جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

الوضع العالمي بين مرحلتين | بقلم: منير شفيق
الوضع العالمي بين مرحلتين



بقلم: منير شفيق  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
31-07-2018 - 1409

انهار مشروع جورج دبليو بوش في العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين، وقد استهدف عسكرة الوضع العالمي، لإعادة تكريس أمريكا زعيمة لعالم برأس واحدة، وكان جورج بوش الأب قبله بعشر سنوات قد سعى لتحقيق ذلك عند انهيار الاتحاد السوفييتي.

فشلت إدارة جورج دبليو بوش بحربيْها اللتين شُنتا لاحتلال كل من أفغانستان والعراق لتحقيق السيطرة عليهما، كما فشل الكيان الصهيوني في حربَيْه (2006 ضد المقاومة في لبنان و2008/2009 ضد المقاومة في قطاع غزة)، الأمر الذي أفشل المشروع الذي هدف إلى إعادة بناء شرق أوسط جديد- كبير. وجاءت الأزمة المالية العالمية في 2008 لتطيح بأحلام العولمة ودخول النظام الرأسمالي العالمي في أزمة من أشد أزماتها، ولم ينقذها من السقوط أرضاً، سقوطاً طويل الأمد، غير تدخل الدولة التي أوقفتها على قدميها مرة أخرى. وللمهزلة، كانت العولمة تريد تجاوز الدولة.

أدت محصلة هذا الفشل على مستوى المنطقة العربية- الإسلامية (التركية- الإيرانية)؛ إلى أزمة اختناقية لمحور الاعتدال العربي الذي راهن على مشروع "المحافظين الجدد"، الأمر الذي أدى، بدوره، إلى انتصار ثورتي تونس ومصر وما لحقهما من صراعات متعددة الأوجه والأبعاد والدخول في مرحلة من الفوضى العامة، ليس هنا الآن الدخول في تفاصيلها، واتجاهات نهاياتها.

على أن المحصلة، موضوع هذه المقالة، أدت على المستوى العالمي، مع مطلع العقد الثاني للقرن الواحد والعشرين، إلى تشكّل عالم متعدد الأقطاب الدولية والأقطاب الإقليمية، ولكن من غير إقامة نظام لعالم متعدد القطبية، أي حالة بلا نظام عالمي محدد المعالم، وبلا نظام إقليمي جديد، مما أدى إلى نشوء وضع يتسم بالفوضى والارتباك الاستراتيجي والسياسي، بصورة عامة، بالنسبة إلى أغلب الدول، ولا سيما أمريكا وأوروبا. وقد أخذتا بالتراجع وفقدان السيطرة على الوضع العالمي، وإن حافظت أمريكا على قوة نووية وصاروخية على مستوى متفوق. ولكن من دون الإفادة منها، أو استحضارها، في حروبها العسكرية التقليدية الفاشلة، وهو ما حدث مع الكيان الصهيوني كذلك.

على أن مرحلة عالم متعدد القطبية، بلا نظام قطبي، وقد غلبت عليه حالة الفوضى والارتباكات في بلورة استراتيجيات وسياسات متماسكة عموماً، أخذت تخلي مكانها لمرحلة جديدة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ وذلك من جهة، بسبب تعاظم مكانة كل من روسيا والصين كأقطاب دولية لها أوزان ثقيلة، كما بسبب تعزيز مكانة تركيا وإيران، كأقطاب إقليمية لها أوزان مميزة عن كل ما عرفناه منذ الحرب العالمية الأولى حتى اليوم، ثم من جهة أخرى بسبب سياسات ترامب نفسه.

وبهذا تفاقمت التناقضات الأمريكية- الروسية، والأمريكية- الصينية، واشتد التناقض الأمريكي- الإيراني، والإيراني- الصهيوني (الكيان الصهيوني)، وتعثرت وارتبكت العلاقات التحالفية الأمريكية- التركية، والعلاقات التركية- الصهيونية. والأهم، ما أخذ يسود من حرب تجارية وخلافيات متعددة أمريكية- أوروبية، وأمريكية- كندية.

هذا كله يعني أن العالم منذ عام أخذ يدخل في مرحلة جديدة غير تلك التي سادت بين 2010- 2017، فنحن نواجه عالماً متنازع الأقطاب المتعددة، تنازعاً لم يُشهَد مستواه وشدته، منذ الحرب الباردة. فقد دخل كل من روسيا وأمريكا في سباق تسلح يضاهي سباق التسلح في الحرب الباردة، كما في مواجهة حادة في أوكرانيا، وأما في سوريا، فالمواجهة ما زالت أبعد ما تكون من التوصل إلى تفاهم لحل يشمل الوضع السوري كله. وهو ما سيكشفه لقاء ترامب- بوتين القادم.

وباختصار، روسيا تريد من أمريكا أن تعترف بها كدولة كبرى نِداً لها، يتوجب التفاهم معها على إقامة نظام عالمي جديد بقيادة مشتركة بينهما. أما أمريكا فلم تصل بعد إلى الاقتناع بإقامة نظام عالمي متعدد القطبية يعترف بأدوار لروسيا والصين وأوروبا غير الأدوار التي تقررها الهيمنة الأمريكية المنفردة. وهذا ما يشكل الخلفية غير المنظورة وراء تدهور علاقات دونالد ترامب (أمريكا) بروسيا والصين وأوروبا وكندا واليابان، ناهيك عن احتدام الصراع الأمريكي ضد إيران وعن ارتباك في العلاقات الأمريكية- التركية، بل وحتى العلاقات مع عدد من الدول العربية.

إن وصول التنازعات الحادة بين أمريكا وكل من روسيا والصين، وإيران، إلى هذا المستوى الذي هو عليه الآن، ووصول الاشتباك بين أمريكا ترامب وكل من أوروبا وكندا واليابان في قضايا المناخ والتجارة الدولية، وعدد من القضايا السياسية إلى المستوى الحالي، سوف يؤدي إلى نتيجة واحدة رئيسية تتمثل في إضعاف أمريكا، وتعريض سياساتها المختلفة إلى الفشل.

ثم هنالك نتائج أخرى لهذه السياسة، تؤدي إلى المزيد من تقوية منافسيها الدوليين الكبار وفي مقدمهم الصين وروسيا، كما إلى إفلات الدول المحاصَرة من الحصار والمقاطعة مالياً واقتصادياً.

وخلاصة، إن هذه المعادلة الجديدة انتقلت بالوضع الدولي من عالم متعدد القطبية تسوده الفوضى وارتباك السياسات عموماً، لا سيما على مستوى أمريكا وأوروبا، إلى عالم متعدد القطبية تسوده صراعات شديدة الحدة بين أمريكا من جهة، وكل من روسيا والصين وإيران وأوروبا وتركيا وكندا والمكسيك من جهة أخرى، الأمر الذي يسمح بالتفريق أو التمييز بين مرحلتين في عالم متعدد الأقطاب الدولية والإقليمية ما بعد عالم انتهاء الحرب الباردة، وفشل قيام نظام دولي برأس واحدة تقوده أمريكا. وهذا على الضد مما توقعه كثيرون بعد انتهاء الحرب الباردة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وما حدث من متغيرات في الدول الاشتراكية.

كان يفترض، كما قضى التقليد التاريخي، أن تأخذ أمريكا بتشكيل تحالفات جديدة، ابتداءً من القديمة، أو الراهنة (الناتو)، لخوض الصراع في المرحلة الجديدة ضد الدول التي تصنف بالأقوى والأخطر على نفوذها العالمي. ولكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أخذ يشق طريقاً أخرى، تخالف بدهيات بناء الاستراتيجية وخوض الصراع.

فقد صعّد نزاعه مع روسيا إلى مستوى سباق تسلح جديد لا يختلف عن سباق التسلح في مرحلة الحرب الباردة، ثم أخذ يفرض على روسيا عقوبات اقتصادية تزيد من عمق التناقض والتنازع بينهما، وفعل الأمر نفسه في علاقته بالصين. وكان هذا وذاك مفهومين لو اقتصر الأمر على الدولتين وزاد إيران والمقاومات، ولكنه فتح، في الوقت نفسه، حروباً تجارية مع كل من يُفترض التحالف معهم، لتشكيل أوسع جبهة لخوض الصراع ضد الدولة أو الدول الأكثر قوة وخطراً على النفوذ الأمريكي العالمي، راهناً أو في مستقبل قريب. فعلاقاته السياسية والاقتصادية والدبلوماسية في أسوأ حالاتها مع ألمانيا وكندا وبريطانيا ومع كتلة الدول السبع الكبار (الجي سَفَنْ) والمكسيك وتركيا، بل وليست على ما يرام حتى مع فرنسا الحريصة على إنقاذ العلاقة الأمريكية- الأوروبية من التدهور.

وقد تخبط حتى في علاقاته مع الدول العربية التي يريدها أن تشكل حلفاً مع الكيان الصهيوني ضد إيران، وذلك حين فتح موضوع القدس ونقل السفارة الأمريكية، مما أجبرها على التصويت ضده في كل القرارات الرسمية العربية والإسلامية والدولية. والأنكى، ما راح يوجه لها من إهانات حين راح يشير إليها بـ"الدول التي تحت حمايتنا"، أو "الدول التي نحميها"، فكيف تقبل أن تسمى "المحميات"؟

باختصار، هذه سياسات فاشلة، ولا يمكن لها أن تنجح حتى في ما يمكنها أن تنجح فيه. فكيف يمكن لدولة كبرى، مهما بلغت قوتها، أن تعادي كل الدول دفعة واحدة وتقاتل منفردة، أو شبه منفردة، قوى دولية وإقليمية ذوات بأس وعلى درجة عالية من الذكاء السياسي والقدرة على إدارة الصراع وخوضه؟

ثم أضف ما فتحه دونالد ترامب من معارك جانبية مع مراكز القوى في الدولة العميقة الأمريكية نفسها (مؤسسات ومجتمع).

حقاً كيف يمكن له ألاّ يفشل؟

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


المحكمة الخاصة بلبنان: ألم تسقط ورقة التين بعد؟
بقلم: د. داود خيرالله

مابين الصمود اليمني والإبتزاز الأمريكي، هل ينتحر السعودي في اليمن!؟
بقلم: هشام الهبيشان



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب منير شفيق |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//