظام الجماهيري وسلم علي ثم طلب أن يحادثني على انفراد.
في ردهة جانبية قال لي أن الدكتور محمود جبريل، أحد وجوه فبراير العالمية والأكاديمي ورجل التخطيط المعروف والمسؤول الأول عن استدعاء الناتو إلى ليبيا، موجود على بعد أمتار قليلة في مبنى مجاور، وهو يبلغني تحياته ويقترح علي أن أنضم إلى نخبة من الليبيين في جمعية عمومية مهمتها أن تحول انتصار فبراير إلى دولة ديمقراطية وتنمية بشرية وحقوق إنسان. وأنه يأمل أنه بانتمائي لهذه النخبة سأشجع آخرين من التيار السبتمبري للانضمام لهذه لمبادرة الوطنية التي ترعاها الدول الأوروبية والعربية التي قادت عملية تخليص ليبيا من "الوضع السابق". ثم ذكر لي على وجه التخصيص اسم شخصية قيادية أخرى كانت قريبة من القائد، وتحسب على المنظومة الجماهيرية، وانضمت لمشروع الدكتور محمود جبريل، غير أن هذه الشخصية لا تستطيع أن تستقطب الناس مثلي أنا لأنها فرت من المعركة مبكراً عبر الصحراء، وتخلت عن مبادئها وقائدها، وفقدت بالتالي رصيدها التاريخي والشعبي.

كانت القبيلة هنا تلعب دوراً مسكوتا عنه بالكلام، دوراً غير مصرح به، ، ولكنه دور حاضر بقوة ويفرض نفسه في آليات الحوار والإقناع والمصالح المشتركة.

كان القيادي الذي يتكلم باسم محمود جبريل، والمحسوب على الخضر، ابن عم له، بينما كان القيادي الأخضر الذي هرب من المعركة مبكراً جداً وانضم الآن لمشروع محمود جبريل ابن عم لي أنا.

إن تحويل القضية الوطنية إلى قضية جهوية أو قبلية، واللعب على أوتار القرابة والمصالح المشتركة كان بالنسبة لي يمثل كفراً صراحاً بالوطن، وبالمبادئ العليا التي قاتلنا من أجلها، واستشهد في سبيلها خيرة رجالنا ونسائنا.
قلت لهذا القيادي ذي اللون الأخضر الباهت كلاماً واضحاً عن مؤامرة فبراير، وأنها مشروع غربي لاحتلال ليبيا اعتمد على أخطاء داخلية كان من الممكن تجاوزها، وأن وعود الديمقراطية زيف وبهتان، وأن الغرض هو تدجين القيادات الوطنية المقاومة وتأمين مستقبل فبراير السياسي والشعبي. ثم ختمت حديثي فقلت له: بغض النظر عن الخلاف السياسي العميق، هل للدكتور محمود جبريل أن يجيب عن السؤال الآتي: هو كذب كذباً صراحاً على العالم حين تحدث عن قصف طرابلس وبنغازي بالطيران في الأيام الأولى من النكبة، وعن عشرة آلاف قتيل مدني تم قنصهم في الأسبوع الأول من المؤامرة، وعن اغتصاب 8 آلاف ليبية من قبل الجيش الليبي، وعن حرق آبار وحقول النفط، وكتب هذا في تقارير دولية رسمية أمام مجلس الأمن الدولي بنيويورك، ومجلس حقوق الإنسان بجينيف، والاتحاد الأوروبي ببروكسل، والجامعة العربية بالقاهرة، وعلى أساسها تم اصدار القرارات 1970 و 1973 الخاصة بالحظر الكامل وتدخل الناتو العسكري وتدمير ليبيا. فهل هو على استعداد أن يقر بهذا الخطأ علناً لأنه مسألة حقائق على الأرض وليس رأياّ سياسياّ، حتى ندشن بعدها مرحلة جديدة من الحوار بين الليبيين جميعاً من أجل الحقيقة والمصالحة الوطنية truth and reconciliation كما حدث في دول أخرى؟
ذهب الأخضر الباهت برسالتي إلى محمود جبريل ولم يعد لي بالجواب أبداً.

بعدها كلمني ابن عمومتي الذي انضم لهذه المبادرة الجبريلية المكشوفة ليلومني على تسرعي وفظاظتي مع "شخصية وطنية محترمة" مثل الدكتور محمد جبريل.

وبين زيف ابن عم محمود جبريل، وبهتان ابن عمي أنا، تذكرت كيف كنت في جبهة الرصيفة الشريفة أقاتل كتفاً بكتف، بل قلباً مجاوراّ لقلب، مع أنبل رجال ليبيا من مختلف قبائلها وجهاتها، وأنني تحولت في يوم وليلة من ناطق سياسي دولي إلى مجرد تلميذ في مدرسة الجهاد مع أساتذة الفداء والتضحية في مدرسة الرصيفة التاريخية.

وفي يوم 16.10.2011 حين اشتد علينا الحصار، ونقصت الذخيرة، وصار قصف الناتو مكثفاً، وعملاؤه يحيطون بالمدينة العظيمة من كل جهة، سأل أحد الشباب المقاتلين: كيف انديروا يا جماعة؟

رد عليه الشارف رمضان بوقنيدة، وهو رجل بسيط ليس أكاديمياً ولا مثقفاُ ولا رئيس مجلس التخطيط الأعلى، ولا أميناً لمركز دراسات وأبحاث الكتاب الأخضر! قال:

"شد بندقتك واضّبّط التراب، راهي الجنة حذفة رصاصة"

نعم، لقد حار الدكتور الفخم والأكاديمي المبجل محمود جبريل في الإجابة على سؤال المؤامرة.
وخرجت إجابة الحق من قلب الشارف بوقنيدة الورفلي عفوية صادقة وباهرة.

عاش الدكتور محمود طويلاً ليصير شخصية سياسية دولية لامعة بتوجيه عربي وفرمان أجنبي.

أما الشارف فاستشهد بعد جوابه بأربعة أيام فقط وهو يقاتل في وادي "مسوجي" مع رفاقه الذي كانوا يفتحون أمامنا الطريق للخروج من بني وليد في يوم 20.10.2011، وكأنه أبى إلا أن يترافق في الموت مع الإمام معمر القذافي الذي استشهد في نفس اليوم هناك في معركة سرت الخالدة.

المجد للشارف بوقنيدة ورفاقه الأبطال،
والخزي والعار للدكاترة الخونة والمثقفين الجبناء.

 


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013