خطوة على طريق بناء سوريا الجديدة التقارير والمقالات | خطوة على طريق بناء سوريا الجديدة
تاريخ النشر: 06-08-2017

بقلم: الباحث محمد بوداي
(لايوجد اخطر من التغيرات والاصلاحات الجذرية على دولة لاتتمتع بتقاليد الديموقراطية والحرية).
أ . توكفيل 1789 .

 كما هو معلوم، فان اللسان هو حامل الفكر والمعبر عن واقع حال اي تغيرات تصيب مجتمع ما. الاحداث الاخيرة في سورية لم تقف بمعزل عن هذا القانون الطبيعي لتلازم الحدث مع اللسان.
 اي مراقب لما يجري في البلاد العربية سيلاحظ بسهولة ان اكثر الكلمات جريا على السنة الناس بعد فورة الخريف العربي هي: المعارضة، الاصلاح، الحرية، الديموقراطية، الشعب يريد اسقاط النظام، الحوار الوطني، التظاهرات السلمية، التغيير، الانتخابات النزيهة، التداول السلمي للسلطه، حقوق الانسان.
 وبما ان معظمنا لم يعر هذه المصطلحات انتباها قبل الاحداث الاخيرة، وبما ان قنوات الفتنة والتحريض قدمت للمواطن العادي معاني مبتذلة لهذه المصطلحات، ارى انه من الواجب اعادة شرحها بشكل صحيح ومفهوم.
1-    الاصلاح
 الاصلاح هو اعادة تفعيل الموجود ليكون اكثر ديناميكية في سبيل الحصول على مردود افضل.
 وبالتالي، فالاصلاح ضرورة حياتية للمجتمعات البشرية منذ نشأتها الاولى لانه مفتاح التطور وسنة الحياة.
 الاصلاح عملية طبيعية مستمرة تدفع للامام، وليس عملية انقلابية تشد الى الخلف؛
 الاصلاح لايهدم القائم، بل يكمله بطريقة اخرى؛
 الاصلاح لايدمر ماقبله، بل يضبط توجهه؛
 واستنادا على ماسبق، فان اي عملية اصلاحية لاتعكس مستوى الوعي الحقيقي لدى الاغلبيه تعتبر عملية نكوصية للوراء مها كانت شعاراتها براقة ومهما بدت اهدافها شريفة وبالتالي، فان اعطاء هامش واسع من الحريات لشعب لم يرتق بعد لمستوى تفهم تلك الحريات وكيفية تفعيلها لخدمة المجتمع والاستفادة الشخصية منها تعتبر هدما وليست اصلاحا. كما ان كل احجام من قبل الدولة عن اصلاح القوانين التي تجاوزها  وعي الاغلبيه الشعبية  يعتبر فرملة غير مشروعة لعملية التطور الطبيعي للعلاقة بين النظام والشعب مهما كانت الاسباب التي يسوقها النظام شريفة.
ومن هذا المنطلق، وبعيدا عن الشعارات المتشنجة، والاتهامات المسبقة الصنع التي يتهمون بها نظام الحكم في سوريا، استطيع ان اقول بثقة: ان الاصلاح في سوريه لم يتوقف منذ استلام حزب البعث للسلطة. وبنظرة واحدة الى وضع سوريا قبل الثامن من آذار، ومقارنته بوضع سوريا ما قبل الاحداث الاخيرة يستطيع اي انسان محايد ان يلحظ الاشواط العظيمة التي كانت قد قطعتها سوريا على سلم التطور في هذه المرحلة الزمنية القصيرة. ومن لايلحظ ذلك، فهو اما لايفهم في السياسة، او متجني على سوريا وفي كلتا الحالتين فان كلامنا غير موجه له.
 نحن اليوم بحاجة الى الاصلاح وكلنا متفقون على ذلك، ولكننا مختلفون على الاليات التي يجب اتباعها لتحقيقه والوصول بالوطن والمواطن لشط الامان.
اما هدم الوطن، ونشر النعرات الطائفية تحت شعارات الاصلاح فهو اجرام موصوف ويجب التعامل مع مؤيديهم تعاملنا مع المجرمين وتقييمها جنائيا وليس سياسيا. واذا تجاوز الاجرام حده ليحمل طابعا ممنهجا ينفذ لخدمة المصالح الاجنبية فهو الخيانة العظمى، وعقوبتها في القانون السوري هي الاعدام.

 2- المعارضة
المعارضة كمصطلح هي حالة ثورية غير منسجمة مع التيار السائد، سلاحها التحريض، وسيلتها العنف والإرهاب، وهدفها إستبدال الوضع القائم بغيره والغاية عندهم تبرر الوسيلة.
المعارض، معترض، وإعتراض الشيئ هو ايقافه، إعاقته، تعطيل سيره، منعه من الوصول الى هدفه بشتى الوسائل حتى الغير شرعية والغير أخلاقية. هكذا تصرفت كل معارضة على مر التاريخ. والقول بأن هذه المعارضة أو تلك كانت سلمية او إصلاحية كلام غير دقيق، والقائلون به يخلطون بين المعارضة والاحتجاج.
الإحتجاج: حركات شعبية عفوية تفضح سلبيات السلطة.
 سلاح المحتجين هو الحجة، وسيلتهم النصح، وهدفهم هو الإصلاح. وكل ذلك يجري تحت سقف الوطن. وعندما تتفهم السلطة مطالب المحتجين وتعترف بها، وتنتظم تلك الحركات الإحتجاجية العفوية في هيئات، أو لجان منظمة للتفاوض مع السلطة وتفعيل الأفكار الجديدة  لخدمة الوطن المشترك يتحول الإحتجاج إلى مناصحه، وهو مصطلح جديد من وحي الأحداث في سوريا.
المناصحة: احزاب، حركات، هيئات شعبية منظمة  تضم المثقفين وخاصة رجال الاعلام والحقوقيين هدفها تنبيه السلطة الى أخطائها بهدف إصلاحها.
سلاحهم الجرأة في النقد، وسيلتهم الحوار والإحتجاج، وهدفهم، حماية المواطن والوطن.
ويمكننا أن نقول بإيجاز: المعارضة وباء. والإحتجاج دواء. والمناصحة شفاء.

3- الحرية والديموقراطية
للحرية اكثر من 300 تعريف. وقبل المطالبة بالحرية علينا ان نحدد اي حرية نريد.
مايناسبنا نحن السوريون هي حرية نبتت في تربتها الطبيعية نتيجة نضوج الظروف الذاتية والموضوعية لها، والتي تحمل بصمات اصالتنا نحن، ومفهومنا نحن لهذه الحرية. لانريد حرية غريبة تفرضها علينا قوى اجنبية، حرية مصطنعة لاجذور لها في نفوسنا.
الحرية وردة، ولكل وردة تربة خاصة تنمو فيها، ومناخ خاص يمدها باكسير الحياة وتموت بغيره. واستيراد وردة تنمو في بلاد اخرى وصنع بيت زجاجي لها واستنباتها بالاسمدة المصطنعة وعرضها على الناس على انها وردة طبيعية يعتبر عملا شاذا. عدا عن ذلك، فالوردة ستموت فور خروجها من الجو المصطنع. كذلك الحرية، فمفهومها الغربي يختلف عن مفهومه السوري. ففي بلادنا هناك قيود اخلاقية واجتماعية على الحريات وهي ما تميزنا عن المجتمعات الاخرى. وتجاوز هذه القيود ليس حرية بمفهومنا بل فوضى وفلتنة.
عندهم الاباحية الجنسية حرية، وعندنا جريمة؛
عندهم شتم الرئيس حرية، وعندنا قلة ادب؛
 الايثار عندنا فضيلة، وعندهم مرض نفسي يسمونه غياب الانا الصغرى بالانا الكبرى؛
 الاخلاص عندنا هو لذاته، وعندهم للذات الفردية فقط؛
 الحب العذري عندنا فخر، وعندهم مسخرة؛
الحق عندنا هو لصاحبه، وعندهم هو للاقوى؛
الدفاع عن المظلوم عندنا واجب، وعندهم مصلحة؛
 الكذب والخداع عندنا مذمة، وعندهم سياسة.
الحرية الحقيقية هي ان يعرف المرء قيوده، ومن لم يدرك ذلك قد لايصل اليها ابدا. بمعنى آخر، يجب على الفرد منا ان يعرف ما الذي لاينبغي فعله، وكل ماعدا ذلك فهو حريته. فما الذي لاينبغي على اي منا فعله؟ وما هو المصدر الذي بامكانه ان يقيد الانسان كي لايفعل هذا الشيئ او ذاك؟ انا ارى انه العقد الوطني – الاجتماعي الذي يساوي بين كل مكونات الوطن القومية والدينية وانتماءاتهم الحزبية. ومهما اختلفت الاراء بين مكونات الوطن فهناك بندان يجب ان لايتجاوزهما اي كان وهما:
 1- هدر دماء المواطن.
 2- تخريب الوطن.
ولايقبل من اي كان اية حجة سياسية او فتوى دينية او مصلحة حزبية او منفعة فردية تبيح له خرق هذا العقد الوطني. والمصلحة الوطنية السورية فوق اي مصلحة اخرى مهما تفننوا بتسميتها. وبقية بنود العقد الوطني- الاجتماعي يجري الاتفاق عليها في لجنة نشكلها تحت اسم "لجنة الحكماء"

4-  اسقاط النظام
جاهل من يظن ان اسقاط الرئيس بشارالاسد باوامر من الخارج سيضع سوريا على سكة الدول الديموقراطية.
لسنا ممن يقدسون الاشخاص بل، من الذين يقدسون الوطن وكرامة الوطن واستقلال الوطن. شاء من شاء وابى من ابى فان بشار الاسد يعتبر اليوم الرمز الاخير للدولة السورية، والممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري فان سقط، ستسقط الدولة معه وهذا هو سر اصرار كل اعداء الوطن على اسقاطه لانه مقدمة لاسقاط الوطن.
بشار الاسد ليس مجرد مواطن سوري بل، رمز لمنصب الرئاسة في الجمهورية العربية السورية. فان سقط باوامر من الخارج فان الذي يسقط ليس بشار الاسد بشخصه بل، منصب رئاسة الجمهورية العربية السورية الذي سيتحول الى العوبة بايدي الدول الغربية لتحكم سوريا بواسطة عملائها. اما اؤلئك "المعارضون" فهم ليسوا اكثر من خونة ولصوص قبلوا على انفسهم ان يكونوا مندوبين للشركات الغربية لوصل شرايين الشعب السوري بافواههم ليمتصوا ثمرة اتعاب شعبنا ومن العبث اشراكهم باي عملية اصلاحية.
المطالبة باسقاط النظام في مجتمعات لم تتبلور فيها بعد ثقافة الحوار هو دعوة لتخريب البلد تحت شعارات براقة. الحوار أدب، وفن، وثقافة. وغياب إحدى هذه المكونات الثلاثة تحول الحوار إلى شجار.
هدف الحوار هو أن تصل الأطراف المتحاورة إلى نقاط مشتركة.  أما الشجار الذي يظنه البعض حوارا،  فهو يزيد الأحقاد، يعمق الخلاف، يؤدي للقطيعة.
 الحوار وسيلة للوصول الى قواسم مشتركة تجمع بين طرفين، واي حوار يجب ان ينطلق من الاشياء التي يمكننا الاتفاق عليها وليس العكس. فماذا نرى لدى من يسمون انفسهم بالمعارضة السورية؟ انهم يرفضون الحوار قبل رحيل النظام. انه اغبى طرح في العالم، اذا رحل النظام فمع من سيتم الحوار؟ بل على ماذا سنتحاور؟ حتى الله تعالى قبل الحوار مع ابليس وحقق رغبته واعطاه مهلة الى يوم القيامة وهو القادر على سحق ابليس والجن والشياطين بكلمة كن.
إسقاط النظام دون وجود بديل أفضل يقبل به معظم الشعب يعني أن تتحول سوريا الى ما يشبه الصومال بعد اسقاط نظام (الديكتاتور) سياد بري، أو مثل العراق بعد إسقاط نظام صدام (الديكتاتوري). او يوغوسلافيا بعد اسقاط (الديكتاتور) ميلوشفج، او ليبيا بعد اسقاط( الديكتاتور) معمر القذافي. أي، المطلوب من الشعب السوري أن يضحي بأمنه وإستقراره، وبإنجازاته الإقتصادية خلال أربعين عام في سبيل شعار مجرد قد لايستطيع الإنتفاع به.

تقييم حركات التغيير
- أي حركة تغيير في المجتمع يجب النظر اليها من خلال مايمكنها ان تقدمه  للقواعد الشعبية العريضة من منافع ماديه حاضرا ومستقبلا. لذا، فان اي حركة - مهما كانت اهدافها ساميه - تعتمد على ارهاب الناس وهدم البنى الاقتصادية القائمة ودهورة المستوى المعيشي للمواطن للوصول الى السلطه هي حركة ارهابيه يجب على جميع شرائح المجتمع التعاون  للقضاء عليها.
- أي حركة تغيير يجب ان يقودها المثقفون والمفكرون الذين يمتلكون البدائل الافضل والبرامج الانجع لمتابعة البناء والتطوير.
- أي حركة تغيير تعتمد على تثوير البسطاء لفرض نفسها على المجتمع تعتبر حركة تخريبية والتعامل مع اعضائها يجب ان يكون جنائيا وليس سياسيا.
- أي حركة تغيير لايكون المستقبل هو موضوعها تعتبر حركة رجعية نكوصية بعكس اتجاه التاريخ ويجب مقاومتها بشتى الوسائل بما في ذلك استخدام القوة المفرطة من قبل السلطات الشرعية في الوطن.

الخطوط الحمراء امام اي حركة تغيير
- رفع السلاح بوجه الوطن خط احمر. نقطه من اول السطر.
- الاستنجاد بالاجنبي لحسم الخلافات الداخلية خط احمر. نقطه،من اول السطر.
- تدمير البنى التحتية للاقتصاد خط احمر. نقطه، من اول السطر.
- التجييش الديني –الطائفي لاغتيال الوحدة الوطنيه خط احمر. نقطة، من اول السطر.
وتأسيسا على ماسبق،  فان شعار (الشعب يريد اسقاط النظام) الذي يطرحه معارضو الخارج  وباء قاتل بالنسبة لسوريا كدولة وبالنسبة للسوريين كشعب.
المعارضه الخارجية: تعتمد على العنف المسلح، واعضاؤها من البسطاء المخدوعين والمرتزقة الاجانب، وتدمر البنى الاقتصادية وتضر بمصالح المواطن، وتستعدي الدول الاخرى للاعتداء على حرمة الوطن، وتجر البلاد لاغراقها في بحر خلافات الماضي الميتافيزيقية، ليس في برنامجها ( الاصلاحي) الا بند واحد وهو اسقاط النظام دون توفير البديل الافضل.
لذا، لاتفاوض ولا حوار مع هكذا معارضه وواجب  كل الشرفاء في الوطن وخارجه محاربتها حتى لاتصل للسلطة. وعلينا دعم المعارضة الداخلية التي ولدت من رحم الوطن.

تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013