جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية المجلس الاجتماعي

مفاهيم منوعة - التقدم والتقدمية | بقلم: توفيق داود
مفاهيم منوعة - التقدم والتقدمية



بقلم: توفيق داود  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
22-01-2022 - 503

يستحوذ مفهوم التقدم على اهتمامات المفكرين في العلوم الاجتماعية عامة، وفي علم الاجتماع خاصة، فهو يأخذ موقعاً مفصلياً في دراسات علماء الاجتماع، وخاصة المعنية منها بقضايا التغير الاجتماعي، ويتجلى ذلك في دراسات ماركس وتوكفيل وسبنسر ودُركهايم وفيبر وغيرهم.
ومع التباين الملحوظ في اتجاهات التحليل الاجتماعي لمفهوم التقدم بين الباحثين الاجتماعيين، يمكن تلمُّس قواسم مشتركة بين أعمالهم، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة التمييز بين الخطوط العامة التي ينطوي عليها هذا المفهوم، وبين الخصوصيات المتعلقة بكل اتجاه من اتجاهات التحليل الاجتماعي التي أخذت بدراسته. فمن الناحية الأولى انتشر استخدام هذا المفهوم بقوة طيلة القرون الثلاثة الأخيرة (الثامن عشر، والتاسع عشر، والعشرين)، إذ كانت ملامح التطور الاقتصادي والاجتماعي واضحة في المجتمع الأوربي، بالموازنة مع مجتمعات بلدان العالم الثالث التي اتصفت بقدر كبير من التخلف وعدم القدرة على مواكبة عمليات التطوير الواسعة التي تشهدها الدول الصناعية الأوربية. في الوقت الذي كانت جهود الباحثين في العلوم الاجتماعية مبينة على مماثلة الظواهر الاجتماعية للظواهر الطبيعية، وبتحليل مجموعة الأعمال العلمية التي سادت في تلك الفترة، يلاحظ أن استخدام مفهوم التقدم اقترن باستخدام مفهومين أساسيين آخرين، هما مفهوم التطور الذي أخذ بالانتشار إثر المقارنة بين مستويات التطور الاجتماعي بين البلدان المختلفة، ومفهوم الحتمية الذي شاع استخدامه في العلوم الطبيعية أولاً ثم في العلوم الاجتماعية لاحقاً.
ومع الفروق القائمة بين مفهومي التطور والتقدم، فإن عدداً من الباحثين يأخذ بعدم التفريق بينهما، ذلك أن مفهوم التطور يشمل الكائنات الحية غير الإنسانية، ولا ينطوي بالضرورة على الإرادة في التحسين، فهو نتيجة تلقائية لعمليات طبيعية تتصف بالطابع القانوني، ومثال ذلك التطور في الكائنات الحية من كائنات بسيطة وأقل نضوجاً إلى كائنات أكثر تعقيداً ونضوجاً، كما تذهب إلى ذلك نظريات التطور. أما التقدم فينطوي على البعد الغائي، والإرادي، ومثاله التقدم الملحوظ في المجتمعات الإنسانية التي تهدف إلى غايات محددة، تعد بمنزلة الأساس الذي تقوم عليه الأفعال وأنماط السلوك التي يمارسها الإنسان.
ومع ذلك يرتبط مفهوم التقدم بمفهوم التطور الاجتماعي ارتباطاً وثيقاً، فهو يعني بالنسبة إلى معظم علماء الاجتماع انتقال المجتمع من مرحلة تتصف بالبساطة إلى مرحلة أكثر تعقيداً، إذ تنمو إمكانية تلبية الحاجات بشكل أفضل، وتتسع دائرة الخيارات المتاحة للفرد ضمن التنظيم الاجتماعي. وفي هذا المستوى التحليلي يلاحظ أن المفهومين ينطويان على الدلالة نفسها، غير أن الأمر سرعان ما يختلف مع تباين اتجاهات التحليل الاجتماعي بين الباحثين والمفكرين.
في تحليلات أوغست كونت وهربرت سبنسر ودُركهايم وغيرهم من علماء الاجتماع، يُستَخدم تعبير التطور على نحو أوضح من مفهوم التقدم، وفيه يلاحظ أن المجتمع الإنساني ينتقل من البساطة إلى التعقيد، ومن الارتباط الآلي إلى الارتباط العضوي، ومن إمكانية استقلال الأجزاء عن بعضها بعضاً إلى ضرورة ارتباطها بعضها ببعض. وغالباً ما يترتب على عملية التطور هذه نمو ملحوظ في الإمكانات التي يتمتع بها المجتمع، وتنوع كبير في الحاجات التي توفرها عملية التطور، إضافة إلى أن ظروف الحياة الاجتماعية تصبح أكثر غنى. إن المجتمع الإنساني ينتقل وفق هذا التصور من طور إلى طور من خلال عمليات النمو التي تحدث في مكونات التنظيم الاجتماعي عموماً.
أما في التحليلات الماركسية، فيلاحظ أن الأمر يختلف، فتعبير التقدم هو الأكثر استخداماً، ذلك أن مراحل التطور الاجتماعي (المشاعية البدائية، العبودية، الإقطاعية) ليست أطواراً ينتقل المجتمع من أبسطها إلى أكثرها تعقيداً، بل هي مراحل نوعية تختلف كل منها عن الأخرى بمستوى تطور قوى الإنتاج فيها وشكل علاقات الإنتاج السائد، وتأتي كل منها إثر تغيرات كمية واسعة تصيب المرحلة السابقة عليها. إن المجتمع الإنساني وفق هذا التصور يتقدم خطوة تلو الخطوة، ومرحلة تلو المرحلة، حتى يصل كمال تقدمه في المجتمع الشيوعي.
كما يختلف مفهوم التقدم أيضاً عن تعبير التغير الاجتماعي الذي يستخدم في الدراسات الاجتماعية، للدلالة على ظهور معالم التغير في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يعيشه السكان، كالتغير الملحوظ في طبيعة الروابط الاجتماعية من حيث شدتها، ودرجة انتشارها، والتغير في بنية الأسرة والروابط الاجتماعية ضمنها، والتغير في الضوابط الاجتماعية للسلوك الإنساني، والتغير الملحوظ في القيم الأخلاقية وغيرها. ويكمن الفرق بين مفهومي التغير والتقدم، في أن الأول لا ينطوي على أي بعد قيمي أو حكم أخلاقي، بينما يتضمن التعبير الثاني (التقدم) حكماً بأن المرحلة التالية هي أفضل من المرحلة السابقة، من حيث طبيعة الحاجات المتاحة أمام الفرد، ومن حيث قدرة الإنسان على التحكم بالظواهر الطبيعية.
إن مفهوم التغير ينطوي على بعد إيجابي أحياناً، وبعد سلبي أحياناً أخرى، تبعاً لزاوية الرؤية التي يأخذ بها الباحث، فانحلال منظومة روابط القربى في التنظيم العشائري مثلاً، وانتشار القيم المادية للحكم على أنماط السلوك، هو تغير اجتماعي، ويتفق كل علماء الاجتماع على ذلك، أما عدّه تقدماً أو تخلفاً فتلك مسألة أخرى. فالنظريات الاقتصادية ومنها الماركسية تجد في ذلك تقدماً، لأنه يأتي في سياق الانتقال من مرحلة إلى أخرى، وفي سياق التطور الملحوظ في قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، والتي تترتب عليها تغيرات في منظومة العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، وفي منظومات السلطة والسياسة والدين وغيرها.
ولكن الأمر يختلف بالنسبة إلى النظريات البنيوية على سبيل المثال، فالتغير هنا يمس أنماط التفاعل وأشكال العلاقات، كما يمس بالدرجة الأولى الرموز الثقافية التي يعتمدها الناس معايير للحكم على أنماط سلوكهم، وانحلالها يعني اضطراب أشكال السلوك وغياب اللغة الثقافية الواحدة، مما يجعل أهداف الأفراد متباينة ومتباعدة في كثير من الأحيان. فالتغير هنا يقود إلى التخلف لأنه يبعثر القوى، ويشتت الطاقات، ويجعل المجتمع أقل قدرة على إنتاج الخبرات.
ومع انتشار مفهوم التقدم، أخذ ينتشر إلى جانبه تعبير التقدمية، الذي يراد به الإشارة إلى الجهود والأعمال التي تحاول تفسير مظاهر التغير الاجتماعي الواسعة في ضوء الرؤية التقدمية، ووضع الظواهر المرافقة لهذا التغير في المراحل التاريخية التي تناسبها في سلم التطور الاجتماعي. وبرغم ذلك فإن النموذج الذي كان يعتمد في التقييم والحكم على سلامة الظواهر جاء مختلفاً بين الباحثين، فهو التجربة الشيوعية بالنسبة إلى معظم الماركسيين الذين أخذوا بدراستها، وهو المجتمع الغربي بالنسبة إلى العدد الكبير من علماء الاجتماع الغرب (آرون، وروستو وغيرهما). وبذلك صارت التقدمية مذهباً فكرياً، يحاول تقويم مظاهر التغير بأبعاده المختلفة وتحليلها في ضوء الرؤية التقدمية. وقد صارت الحركة التقدمية تضم أعداداً كبيرة من المفكرين والاجتماعيين والسياسيين في مختلف بقاع العالم، ولها ميادينها في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وفي مختلف مجالات النشاط الإنساني.

لا يوجد صور مرفقة 

مفاهيم منوعة - البداوة
بقلم: أحمد الأصفر الشهير باللحام

مفاهيم منوّعة - الأيدولوجيا
بقلم: جاد الكريم الجباعي



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب توفيق داود |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//