جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية المجلس الاجتماعي

مفاهيم منوّعة- الأرستقراطية | بقلم: أسعد صقر
مفاهيم منوّعة- الأرستقراطية



بقلم: أسعد صقر  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
22-01-2022 - 1675

الأرستقراطية aristocracy كلمة مركبة من كلمتين يونانيتين aristos وتعني الفاضل أو الجيّد و kratos وتعني القوة أو السلطة, وكانت الكلمة في مدلولها الأصلي تعني حكم أفضل المواطنين لفائدة جميع الشعب. فالأرستقراطية إِذن «حكم الأفضلين», وبهذا المعنى استخدمها أفلاطون في «الجمهورية» وأرسطو في «السياسة» وكان كلاهما يعتقد أن الحكومة الأرستقراطية أفضل أنواع الحكومات وأكثرها عدلاً, ولكنهما أبديا ارتياباً في قدرتها على الديمومة. يقول أفلاطون في الكتاب الثامن من الجمهورية « إِذا انحرفت الأرستقراطية وتحول أبناؤها إِلى إِيثار الثروة على الشرف تحولت إِلى الأوليغارشية oligarchie (حكم القلة) التي لبابها جَعْلُ الثروة أساس الجدارة وهو إِثم فظيع» ويعد أرسطو الأرستقراطية حكومة الأقلية الفاضلة العادلة, إِلا أن الأوليغارشية فساد طبيعي لها.
وتحسن الإِشارة إِلى أن مفهوم أفلاطون للروح الأرستقراطية مفهوم قيمي أكثر من كونه مفهوماً طبقياً. فالأرستقراطية حكم الأقلية الفضلى لأنها تضم المتفوقين أخلاقياً وعقلياً ويحكمون لخير الشعب.
إِلا أن كلمة الأرستقراطية استعملت بعد ذلك بتوسع واتخذت دلالة جمعية على قيادة أشخاص (شرفاء أو نبلاء أو كهنة) لدولةٍ, أو على مجموعة من «أصحاب المنزلة» متميزين في المولد أو الموهبة أو الذهن أو الغنى. ويمكن الإِشارة إِلى مدلولات ثلاثة للكلمة في استخدامها الشائع. يدل الأول على حكومة سياسية تمارس فيها السلطة العليا طبقة اجتماعية ذات امتيازات وهي وراثية في معظم الأحيان. ويدل الثاني على طبقة من النبلاء أو الأشراف أصحاب الامتيازات. أما الثالث فأدبي وعام: فلكل ميدان أرستقراطيته, وهم نفر قليل من الأشخاص يتمتعون بتفوق يميزهم في مجالهم (أرستقراطية الأدب أو الفن, الأرستقراطية الصناعية, أرستقراطية المال, الأرستقراطية العمالية « وهي الشريحة العمالية العليا التي تتكون من أكثر الفئات مهارة وأعلاها أجراً من مجموعة الطبقة العاملة, والمنفصلة عنها من حيث التكوين الأيديولوجي والنفسي»).
والمبدأ الديمقراطي نقيض للمبدأ الأرستقراطي. والواقع أن كلمة أرستقراطية أصبحت تستعمل بصورة عامة بالمعنى الاجتماعي أكثر مما تستعمل بالمعنى السياسي. ومنذ الثورة الفرنسية أسبغ المصطلح الثوري على كلمة أرستقراطية صفة انتقاصية تشير إِلى زمرة من أصحاب الامتيازات بسبب مولدهم أو أملاكهم أو نقودهم وهم بسبب ذلك «جائرون وقمعيون وأعداء للشعب وللأمة».
أنواع الأرستقراطية وتحولاتها
إِن لجميع المجتمعات التقليدية, مهما كانت الدرجة التي بلغتها من الحضارة, أرستقراطيتها ( من نبلاء وأشراف وكهنة). ولكن الكلمة تنطبق على ضروب من الواقع شديدة التنوع في الزمان والمكان بحيث يكون من الصعب رسم لوحة مقارنة لأنماط الأرستقراطية في تاريخ الإِنسانية من الطبقة البراهمانية في الهند إِلى الاوباتريد Eupatrides في اليونان القديمة إِلى الساموراي في اليابان وطبقات النبلاء المتنوعة في أوربة في العصور التالية لسقوط رومة. فقد كانت حكومات اليونان القديمة أرستقراطية عسكرية, وكانت حكومة اسبرطة أشهرها إِذ الاسبرطي وحده يتمتع بالمواطنة الكاملة بل إِن «السلطة وجميع ما للأمة كان في يد طائفة من أهلها لم تكن في البداية تزيد على عشر أسر».
وفي أثينة وجدت طائفة خاصة من الأشراف حتى في عهد ملوكها الأوائل. فقد كان الأوباتريديون, وهم أبناء القبائل البيلاجية الأولى وذرية الفاتحين الأولين من الأبوليين والإِيونيين, يعدون حكام أثينة وقادتها طوال قرون كثيرة.
ويعد الرومان من أشد الأمم أرستقراطية فقد كانت طائفة الأشراف الرومان patricien تتمتع في البداية وحدها بحق المواطنة ومن عداها محروم معظم الحقوق وخاصة الارتباط بها برابطة المصاهرة والنسب.
وفي الهند نمط آخر من الأرستقراطية الوراثية: فطبقة (البراهما) الكهنوتية التي ولد أفرادها من فم الإِله (فيشنو), في حين ولد أفراد طبقة السُّدرا (المنبوذون) من قدميه,ظلت منذ ألفي عام قبل الميلاد تحتكر مواقع الشرف والرفعة. وفي الجزيرة العربية كانت الأرستقراطية القرشية قبل الإِسلام تحكم مكة وهي يومئذ زعيمة العرب وكان بها ملأ يجتمع بدار الندوة (وهو مجلس شيوخ مصغر) لم يكن يدخله إِلا من بلغ أربعين عاماً ويختارون بحسب ثرائهم وهم سادة بطون قريش التي كانت مؤلفة من «قريش البطاح» وهي الأسر الكبيرة النازلة بجوار الكعبة وبيدها وحدها القوة العسكرية والنفوذ والغنى, ومن «قريش الظواهر» وينزلون من ورائهم وفيهم العامة وأخلاط من صعاليك العرب والعبيد.
وفي أوربة بعد زوال الامبراطورية الرومانية تكونت أرستقراطية جديدة قوامها رؤساء مجموعات أشبه بالعصابات ورومانيون بقيت لهم ثروتهم بعد زوال دولتهم.
لقد تطورت الأرستقراطية مع الحضارة, فبعد نبالة المولد جاء دور مالكي الأرض, ثم ما لبثت النقود أن أصبحت تقود إِلى السلطة أكثر من الغنى العقاري. وثمة تماثل في السياق التاريخي رافق نشوء الأرستقراطية: نخبة عسكرية تقبض على السلطة ويتوارثها أبناؤها بعد ذلك ثم يصبحون ملاكاًَ للأراضي وما تلبث أن تنفتح مسارب في طبقتهم لأناس آخرين يملكون أنواعاً أخرى من الثروة.
وثمة نزعة عرقية تضاف من زمن إِلى آخر إِلى هذا السياق وقد مثل ذروتها منظّرو النازية, مثل روزنبرغ وهتلر, الذين فسروا ثورة 1789 في فرنسة مثلاً بأنها صراع عرقي بين الشعب المؤلف من عناصر عرقية أدنى وبين النبالة (الآرية) ذات الأصول «الهندية الجرمانية».
ويبقى التمييز بين أرستقراطية المولد و الأرستقراطية غير الوراثية أمراً نسبياً لأنه حتى في الشريحة الاجتماعية الواحدة لا بد أن يتسلق بعض وضيعي المولد إِلى طبقة أعلى (إِن 43 بالمئة من أباطرة رومة ولدوا في طبقات دنيا) وأن ينحدر بعض كرام المحتد إِلى طبقة أدنى. ومن جهة أخرى فإِنه حتى في الأرستقراطيات المنفتحة ثمة ميل دائم لدى الشريحة العليا إِلى أن تصبح زمرة وراثية.
الثورة على الأرستقراطية
أثارت الأرستقراطية العداوة ضدها في كل مكان وزمان, ففي اليونان القديمة أجبر الشعب قادته منذ القرن السادس قبل الميلاد على إِنقاص مدة ولايتهم إِلى عشر سنين ثم إِلى سنة واحدة وعلى تدوين قانون معروف الحدود بل على النزول عن جزء من ثروتهم للعامة.
أما الجمهورية الرومانية فقصة الصراع بين الأشراف والعامة جزء من تاريخها, وفي سنة 494 ق.م تأسس فيها مجلس «التريبيون» Tribune دفاعاً عن العامة وللحد من سلطة الأشراف ونجح في توسيع نطاق المواطنة إِلى مدى أبعد في عام 471 ق.م, وفتحت الهيئات المختلفة أمام مرشحي العامة. وقد قاتلت الأرستقراطية الرومانية للحفاظ على امتيازاتها بقيادة لوشيوس كونيليوس سولا «عامة» الناس الذين كان يقودهم كايوس ماريوس في القرن الأول ق.م, وهزم الحزب الأرستقراطي أخيراً في معركة فيلبي سنة 42 ق.م.
وفي القرن الثامن الميلادي حاول شارلمان أن يضع حداً لغلواء الأرستقراطية التي استشرى نفوذها وعاثت تخريباً ونهباً في الأرياف الأوربية في القرون الثلاثة التي أعقبت سقوط رومة, ولكن مملكته تمزقت إِلى ممالك ضعيفة واغتصبت طوائف النبلاء كل شيء. ولكن الأرستقراطية بدأت تواجه تحديات الطبقة الوسطى النامية في المدن كما واجهت تحديات الحرفيين الذين هم أقل شأناً, إِضافة إِلى الحروب التي شنها عدد من ملوك أوربة منذ القرن الثالث عشر لاسترداد سلطتهم من أيدي رؤساء المجموعات وظل الصراع سجالاً وعلى أشده حتى القرن السادس عشر, وكانت الأسلحة النارية وكشف المدفع عاملاً مهماً في انتصار السلطة المركزية للملوك.
وقد استمر الثقل النسبي للنبلاء في التناقص في حرب الثلاثين عاماً في أوربة الوسطى خاصة, في حين انهارت سلطة النبلاء في فرنسة إِبان القرن السابع عشر في حرب الفروند في أثناء مدة الوصاية على لويس الرابع عشر. وكانت الدول التي جرى فيها «إِصلاح» وتطور اقتصادي في حاجة إِلى أطر لاهوتية وإِدارية جديدة لم يكن قادراً على تقديمها غير بورجوازية المدينة. وأخذت الجيوش نفسها, التي وضعت بين أيدي متعهدي الحرب, تصبح بالتدريج غير مناسبة للعقلية الأرستقراطية. فقد أصبحت الجيوش الخاصة المؤسسة على الارتزاق خطراً على الدولة وعامل تخريب وتدمير للسكان, وأصبح الميل العام متجهاً نحو تحويل الرئيس المرتزق إِلى ضابط تابع لأميره, وانخرط النبلاء بسهولة في هذه الجيوش الجديدة.
ولم يكن مصير الأرستقراطية في أوربة كلها متماثلاً. ففي أوربة الشرقية مثلاً كانت الدولة نفسها مؤسسة على أرستقراطية شديدة العسكرة وكان القياصرة أنفسهم مع نبلائهم يوجهون مصير روسية, بفعل استعباد الفلاحين, إِلى كل ما هو معاكس لمجرى التطور الاجتماعي الأوربي.
ولكن الصورة العامة تتلخص في أن سيطرة الأرستقراطية قد تزعزعت في كل مكان منذ القرن الثاني عشر بفعل ظهور المدن وصعود البرجوازيات الأولى التي سجلت ظهور قوة جديدة ترتكز على المال.
وقد وجهت الثورة الفرنسية عام 1789 ضربة شديدة إِلى طبقة النبلاء في فرنسة خاصة وفي أوربة على وجه العموم, واستمر الصراع مع الأرستقراطية طول القرن التاسع عشر, وقامت ثورتا 1831 و1848 بدور مهم في القضاء عليها. ولكن الأرستقراطية لم تسلم بهزيمتها بسهولة بل شهدت مراحل انتعاش عدة بعد عودة الملكية إِلى فرنسة وانخراط قسم كبير من أفرادها في النشاطات التجارية والمؤسسات الحكومية. وإِلى أن قامت ثورة 1917 في روسية استمر النظام الأرستقراطي في الحكم إِلى درجة كبيرة في أوربة الوسطى والشرقية ولاسيما في ألمانية والنمسة وهنغارية وروسية.


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//