مع بدء الحرب الروسية على الإرهاب في سوريا، بدأت حسابات التوازنات في المنطقة، وكثرت الاتصالات بين الدول والقادة العرب والغربيين، لحسم الأمر من تأييد الضربة أو معارضتها، لمعرفة الاتجاه الدولي نحو التطورات الطارئة على الأزمة، لاسيما وأن الضربة الروسية قد أربكت حسابات الجميع، خاصة واشنطن التي كانت مطمئنة لبقاء الأوضاع على ما هي عليه، ودول الخليج التي اعتبرت أن الحرب محسومة، وأن أيام النظام السوري في الحكم باتت معدودة. وكان من أول الحسابات الإستراتيجية في المنطقة، بأن سارعت دول الخليج لمعرفة رأي مصر والضغط عليها، لدفعها للوقوف في وجه الضربة الروسية في سوريا، والتي نتج عنها تكوين حلف جديد يضم سوريا وإيران والعراق، في مواجهة القوى التكفيرية الظلامية ومن يقف وراءها، وكان لابد للقاهرة من إثبات موقفها تجاه ما يجري على الأرض، وبدا الجميع يتساءل، هل ستقف مصر بجانب دول الخليج وتعارض الضربة التي وجهتها روسيا حليفها القوي للإرهاب، والذي تحاربه مصر في الأساس، وتسعى لاقتلاعه من المنطقة برمتها بأي طريقة. أم سيكون للقاهرة موقف مشابه لذلك الذي أعلنته تجاه الحرب البرية على اليمن، حينما رفضت كافة الضغوط والمغريات التي مورست عليها للاشتراك في الحرب، إلا أنها صممت على موقفها بعدم الانسياق وراء الضغوط الخليجية، غير مبالية بما قد ينتج عن ذلك الرفض من تقليص المساعدات التي قدمتها ولا تزال تقدمها دول الخليج لمصر، وغير مبالية بالغضب الأمريكي من موقف الإدارة المصرية، والتي قد تراها واشنطن خرجت عن سيطرتها. ولكن مصر أرادت بالرغم من كل التفسيرات والتحليلات التي خرجت لتحلل موقفها ذلك، بأن يكون لها رأيها المستقل، والذي يعبر عنها وعن شعبها، فهي تدرك حجم المخاطر التي ستنجم عن التخلي عن النظام السوري، وترك الجماعات الإرهابية تسيطر على الحكم في الشام، فقد ذاقت مصر من الإرهاب الكثير، لذا لا تريد له التمدد، بل تسعى لمحاربته في المنطقة كلها، بالإضافة إلى إصرارها على بقاء الجيش العربي السوري، والذي يمثل خد دفاع قوي بجانب مصر في المنطقة، وهذا لا يمكن إلا ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد لقيادة المرحلة الراهنة. وترى مصر أن الخلافات السياسية في سوريا لها طرق أخرى للحل، ليس من بينها الإستراتيجية العسكرية بدعم المعارضة، كما رأت أمريكا وحلفاءها من الغرب والعرب، بل إنها إستراتيجية تدعم إطالة أمد الحرب، بما يحفظ لإسرائيل استقرارها في ظل انشغال العرب بأزماتهم وحروبهم التي لا تنتهي، ومن هنا تدعم مصر الحل السياسي للأزمة، لكن هذا لن يتم قبل القضاء على الجماعات الإرهابية بالكامل، وهو ما تعمل عليه الضربة العسكرية الروسية. وأرى أن موقف مصر يدعم الرؤية الصحيحة التي كشفتها الضربة الروسية للإرهاب في سوريا، حيث إن واشنطن التي رعت الإرهاب في المنطقة، هي أول من غضب من الضربة الروسية، وراحت تكيل الاتهامات للروس بالوقوف ضد المعارضة التي وصفتها بالمعتدلة، وتغاضت عن الضربات التي وجهت لتنظيم "داعش"، لأنها لا تريد الحديث عنها، فهي التي أسست هذا التنظيم وساعدته على التوسع في سوريا والعراق، لذا لن تقبل بأن ينهار بهذه السرعة، فالخطة التي رسمتها له لم تكتمل بعد، وجاءت روسيا لتفسدها بوقوفها بجانب الرئيس السوري. لقد كشفت الحرب الروسية عن الكثير من الأمور التي كانت غائبة في الأزمة، أهمها أ ن التحالف الجديد الذي نشأ في المنطقة للحرب على الإرهاب لن يقف حتى يطهر العراق وسوريا من دنس الإرهاب، وأن مصر ستقف داعمة لهذا التحالف من أجل عودة الدولة السورية فقط، الأمر الذي يدعم الاستقرار في المنطقة.