جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

لنبحث عن ما يجمعنا لا ما يفرّقنا ... | بقلم: صبحي غندور
لنبحث عن ما يجمعنا لا ما يفرّقنا ...



بقلم: صبحي غندور  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
21-12-2022 - 2323

قليلٌ من المفكّرين من يرى احتمال الخطأ في فكره أو احتمال الإصابة في فكر الآخر. وهذا منطلقٌ مهم لإمكان نجاح أي حوار بين أفكار وآراء مختلفة، إذ مع انعدام هذا المنطلق المشترك الذي يتقبّل احتمال الصواب والخطأ في كلّ رأي، سيسير أي حوار بين رأيين أو موقفين مختلفين في طريق مسدود.
عوامل كثيرة تدفع بعض الناس إلى الانحباس في خنادق فكرية، فيعتقدون أنّهم بذلك يصونون أنفسهم من مخاطر جحافل "الفكر الآخر"، بينما هم في الواقع يسجنون ما لديهم من فكر ورؤى، فلا "الآخر" يصل إليها أو يتفاعل معها، ولا هم يتطوّرون أو يكسبون فكراً جديداً بل يبقون على ما هم عليه جامدين متحجّرين.
هكذا هي أيضاً مشكلة بعض الحركات السياسية العربية، أنّها لم تحسن إدراك المفهوم الصحيح للمفاهيم المتداولة أو للانتماءات الدينية والقومية، وقام هذا البعض بخلط المفهوم الفكري والثقافي مع المضامين والمواقف السياسية، فأصبحت أخطار الممارسة مقرونة بمفهوم الانتماء أو الهُويّة نفسها. من أجل ذلك خرجت مدارس فكرية وسياسية تدين "الهُوية العربية" أو هذا الاتجاه "الديني" أو ذاك "العلماني" أو تلك الانتماءات الوطنية، بحالٍ من التعميم لكلّ ما هو يرتبط بالتيّار "الآخر"!.
فرفض "العلمانية" بالمطلق، أو الدفاع عنها بالمطلق، هو إجحاف بحقِّ المفهوم والتجارب التنفيذية له. فالعلمانية، في التجربة الأميركية مثلاً، هي لضمان حقوق كلّ الطوائف والأديان ولمنع هيمنة إحداها على الأخرى، بينما يتمّ استخدام العلمانية في تجارب عالمية أخرى للحدِّ من دور الدين في المجتمع. فأميركا لم تشهد تاريخياً الصراع الذي جرى في أوروبا بين رجال الكنيسة وبين قادة وأمراء الدول، ولذلك اختلف المفهوم واختلف التطبيق رغم وحدة التسمية. وهذا ينطبق أيضاً على الفارق بين التجارب العلمانية الشيوعية وغيرها من الأنظمة العلمانية الديمقراطية، حيث سعت العلمانية الشيوعية لفصل الدين عن المجتمع كلّه، لا لفصل الدين عن الدولة فقط.
ونجد حالياً في الإعلام العربي توزيعاً للحركات السياسية العربية إلى مجموعتين متصارعتين: "إسلامية" و"ليبرالية"، دون إدراكٍ أنّ هذه التسميات لا تُعبّر فعلاً عن واقع وعقائد كل الحركات والتيّارات الفكرية العربية. إذ هل غير المنتمي لحركةٍ سياسيةٍ تحمل صفةً دينية يعني أنّه غير مؤمن أو مسلم أو على تناقضٍ مع الدين نفسه؟! وهل من هو منتمٍ لتيّارٍ سياسي ديني يعني أنّه رافض للحرّيات وللمجتمعات المدنية التي يدعو لها الفكر "الليبرالي"؟!. علماً أنّ "الليبرالية" هي مظلومةٌ في المنطقة العربية، تماماً كما هي التسميات العقائدية والسياسية الأخرى. فكثيرٌ من الذين كانوا ينشطون في بلاد العرب باسم "الليبراليين" كانوا يجسّدون عملياً نهج وسياسة من كانوا يُعرَفون في الولايات المتحدة باسم "المحافظين الجدد"، وليس نهج أو سياسة "الليبراليين" الأميركيين. فالتيّار "الليبرالي" الآن في أميركا هو تيّارٌ رافض لسياسة الهيمنة الأميركية على العالم وللتدخّل في شؤون الدول الأخرى ولحروب الإدارات السابقة، وهو التيّار الذي رفض استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان، وهو التيّار الرافض للتمييز بين الناس على أساس الدين أو العرق أو اللون. كما أنّ رموزاً في هذا التيّار تناهض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. فهل هذه هي سمات بعض الجماعات العربية الحاملة لتسمية "الليبرالية؟!.
فالتوافق على فهمٍ مشترَك لمعنى ومضمون أي مصطلح فكري هو المدخل الأهم لأي عمل مؤسساتي أو جهد فكري متعدّد الآراء. هذا الأمر ينطبق حتّى على ما يندرج تحت خصوصياتٍ قائمة داخل الأمَّة الواحدة. فالحلُّ لا يكون برفض المصطلح لمجرّد اختزان مفاهيم عن تجارب محدّدة سلبية تحمل تسمية المصطلح نفسه، إذ المشكلة هنا أنّ المصطلحات كلّها تعرّضت إلى تجارب تطبيقية سلبية ومسيئة، بما في ذلك شعارات الحرّية والديمقراطية.
أيضاً، فإنّ التشويه حدث ولا يزال يحدث في البلاد العربية لمصطلحات فكرية ولمفاهيم كانت هي الأساس في تغيير إيجابي بكثير من أرجاء الأمَّة العربية، وفي مراحل زمنية مختلفة، بينما تنتعش مفاهيم ومصطلحات أخرى تحمل أبعاداً سلبية في الحاضر والمستقبل إذا ما جرى الركون إليها أو التسليم بها. فمصطلح "الشرق الأوسط" أصبح أكثر تداولاً الآن من تعبير "الأمَّة العربية". ومصطلح "المصالح الطائفية والمذهبية" أضحى أكثر انتشاراً من الحديث عن "المصلحة الوطنية". و"التدخل العسكري الأجنبي" تحوّل إلى "تحرير من نظام أو إرهاب"! و"الخصخصة" أصبحت بديلاً لواجبات الدولة في التخطيط الاقتصادي الشامل وفي ضمان "العدل الاجتماعي"، أمّا "الديمقراطية" فجرى اختصارها في آلياتٍ انتخابية ودمغ الأصابع بالحبر!.
ولعلّ أبرز المضامين المعطاة الآن لمفهوميْ "الشرق" و"الغرب" هي قضايا تميّز بين كتل الشعوب (وليس الدول) على أسس سياسية وعقائدية وثقافية. فالغرب هو مصطلح يعني الآن الشعوب التي تعتمد الأنظمة السياسية الديمقراطية ونظام الاقتصاد الحر وتأخذ بالمنهج العلماني في الحكم.
وبالتالي، فإنّ دولةً مثل أستراليا الموجودة في أسفل الكرة الأرضية، والتي هي غير معنيّة جغرافياً بتوزيع العالم بين "الشرق" و"الغرب"، أصبحت الآن دولةً فاعلة في معسكر "الحضارة الغربية"!
وقد وجدت إسرائيل ومن يدعمها من دول "الغرب" الأوروبي والأميركي مصلحة كبيرة في هذه التسميات التي تجعل منها "دولة غربية" و"شرق أوسطية" معاً. إذ أنّ تسمية "الشرق الأوسط" تنزع الهويّة العربية عن المنطقة فتقضم منها دولاً عربية وتضيف إليها إسرائيل بكلّ ما تمثّله الأخيرة من ثقل عسكري وسياسي واقتصادي "غربي".
فمبدأ توزيع العالم إلى "شرق" "غرب" هو حالة نسبية ولا مضموناً علمياً لها، والاختلال في ميزان التسميات حاصل كيفما نظرنا إلى دول "الشرق" و"الغرب". أمّا على "الجهات" الأخرى، أي "الشمال" و"الجنوب"، فنجد تصنيفاً مختلفاً يعتمد على التمايز الاجتماعي والاقتصادي بين دول شمال الكرة الأرضية ودول جنوبها. هو تمايزٌ يقوم على مستويات الفقر والثراء، وعلى مدى التخلّف والتقدّم في الحياة الاقتصادية والنظم الاجتماعية.
وفي الحالتين: تقسيم العالم إلى "شرق" و"غرب" أو إلى "شمال" و"جنوب"، هناك مسؤولية أولى عن الاختلاف الحاصل بين المجتمعات، وهي مسؤولية الإمبراطوريات الاستعمارية التي حقّقت تقدّمها السياسي والاجتماعي عن طريق قهر شعوبٍ أخرى واحتلال أراضيها، ونهب ثرواتها الوطنية وإضعاف عناصر وحدتها الاجتماعية، فأفرز ذلك كلّه على مدار عقودٍ من الزمن تنميةً في بلدان أوروبا وشمال أميركا مقابل تخلّفٍ في معظم المجتمعات الأخرى.
وبينما شعوبٌ كثيرة في "شرق" الأرض و"غربها"، وفي "شمالها" و"جنوبها"، خلُصت إلى قناعة بضرورة نبذ العنف بين بلدانها وداخل مجتمعاتها الخاصّة، وباعتماد النّهج الديمقراطي في الحكم والعلاقات بين المواطنين والأوطان، تزداد للأسف حالات الانقسام الدّاخلي في معظم أرجاء المنطقة العربية، وتتعمّق المفاهيم و"الهويّات" الإنشطارية في كلّ أرجاء الأمَّة على حساب "الهُويّة الوطنية" الواحدة و"الهويّة العربية" المشتركة!.
فهاهي المنطقة العربية تعيش الآن مخاطر التهديد للوحدة الوطنية كمحصّلة لمفاهيم أو ممارسات خاطئة لكلٍّ من الوطنية والعروبة والدين. وقد عانى العديد من الأوطان العربية، وما يزال، من أزمات تمييز بين المواطنين، أو نتيجة ضعف بناء الدولة الوطنية ممّا أضعف الولاء الوطني لدى الناس، وجعلهم يبحثون عن أطر فئوية بديلة لمفهوم المواطنة الواحدة المشتركة.
هناك حاجةٌ ماسة لبناء مجتمعات عربية جديدة تقوم على الجمع بين الفهم السليم للأمّة العربية الواحدة القائمة على خصوصيات متنوعة، وبين الولاء للوطن الواحد القائم على أسس سليمة في الحكم والمواطنة...
.. وهناك حاجةٌ للاتفاق على "البوصلة العربية المشتركة"، كأساس لتحديد من هو "العدوّ"، ولإنقاذ الأمّة من حال الضياع في هذا الزمن الصهيوني الردئ!.
إنّه لواقع حال عربي لا يعبّر فقط عن أزمة فهم المصطلحات، إذ لو كان الأمر كذلك لأضحى الحل في طباعة قاموس جديد!. حقيقة المشكلة هي أنّ وراء كل مصطلح مشوَّه، أدواراً خارجية مشبوهة أو تجارب محلية سيئة، وبعض هذه التجارب السيئة مستمرٌّ في الحكم، والبعض الآخر في المعارضة! ومن هنا يمكن البدء في الإصلاح عبر تصحيح المفاهيم والاتفاق أولاً على "المشترك" لا على "القاسم"، ثمّ العمل السلمي المتواصل لتغيير الواقع العربي الذي تكثر فيه "الخنادق" وتقلّ فيه "الجسور"!.

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


قمة التعارضات
بقلم: حمادة فراعنة.

القبة الحديدة السيبرانية” .. فصل من التطبيع الأمني!!
بقلم: خليل نصر الله



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب صبحي غندور |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//