جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية المجلس الثقافي

في أزمة الثقافة العربية | بقلم: الدكتور يوسف مكي
في أزمة الثقافة العربية



بقلم: الدكتور يوسف مكي  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
07-11-2025 - 160

الحديث عن أزمة الثقافة العربية، هو جزء من محاولتنا المستمرة، تفكيك بعض المفاهيم التي سادت في الواقع العربي، منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا، وإعادة تركيبها، بما يتسق مع التحولات الكبرى، التي شهدها العالم، في المائة وخمسين عاما المنصرمة.

والحديث عن الثقافة العربية، في هذا السياق، لا يحمل معنى متضمنا بخصوصيتها عن الثقافات الأخرى، وبكونها عصية على التغيير. فالحركة قانون عام، لا يشمل بيئة بعينها، ويستثني أخرى، وإن كانت سرعة الإيقاع تختلف بين مجتمع وأخر، تبعا لعوامل موضوعية وتاريخية، لا يمكن تجاوزها.

الثقافة بشكل عام، هي نتاج مجموعة من العناصر التي تراكمت عبر حقب طويلة ممتدة، ذات العلاقة بالعادات والتقاليد، ومن ضمنها الفولكلور والفنون والمعتقدات. وجميع هذه العناصر، هي حاصل تفاعل حضاري وتداخل مع ثقافات إنسانية وافدة.

الثقافة العربية، في واقعها الراهن، بشكل عام، هي نتاج واقع مأزوم، تعطلت فيه مراحل النمو، لأكثر من سبعمائة عام، غابت فيها الأمة في نوم طويل، منذ احتل المغول عاصمة العباسيين، وأغرقت مكتبة بغداد. ولتتناوب على البلدان العربية، حملات غزو أخرى، انتهت بهيمنة سلطان الاستبداد العثماني، وطفوح المياه الراكدة، وغلبة الشعوذة والجهل على التجربة والعلم.

وحين برزت حركة اليقظة العربية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لم تكن هذه الحركة، نتاج تطور تاريخي، بل صدى كاريكاتوريا واهنا لأفكار سادت بالقارة الأوروبية، وارتبطت بالتحولات الاجتماعية والسياسية والعلمية الكبرى فيها. لم يتمكن قادة حركة اليقظة العربية،÷ من توطين تلك الأفكار. واصطدمت هذه الحركة وهي لما تزل بعد يافعة، بزناجير الدبابات والمدافع الغربية، واتفاقية سايكس- بيكو ووعد بلفور

. وفي صخب العجز عن التصدي والمواجهة للمحتل الجديد، تاه التمييز بين حداثة الغرب ومبادئه، والتطورات الفكرية، التي حملها، والتي باتت مطلبا كونيا، وبين عنف المحتل. فكانت النتيجة العودة بقوة، لفكر ما قبل الحداثة، وتأجيل مشروع النهضة، إلى مراحل لاحقة، لم تجد حتى هذه اللحظة آفاقا مفتوحة لها، بسبب تغول الاستبداد وتجريف الحياة الثقافية، في المشهد العربي بأسره.

ذلك لا يعني عدم وجود استثناءات لهذه القاعدة، ولكن تمظهرها لا يشي بأي أفق للخروج من الانسداد التاريخي، الذي لازال يلقي بكلكله على معظم مظاهر الحياة، في مجتمعاتنا العربية، التي فقدت مناعتها، وباتت مهيأة للتشظي والسقوط في أودية سحيقة.
يحدث ذلك رغم الانتقال إلى واقع التمدين، وليس المدنية. لأن التمدين هو اقتباس في الشكل، وهو في أحسن حالاته، في واقعنا العربي استنساخ مشوه، أما المدنية، فهي التعامل مع الأفكار، واقتناء لبوسها، بوعي ومقدرة على التماهي معها ومع قوانينها وآلياتها. ولم يكن ذلك بالممكن، من غير الانتقال فعليا، من حال إلى حال. وفي مقدمة ذلك إعادة تشكيل الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبناء أسس الدولة الحديثة.
لقد فقدت تمظهرات ثقافتنا القديمة، لكن أحداث السنوات التي انقضت، أكدت بما لا يقبل الجدل، رسوخ عناصرها، في العمق بمنظومة قيمنا الراهنة، وهي عناصر بعيدة عن التسليم بالعلم الحق والعمل الحق، والالتحاق بالعصر الكوني الذي نحياه.
ثقافتنا في حيرة بين الأصالة والمعاصرة، وبين الشك واليقين. نشك حيث يجب أن نتيقن، ونتيقن حيث يوجب الشك. تهيمن على سلوكنا الخرافات والخزعبلات، ونرتعش خوفا من السحرة والمشعوذين، الذين لا يملكون من أمرهم شيئا، والذين جعل العلم الحق منهم، شيئا من الماضي، العاجز والمقيت. وتسودنا الشكوك في منجزات العلم، في كل مجالاته الحية، من كيمياء وفيزياء وجبر وعلم أحياء، وليس فقط في النظريات العلمية الفلسفية.
مفكرونا يعيشون ثقافة الاستقراء، وليس ثقافة التجربة. علاقتهم بالعلم علاقة تلقين وليس تحليل وتفكيك وإعادة تركيب. ومفاهيمهم للأنا والآخر، متبلدة ومتكلسة. في الاستقراء، هناك إخضاع قسري للمنجز العلمي، ليكون جزءا من تركيبة الثقافة الراكدة. وفي التجربة تفتح أبواب الكشف العلمي والإنساني، على مصاريعها، من غير حدود.

في ثقافتنا تعميم للاستشراق والتغريب، وانفصام في الرؤية لما حولنا من الحضارات. نقتبس ونستهلك كل شيء من لبوس الحضارة، ونرفض في الآن ذاته كل شيء. ونتعامل مع نتاج الاستشراق كله، ككم مهمل، ولكننا بأثر رجعي، نعود له عودة النفعي أو العاجز، حيث لا يتوفر في مكتباتنا بديلا عنه. وحين نعود لذلك، فإن الرجعة تكون بحماس منقطع النظير، رجعة مصابة بالعمى فلا نعود نميز بين الغث والسمين.

وفي كل هذا نتناسى أن تعبير الأنا والأخر، هو تعبير نسبي، قابل للأخذ والنقاش. فمن يضمن أن لا يكون الأخر، بين ظهرانينا ومن أبناء جلدتنا، وأن الأنا قد يكون قابعا بعيدا عنا آلاف الأميال، ولكنه يقف معنا ويتفهم قضايانا، ويناصرها حيثما أمكنه ذلك.

ومن يتابع ما يجري من تعاطف متصاعد مع القضية الفلسطينية في القارة الأوروبية، والغرب عموما، ومن يراقب ما يجري من صراع محتدم بين الفلسطينيين أنفسهم، على وهم السلطة… بين رام الله وقطاع غزة، والعجز عن التوصل إلى برنامج كفاحي يضمن الحقوق، ولو في الحدود الدنيا، وأيضا تراجع الاهتمام العربي بالقضية المركزية، بتأكد له أن الأنا يمكن أن يتواجد في آخر زوايا الكرة الأرضية، وأن الأخر، يمكن أن يجثم بقوة في صدورنا، وفي أنسجتنا وخلايانا.

تسبب النظرة الضيقة للثقافة، في مراكمة الخصوم، بدلا من مضاعفة خانة الأصدقاء. وتضيع علينا فرصا كبيرة، كان بالإمكان استثماراها لخدمة قضايانا العادلة.
القضية ليست استبدال مفهوم بمفهوم، أو تعديل هنا وتشطيب هناك. فما تحتاجه ثقافتنا هو معالجات جذرية، تخرج بنا من نفق الأزمة الراهنة. وفي المقدمة من ذلك تجاوز غربيتنا التاريخية، وتحقيق المصالحة بين الجغرافيا والتاريخ. ولن يكون بإمكاننا أن نتحول إلى ترس فاعل في المسيرة الإنسانية، الصاعدة إلى أمام، إلا بخلق آليات وهياكل جديدة، وتحقيق الإصلاح بكل ما يحمله ذلك من معان، وبناء الدولة العصرية، دولة المؤسسات، وجعل كل أطرها في خدمة الإنسان.

 


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2025
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       64 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       فلسطين- غزة:ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 41118//وزارة الصحة الفلسطينية: 13 شهيداً جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مناطق متفرقة في قطاع غزة منذ فجر اليوم//وسائل إعلام فلسطينية: شهيدان جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلاً بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة//خمسة شهداء في قصف الاحتلال حي الزيتون ومخيم جباليا//       ندد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة، واصفاً الحادثة بالمروعة.// سابق يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات التالي العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على الجنوب اللبناني//       القوات الروسية تطهر 10 بلدات وقرى من قوات نظام كييف في كورسك//تنديد دولي باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة//       أحبار الأمة والعالم :المقاومة اللبنانية تستهدف مستوطنتي روش هانيكرا ومتسوفا بالصواريخ//كوبا تدعو المثقفين السوريين لدعم الرسالة المناهضة لإعادة إدراجها على قائمة الدول الراعية للإرهاب//       ستشهاد مواطنين اثنين جراء عدوان إسرائيلي بمسيرة على ريف القنيطرة//       المقداد لـ مانزي: نرحب بالعمل مع الوكالات الأممية وتسهيل عملها//تمديد فترة قبول طلبات المشاركة في منافسات الموسم الجديد من الأولمبياد العلمي السوري//الزراعة تناقش آليات دعم بذار القمح والأعلاف واستبدال بساتين الحمضيات الهرمة//       الاحتلال الإسرائيلي يسلم الصليب الأحمر جثامين 84 شهيداً قتلهم خلال عدوانه على قطاع غزة//المقاومة الفلسطينية توقع عدداً من جنود الاحتلال قتلى ومصابين جنوب قطاع غزة// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا)// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا) التالي وسائل إعلام لبنانية: استشهاد ٤ أشخاص جراء غارة لطيران العدو الإسرائيلي على بلدة مفيدون جنوبي لبنان//       نزوح قسري لآلاف الفلسطينيين من شمال قطاع غزة//39653 شهيداً منذ بدء الاحتلال عدوانه على قطاع غزة//وزارة التربية الفلسطينية: أكثر من 10 آلاف طالب استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//المكتب الإعلامي في غزة يطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اختطاف الاحتلال لجثامين الشهداء وسرقة أعضائهم//       فلسطين:شهداء وجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل لليوم الـ 306 على قطاع غزة//حماس تعلن اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي//24 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       مذكرة تفاهم بين جامعتي البعث والبترول التكنولوجية الإيرانية // وضع مركزي تحويل كهربائيين جديدين بالخدمة في السويداء//صحة السويداء تستلم سيارات إسعاف لتلبية احتياجات المواطنين//