مشروع الشرق الأوسط وتداعياته على الأمن القومي العربي الدراسات والتوثيق | مشروع الشرق الأوسط وتداعياته على الأمن القومي العربي
تاريخ النشر: 26-03-2017

بقلم:
تــــمهيـــد:
أدرك الغرب منذ زمن بعيد أن الموقع الجغرافي الذي يتمتع به العالم العربي ، ووفرة إمكاناته الاقتصادية الهائلة وثرواته النفطية ووزنه الحضاري ووجود الإسلام فيه كطاقة روحية ، يشكل خطرا على مصالحه ويحد من أطماعه لذلك بذل جهودا كبيرة لتحجيم العالم العربي واحتواء أقطاره وابقاء عناصر التجزئة فيه والعمل على تفتيته وجعله هدفا مستمرا لمخططاته ومما ساعده على ذلك انهيار الاتحاد السوفيتي ، وانتهاء الحرب الباردة وتشتيت القوى العربية واحتلال العراق.
لذا يعد موضوع الأمن القومي العربي واحداً من خطر التحديات التي تواجهها دول منطقة الشرق الأوسط، في إطار المتغير الجيوـ سياسي الكبير الناتج عن الاحتلال الأنجلوـ أميركي للعراق، واتخاذه منطقةً ـ مركزاً لإعادة بناء المنطقة وعولمتها وتنظيمها خلال عشر سنوات، في شراكةٍ أمريكيةٍ ـ شرق أوسطية اقتصادية وسياسية وثقافية، تشكل في حقيقتها جزءاً من عملية إعادة بناء النظام الدولي برمته، وعولمته في نظامٍ عالميٍ جديد. فعملية العولمة لم تتوقف لكن الجديد فيها بعد تغير استراتيجية الأمن القومي الأمريكي من سياسة الاحتواء إلى سياسة الضربات الوقائية، بفعل هجمات الحادي عشر من سبتمبر الكارثية العمياء هو رفع مستوى الأولويات من المستوى الاقتصادي التشابكي والاندماجي الاقتصادي إلى المستوى السياسي وفي قلبه المستوى الأمني، وذلك بتشكيل سلطة سيادية امبراطورية عليا ما فوق قومية، تُخضِع-المارقين- و -الآبقين- بالقوة إن تطلب الأمر للمعايير العالمية الجديدة.
ربما يكمن أكبر خطأ في قراءة ذلك في أنه يمثل موقف الإدارة الجمهورية الراهنة وليس الاستراتيجية القومية الأمريكية التي تعلو فوق الإدارات، على الرغم من أن بعضها قد يخفّفها أو يعدل من تكتيكاتها هنا وهناك، وفي هذه النقطة أو تلك.
نحن اليوم أمام سؤال كبير يتحدانا، ولم يعد تجاهله أمراً ممكناً، وقد بدأت صياغة عناصر هذا السؤال منذ هزيمة عام 1967، واستمرت تتكامل حتى استقر شكلها في إثر حرب الخليج الثالثة، والحرب علي لبنان واستمرار ممارسات الاحتلال الصهيوني في قمع الفلسطينيين، باعتبار كل ذلك وغيرة يمهد المنطقة، لاستقبال نظام إقليمي جديد، اصطلح على تسميته النظام الشرق الأوسطي، ورسمت له أبعاد تجسده كتنظيم إقليمي، وفي طليعتها البعد الاقتصادي والبعد الأمني.
تختص هذه الدراسة فتبحث، بادئ ذي بدء، في نشأة وتطور مشروع الشرق الأوسط وفي البيئة التي تخلّق فيها المشروع، ثم تخوض في مفهوم البعد الأمني لمشروع النظام الشرق الأوسطي، من خلال السياق العام للمشروع الشرق الأوسطي. وتعكف الدراسة بعد ذلك على قراءة ميزان القوى في الوطن العربي في إطار البعد الأمني، لتنتهي إلى جملة من النتائج الاستخلاصات.

الفصل الأول
الشرق الأوسط

أولا: مشروع الشرق الأوسط
يخطئ من يظن أن فكرة مشروع النظام الشرق أوسطي، جديدة وأنها ترتبط بما كتبه شيمعون بيريز أو ما يسمى اليوم بالشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي يدعو إليه المسئولون في إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ، بل علي العكس إنها قديمة ، وترجع إلى بدايات القرن العشرين ، ولقد بذل الغرب ، ممثلا بصورة خاصة بالدول الثلاث : الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ، جهودا حثيثة لإشاعة مصطلح الشرق الأوسط ، وتوضيح حدوده ، ورسم مستقبله . كان النفط وإسرائيل ، العاملان الأساسيان وراء هذا الاهتمام بهذه المنطقة الحيوية من العالم.
يتفق معظم المؤرخين على أن مصطلح (الشرق الأوسط ) ظهر أول ما ظهر في كتابات المؤرخ العسكري الأميركي الفرد ثاييت ماهان ، إذ اقترح في مقال نشره في مجلة (National Review) الصادرة في لندن في أيلول 1902،إطلاق هذا المصطلح على المنطقة الواقعة بين الهند والجزيرة العربية.وسرعان ما التقط فالنتين جيرول مراسل جريدة ألتايمز اللندنية في طهران ،هذا المصطلح وبدأ يستخدمه في مقالاته التي كانت تنشرها جريدة ألتا يمز
كان مصطلح - الشرق الأدنى - ( The Near East ) يستخدم بكثرة قبل ظهور مصطلح الشرق الأوسط ، وبعد شيوع وانتشار استخدام مصطلح الشرق الأوسط بدأ مصطلح الشرق الأدنى ، الذي كان يقصد به الدولة العثمانية وممتلكاتها في آسيا يتلاشى خاصة بعد أن وجد الغربيون أن الشرق الأدنى اقل قربا مما كان يعتقد في البداية ، وخلال الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 ازداد استخدام مصطلح الشرق الأوسط من قبل العسكريين والاستراتيجيين البريطانيين ، كما تركز هذا المصطلح في وثائق التسويات الدولية التي أعقبت تلك الحرب ، وخاصة تلك التي عقدت في سيفر وسان ريمو وباريس بين سنتي 1919 – 1920 وبموجبها تم اقتسام المشرق العربي وثرواته النفطية بين بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية .
وبدون شك، فأن مصطلحي الشرق الأدنى والشرق الأوسط يعكسان وجهة نظر غربية ترى أن أوربا، هي مركز العالم، وان الأقاليم الأخرى تتجمع حوله . وكان الأوربيون يعدون على سبيل المثال ، التحدي العثماني الإسلامي لهم مسألة شرقية ، والغريب أن مصطلح الشرق الأوسط ساد في الأوساط العالمية ، فاستعمله الروس، مثلا الذين تقع منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إليهم الواقع جنوبا واستعمله الهنود الذين تقع منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إليهم غربا ، وحتى أبناء منطقة الشرق الأوسط يستعملون اليوم هذا المصطلح.
1- تحديد منطقة الشرق الأوسط :
حين أطلق الفرد ماهان المصطلح كان يقصد به المنطقة الواقعة بين الهند والجزيرة العربية . ويدخل الخليج العربي ضمن هذه المنطقة . وحسب مفهوم المعهد الملكي للشؤون الدولية الذي تأسس في لندن سنة 1919 برئاسة المؤرخ أر نولد توينبي، فان تسمية الشرق الأوسط شملت  -شرق البحر المتوسط- وبصورة خاصة منطقة الهلال الخصيب ومصر وتركيا واليونان وقبرص وإيران . وأبّان الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945 ، توسع استخدام مصطلح الشرق الأوسط ليشمل كافة المشرق العربي ومصر والسودان وتركيا وإيران وأفغانستان . وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وسع معهد الشرق الأوسط الذي تأسس في واشنطن سنة 1946 استخدام المصطلح المذكور ليشمل فضلا عن المنطقة أعلاه ، كلا من باكستان وآسيا الوسطى والأقطار العربية في شمال أفريقيا،
ومنذ ذلك التاريخ أطلق مصطلح الشرق الأوسط على تلك المنطقة من قبل وزارة الخارجية الأميركية ، وعلى العشرات من مراكز الدراسات والبحوث والأقسام العلمية المتخصصة في الجامعات الأميركية . ومع بداية إعلان تأسيس إسرائيل على الأرض العربية فلسطين في 14 أيار 1948 بدأ البعض من الكتاب والسياسيين الغربيين يروجون لهذا المصطلح رغبة منهم في تثبيت كيان إسرائيل والسعي لدمجه ضمن المنطقة وعلى هذا الأساس تعاملت أجهزة الإعلام والدوائر الغربية مع أقطار جامعة الدول العربية على أنها أقطار شرق أوسطية .
لقد أصبح معلوما إن مصطلح الشرق الأوسط هو أكثر من مصطلح جغرافي ، فهو مصطلح سياسي واقتصادي ، يضم بين جناحيه أقواما من عروق شتى عربية وتركية وفارسية ، ومن أديان شتى إسلامية ومسيحية ويهودية وتمتد حدوده لتحتوي الوطن العربي ولكن مجزأً مبتدأً بمصر دون الشمال الأفريقي ثم إسرائيل وتعانق ذراعاه أقطارا تصل إلى أفغانستان وحتى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية شمالا.
وهكذا ، فأن الشرق الأوسط، يشكل المجال الذي تلتقي فيه قارات أوربا وأفريقيا وآسيا ، ويضم البحار: المتوسط والأحمر والأسود، إلى جانب بحر العرب وبحر قزوين والخليج العربي والمحيط الهندي ، كما يتحكم بأهم المضايق في العالم، هرمز، باب المندب، قناة السويس، البوسفور، الدردنيل ، وتروى أراضيه أنهاراً مهمة كدجلة والفرات والنيل والأردن، وهو موطن الحضارات القديمة ومهد الأديان السماوية ويضم فوق ذلك كله أكبر ثروة نفطية في العالم .
إن كل تلك العوامل جعلت من منطقة الشرق الأوسط مجالا إستراتيجيا حيويا للقوى الصناعية الرأسمالية في الغرب ، لأنه يُؤّمن في السلم والحرب ، تدفق النفط والاستثمارات والمواد الأولية ، إلى جانب الممرات المائية والبحار والقواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية والمخازن الإستراتيجية التي تقوم بدور مهم في تعزيز الإمكانات اللوجستية وتوسيع القدرة للسيطرة على العالم . وهذا ما جعل الولايات المتحدة تربط أمنها القومي بأمن الشرق الأوسط الذي يمس مصالحها القومية ، ويشكل الدعامة الحيوية في سياستها الكونية الى جانب أوربا ، وكان تشكيل قوة الانتشار السريع الأميركية سنة 1980 دليلا واضحا على ذلك ، فقد حدد رونالد ريغن رئيس الولايات المتحدة في الأول من أيلول 1982 هدف هذه القوة بقوله : - علينا وضع سياسة مشتركة مع أصدقائنا وحلفائنا واستخدام القوة اذا ما اقتضت الضرورة للدفاع عن منطقة الشرق الأوسط -
وثمة محاولات غربية عديدة بذلت لدمج منطقة الشرق الأوسط ، ومن ضمنها الدول العربية في إطار إقليمي لعل من أبرزها التصريح الثلاثي في 20 أيار 1950 والذي أصدرته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ، وكان الهدف من هذا التصريح ضمان أمن إسرائيل وتهديد العرب اذا فكروا في استعادة أراضيهم بالقوة وتركيز مبدأ الحفاظ على الوضع الراهن وتقديم ضمانات أمنية واضحة لهذا الكيان لذلك نص على ضرورة الاحتفاظ بمستوى معين من القوات المسلحة ومعارضة قيام سباق تسلح بين الدول العربية وإسرائيل.
ثم جاء إنشاء حلف بغداد سنة 1955 ليكون بمثابة التطبيق العملي لواحد من مشاريع ربط المنطقة بسياسة الأحلاف الغربية الهادفة لتطويق الاتحاد السوفيتي السابق، كانت كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا قد مهدتا السبيل أمام هذا الحلف بطرحها ما كان يسمى بـ ( الجبهة الفارغة أو الحزام الشمالي ) والذي يشمل كلا من باكستان وإيران والعراق وتركيا تحت ذريعة حماية هذه الدول من أية تهديدات وأخطار سوفيتية محدقة
وأثر إخفاق العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، حاولت الولايات المتحدة ان ترث بريطانيا وفرنسا في منطقة الشرق الأوسط فخرجت في كانون الثاني 1957 بمشروع ايزنهاور الذي كان يقضي بربط المنطقة بعدد من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية بدعوى مقاومة أي عدوان شيوعي سواء من الخارج أو من الداخل. وقد أشار الرئيس الأميركي داويت أيزنهاور إلى ذلك عند تقديمه مشروعه هذا الى الكونجرس قائلاً : - لقد بلغ الشرق الأوسط مرحلة جديدة وصعبة في تاريخه الهام والطويل وأن الولايات المتحدة تؤيد بدون حدود السيادة التامة والاستقلال لكل دولة في الشرق الأوسط … لكن المنطقة تعيش غالبا في قلق بسبب الخوف والمناورات التي تساندها القوى الخارجية والتي أدت جميعها الى عدم الاستقرار في الشرق الأوسط .
2- السوق الشرق أوسطية :
وبعد نشوب الحرب العراقية الإيرانية في أيلول 1980 انتهجت الولايات المتحدة ماسمي بـ ( سياسة الإجماع الاستراتيجي ) والتي كان القصد منها احتواء البلاد العربية المناهضة للولايات المتحدة والحفاظ على المصالح الغربية في المنطقة .
وفي هذا السياق يمكن فهم العلاقة بين وجود إسرائيل في قلب المنطقة وتكريس علاقات التبعية لها ، فالشرق الأوسط بحسب تعبير مارتن اندك مستشار الأمن القومي الأسبق ، وأحد منظري السياسة الأميركية هو - في حالة توازن دقيق بين مستقبلين بديلين الأول يتمثل في سيطرة المتطرفين المرتدين عباءة الإسلام أو القومية على المنطقة . والثاني مستقبل تحقق فيه إسرائيل وجيرانها العرب مصالحة تاريخية تمهد للتعايش السلمي والتنمية الاقتصادية وذلك من أجل تأمين التدفق الحر لنفط الشرق الأوسط - . ويعد مؤتمر مدريد الذي عقد سنة 1991 بمثابة عملية انطلاق لترسيم - خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط - . وفي مؤتمر مدريد سنة 1991طرحت فكرة السوق الشرق أوسطية بمبادرة إسرائيلية وأميركية مع الجماعة الأوربية والبنك الدولي .
ويعد شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق من أشهر الداعين لهذه الفكرة . فقد ركز عليها في خطابه الذي ألقاه في المؤتمر السنوي لحزبه حزب العمل في أيلول 1991 وتحدث عن التكامل بين ثلاثة عناصر متوفرة في الشرق الأوسط وهي : وفرة موارد المياه التركية ، وسعة السوق الاستهلاكية المصرية ومقدرة التكنولوجيا الإسرائيلية وخلص الى ان اتحاد هذه العوامل الثلاثة ممولة بفوائض نفط الخليج العربي ، تستطيع ان تحقق لإسرائيل ما تريد ، ويجعلها جزءا من المشروع الاقتصادي الشرق أوسطي الجديد ، فيتعزز عندئذ أمنها ويتحقق رخاءها ، ثم عاد فوسع الفكرة من خلال كتابه - الشرق الأوسط الجديد - الذي ترجم الى اللغة العربية أكثر من مرة في عمان بالأردن .
وتشير بعض الدراسات إلى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد قدم لأول مرة من قبل ( التجمع من اجل السلام ) وهي هيئة غير حكومية تشكلت في القدس سنة 1968 ، بهدف تشجيع المبادرات الرامية لإزالة أسباب الصراع العربي – الإسرائيلي وتضم الهيئة كتابا ومفكرين ومثقفين وصحفيين . ويقول بيريز أنه طرح المشروع سنة 1985 وسماه بمشروع مارشال الشرق الأوسط وأن الدكتور مصطفى خليل رئيس الحزب الوطني الديمقراطي في مصر آنذاك شارك في وضع تفاصيل هذا المشروع . وترافقت الدعوة الى إنشاء النظام الاقتصادي الشرق أوسطي مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، والتي نجم عنها اتفاق غزة – أريحا .
ولئن كانت فكرة النظام الشرق أوسطي الجديد وفق مفهوم مستشار الأمن القومي الأمريكي ( مارتن أندك ) تعني إعادة هيكلة هذه المنطقة على بنى جديدة أو مفهوم ( بيريز ) الذي يقصد به إقامة - نظام التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية يرتكز على اعتبارات التقارب الجغرافي والتعاون المشترك على مختلف الأصعدة - فأنها تهدف في الوقت نفسه الى مواجهة مشروع العرب الحضاري المستقل ، وإضعاف المرتكزات السياسية والاجتماعية والثقافية للنظام العربي ، وذلك من خلال إلغاء المقاطعة لإسرائيل وتدعيم قدراتها السياسية والعسكرية وفتح الأبواب أمام نموذج الغرب الرأسمالي بأفكاره وقيمه وإعادة ترتيب التوازنات الإقليمية في المنطقة وبما يضمن دمج إسرائيل فيها وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وإقامة علاقات عربية- إسرائيلية في إطار مشروعات شرق أوسطية مشتركة .
هذا فضلا عن أن هذا النظام يعطي دورا لتركيا الجارة الشمالية للعرب منسجما مع النظام العالمي الجديد المرتبط الى حد كبير بالإستراتيجية الأميركية ومحكوم كذلك بمدى تدعيم تركيا لعلاقاتها مع إسرائيل وخاصة على الأصعدة الأمنية والعسكرية والاقتصادية .
ان مشروع النظام الشرق أوسطي إذن يرتكز على أسس سياسية واقتصادية ، ولا يشترط توفر هوية ثقافية وحضارية متماثلة لأنه يضم قوميات وأجناس وأديان شتى . ومن هنا فأن ثمة تناقض واضح بين المفهومين العربي والغربي لهوية هذه المنطقة المهمة من العالم وجوهر هذا التمييز هو التركيز العربي على التاريخ والثقافة والقول بوجود أمة عربية ذات مشروع حضاري سياسي متكامل ، بينما يركز الغرب على الجغرافية والاقتصاد والاعتبارات الإستراتيجية للتأكيد على وجود شرق أوسط جديد كبير يختلط فيه العرب مع الكورد والأتراك والإيرانيين والفرس والإسرائيليين والهنود والباكستانيين والأفغان وغيرهم من الشعوب والقاسم المشترك للجميع هو تبني الديمقراطية والحرية والابتعاد عن العنف والاندماج بالاقتصاد العالمي ( اقتصاد السوق ) والسعي باتجاه الإصلاح السياسي والتعليمي والاجتماعي وهي ذات الأسس التي يرتكز عليها المشروع الأمريكي الجديد المعروف بالشرق الأوسط الكبير .

ثانيا: الشرق الأوسط الكبير:
ظهر المصطلح في عهد إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش حيث يشير تقرير اللجنة الأمريكية للأمن القومي في القرن الواحد والعشرين والذي وضع في شباط 2001 بعنوان- البيئة الأمنية الكونية الجديدة في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين -، وقد تضمن التقرير عدداً من الدراسات والأبحاث عن المناطق المختلفة في العالم ومن بينها وثيقة (( الشرق الأوسط الكبير )).
فالتقرير يُعّرف منطقة الشرق الأوسط الكبير بأنها: تلك المنطقة التي تضم كلاً من العالم العربي ، إسرائيل ، تركيا ، آسيا الوسطى ، القوقاز ، ومنطقة شبه القارة الهندية، وتمثل هذه المنطقة ، كما جاء في التقرير اكبر مستودع للطاقة في العالم، كما أنها ساحة نزاع بين عدة قوى طموحة تسعى لفرض الهيمنة على المنطقة، (( وللولايات المتحدة حلفاء فاعلين في هذه المنطقة ، كما أن لها مصالح ذات أهمية ، إلى جانب ذلك فأن المنطقة تشهد تطوراً واسع النطاق لأسلحة الدمار الشامل، ولم يكن من قبيل الصدفة ، أن شهدت هذه المنطقة حرباً كبيرة للولايات المتحدة وذلك في سنة 1991 . كما أنها المنطقة الوحيدة بالعالم التي تتجه الولايات المتحدة إليها لتوسيع نطاق انتشارها العسكري وذلك منذ نهاية الحرب الباردة.
وأكد واضعو التقرير أن منطقة الشرق الأوسط الكبير، منطقة شديدة الأهمية مصدر متاعب في الوقت نفسه، خاصة وأن ،نظم الحكم في المنطقة ، باستثناء كل من إسرائيل والهند وتركيا ، هي نظم استبدادية ، وتفتقر المنطقة إلي نظم ديمقراطية مؤسسية، بالإضافة إلى ذلك فأن هذه المنطقة تعد موطناً للاتجاهات الإسلامية المتطرفة سياسياً ، والتي إن لم تكن تشكل مصدراً للتهديد لمجتمعاتها وجيرانها فهي على الأقل مصدر مهم للقلق وعدم الاستقرار.
وفي العاشر من تموز سنة 2002 قدّمت مؤسسة ( راند) للدراسات تقريراً وضعه ( لوران مورافيتش ) المحلل الاستراتيجي فيها ، إلى هيئة السياسة الدفاعية في وزارة الدفاع الأمريكية . ويتكون التقرير من أربع وعشرين نقطة ، خصصت لدراسة الوضع في المنطقة العربية ، ويخلص التقرير إلى اقتراح ما يصفه بأنه الإستراتيجية الكبرى للشرق الأوسط . يقول التقرير بالحرف ما يلي: العراق هو المحور التكتيكي، السعودية هي المحور الاستراتيجي، مصر هي الجائزة .
ولا يقول كيف ، ولا بأية طريقة ولا متى ، إلا أنه يرسم صورة للأوضاع في العالم العربي تدل بما لا يدع مجالاً للشك على أن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة على إجراء تغييرات جوهرية في هذه البلدان ويظهر التقرير صعوبة إجراء التغييرات ويقدم - صورة قاتمة جداً بل هي موصدة الأبواب - على أي نوع من التغيير لا الآن ولا في المستقبل إذا لم تتول الولايات المتحدة الأمريكية بنفسها ، ومن خلال أساليب وطرق مختلفة ، مسؤولية العمل على أحداث هذا التغيير ، ويضم التقرير تحت عنوان (( ماذا أنتج العالم العربي ؟!.. )) مجموعة من النقاط أبرزها :أن المشكلات الديموغرافية والاقتصادية باتت مستعصية بسبب الفشل في تأسيس سياسات تضع الازدهار والرخاء هدفاً لها ، و الدول العربية كلها هي إما دول فاشلة أو دول مهددة بالفشل، و إن التوترات بين العالم العربي والعالم الحديث بلغت ذروتها، وأزمة العالم العربي ، نتيجة ذلك كله ، تتعرض للتصدير الى بقية العالم، ومن الملاحظ بان التقرير يتجاهل حقائق الأوضاع في العالم العربي، وأبرزها أن وجود إسرائيل واحتلالها الأراضي العربية هو من أبرز أسباب العنف في هذه المنطقة.
في كانون الثاني عام 2003 وقف كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أمام مؤسسة التراث ( هيرتيج فاونديشن ) ليعلن أن الولايات المتحدة تعمل من أجل إقرار إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية في الشرق الأوسط . وقد أطلق مع هذا الإعلان ما أسماه- مبادرة الشراكة الأمريكية مع الشرق الأوسط - وتتضمن المبادرة إعلان قيام الولايات المتحدة بالمساعدة على إقرار إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية في بلدان الشرق الأوسط . لذلك طالب باول بضرورة إتاحة الفرصة أمام بعض القوى الاجتماعية المدنية للمشاركة في الحياة العامة، وركز على المرأة، ولم يغفل الإشارة الى ما يمكن أن تقوم به منظمات المجتمع المدني، في مجال صنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وقال أن واشنطن تسعى الى دعم برامج تربوية موجهة الى النساء لتعزيز دورهن في المجتمع .
اعتمد كولن باول، في مبادرته، على إحصاءات كانت قد وردت في تقرير للأمم المتحدة صدر سنة 2002 حول التنمية البشرية في الشرق الأوسط، فالعالم العربي مثلا يترجم سنويا حوالي (330) كتابا أجنبيا أي ما يعادل خمس ما تترجمه دولة مثل اليونان. وهناك حوالي 50 مليون عربي سوف يدخلون سوق العمل في العقد القادم، وعشرة ملايين طفل في سن دخول المدارس لا تتوفر لهم هذه المدارس، وهناك 65 مليونا لا يحسنون القراءة والكتابة، لذلك دعا باول العرب إلى أن يندمجوا بمنظومة التجارة العالمية، خاصة وان حصة الدول العربية من الصادرات العالمية، إذا ما استثنينا النفط، لا تمثل حاليا سوى واحد بالمائة. وقد وعد باول بتخصيص مبلغ 29 مليون دولار لما أسماه دعم انضمام الدول العربية الى منظمة التجارة العالمية، في شهر أيلول عام 2002، أعلنت (كوند ليزا رايس) مستشارة الأمن القومي الأميركي، بأن الولايات المتحدة تريد- تحرير العالم الإسلامي، ونشر الأسلوب الديمقراطي في ربوعه أولا. وثانياً تريد تغيير الأنظمة السياسية العربية- .
من هنا بدأ الحديث في أميركا، وفي ضوء تداعيات أحداث 11 من أيلول 2001 والمتمثلة بسلسلة الهجمات التي تعرضت لها مراكز القرار السياسي والاقتصادي والأمني الأميركي، يتجه نحو مطالبة الدول العربية والإسلامية بتغيير وتعديل المناهج الدراسية بحيث لا تتعارض مع -القيم والمفاهيم التي تنطوي عليها الثقافة الأميركية والغربية))!!. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل دعا المسئولون الأمير كان إلى إلغاء المدارس الدينية كونها تشكل من وجهة النظر الأميركية الرسمية ،معامل لتفريخ العناصر المعادية للحضارة الغربية.
في السابع من آب 2003 عادت كونداليزا رايس مرة أخرى لتتحدث عن المشروع الأمريكي الخاص بالتغيير في الشرق الأوسط وذلك عبر مقال لها في صحيفة واشنطن بوست بعنوان ((تأملات في التحول المنتظر بالشرق الأوسط )) جاء فيه بأن الولايات المتحدة سبق لها أن تعهدت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقليل ، بتحويل أوربا في المدى البعيد وقد التزمت بذلك مع الأوربيين بالديمقراطية والازدهار وما تمكنا من تحقيقهما اليوم يتعين على الولايات المتحدة وأصدقائنا وحلفائنا العمل من أجل تحقيق تحول في المدى البعيد في جزء آخر من العالم وهو الشرق الأوسط. وتضيف رايس الى ذلك قولها أن مهمة الولايات المتحدة الجديدة هي العمل مع قادة الشرق الأوسط الساعين للتقدم باتجاه ديمقراطية أكبر وتسامح وازدهار وحرية .
وتربط رايس بين حرب العراق الأخيرة وظهور فرص جديدة لما تسميه، فرصة خاصة للتقدم من أجل بلوغ أجنده إيجابية بالنسبة للشرق الأوسط قادرة على تعزيز الأمن في المنطقة وفي كل العالم، وتقول لقد بدأنا نشهد التزاما جديداً من أجل تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين - وأضافت أن الحل يكمن في نشوء دولتين:إسرائيل وفلسطين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن.
وفيما يتعلق بالعراق تقول أنه بالطريقة ذاتها التي حولت ألمانيا الديمقراطية الى عنصر أساسي في أوربا يمكن لعراق متحول أن يتحول الى محور مهم في شرق أوسط مختلف.
وتعترف رايس بأن مسيرة تحول الشرق الأوسط لن تكون سهلة، وستأخذ وقتاً من جانب الولايات المتحدة وأوربا وأعادت رايس الى الأذهان المبادرة الأمريكية بشأن الشرق الأوسط وقالت أن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش أطلق مبادرة خاصة بالشرق الأوسط تهدف الى أن نتحد في عملية بناء مستقبل أفضل عن طريق مشروعات ملموسة ، وبالإضافة الى ذلك أقترح إيجاد منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط خلال عقد من الزمن كي تشكل شعوب المنطقة دائرة أوسع للفرص ،وتختتم رايس مقالها بالقول أن الشرق الأوسط ، بالرغم من كل مشكلاته ، يمثل منطقة فيها الكثير من القوى الكامنة ، اذ أنه ملئ بأناس موهوبين بإمكانهم ، عندما يتمتعون بحرية سياسية واقتصادية أكبر ، وتعليم أفضل وأكثر حداثة ، التمتع بتقدم عصرنا من أوسع أبوابه ، والولايات المتحدة عاقدة العزم على مساعدة الشرق الأوسط عن طريق تطوير قواه الكامنة بكل طاقاتها ، وهذا ما سنفعله لأننا نريد حرية أكبر وفرصاً أفضل لشعوب المنطقة وكذلك أمناً للناس في الولايات المتحدة والعالم قاطبة .
ووفقاً لتصريحات كبار المسئولين الأمريكيين ، فأن إدارة الرئيس الأمريكي بوش دعت في حزيران 2004 الحكومات العربية وحكومات دول جنوب آسيا لتبني إصلاحات سياسية كبرى ومنها إقامة نظم للمحاسبة فيما يتصل بانتهاكات حقوق الإنسان وبالذات ما يتصل منها بحقوق المرأة وكذلك العمل على طرح بعض الإصلاحات الاقتصادية، وفي الوقت نفسه سيتم توجيه الحوافز للدول التي تختار التعاون ، وستعرض الدول الغربية توسيع فرص الارتباط السياسي ، وتوسيع فرص المساعدات ، وكذلك تسهيل شروط الاشتراك في عضوية منظمة التجارة العالمية ، وتجميد بعض الإجراءات الأمنية تجاه رعايا الدول العربية والإسلامية وإمكانية توفير شكل للشراكة في صنع السلام تماماً كما حدث مع دول الكتلة الشرقية السابقة . وما يزال الرئيس الأمريكي بوش وعدد من المسئولين الأمريكيين مستمرين في الحديث عن مشروعهم .
ففي 6 تشرين الثاني 2003 ألقى الرئيس الأمريكي بوش أمام الصندوق القومي للديمقراطية كلمة قال فيها: أن إنشاء منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط خلال عشر سنوات كافية لإدخال شعوب المنطقة في دائرة متسلسلة من الفرص وأضاف : إن العالم يعيش عصراً من الحرية، وأن الولايات المتحدة تنوي الالتزام بتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط على نحو مماثل لموقفها في أوربا وآسيا، ووجه الرئيس الأميركي تحذيرا لسوريا وإيران. وقال أن قادة سوريا تركوا إرثا من القمع والتعذيب والبؤس والخراب. ودعا الحكومة الإيرانية إلى أن تستجيب لمطالبة الشعب الإيراني بالأخذ بمبادئ الديمقراطية، وإلا ستفقد آخر محاولات التمسك بالشرعية، وأعرب عن اعتقاده بأن مبادئ الاسلام تتوافق مع المبادئ الديمقراطية وإزاء ما يجري في بلدان الشرق الأوسط لا علاقة له بالدين الإسلامي، والأمر لا يعدو أن يكون تخلفا سياسيا واقتصاديا. وقال ((أن نقص الحرية في الكثير من دول الشرق الأوسط يؤدي الى آثار سلبية خطيرة على شعوب المنطقة، من بينها الفقر وحرمان النساء من حقوقهن الأساسية )) .
ووصف بوش سياسة الولايات المتحدة السابقة تجاه حكام سوريا وإيران وحتى مصر بأنها فاشلة وتساءل: هل الشعوب في الشرق الأوسط بعيدة إلى حد ما عن الوصول إلى الحرية أنا بالنسبة لي كشخص لا أعتقد ذلك)). وقال ان السياسة الأمريكية التي امتدت نحو ستين عاماً في تأييد حكومات لا تلتزم بالحرية السياسية لم تكن موفقة وأن واشنطن قد تبنت ((إستراتيجية مستقبلية جديدة للحرية في الشرق الأوسط)) .
في الوثيقة التي أعدها - مجلس السياسات الدفاعية- في وزارة الدفاع الأمريكية بإشراف ريتشارد بيرل أيلول 2002 ، مسألة لا يمكن تجاهلها وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية بعد احتلال العراق مصممة على صنع شرق أوسط جديد وكما جاء في هذه الوثيقة: لن يبقى من النظام الإقليمي العربي إلا الذكريات وأرشيف الملفات الخاصة التي سيتم حفظها في مكتبة الكونغرس للمطالعة !! فما الذي سيفعله العرب إزاء ذلك ؟! .
مع انطلاق وكيل وزير الخارجية الأمريكية المكلف بالشؤون السياسية ( مارك غر وسمان ) في جولة هدفها شرح مشروع الشرق الأوسط الكبير والتي بدأت في أواخر شباط 2004 ، صرّح السيد أحمد ماهر وزير خارجية مصر عقب اجتماع تحضيري لقمة شرم الشيخ العربية ، قائلاً : لن ننتظر أحد كي يدلنا على الإصلاح ومضمونه … نحن نرحب بأن يتعاون معنا من يريد أن يتعاون في الإصلاحات، لكنه شّدد على أن الدول العربية، تقوم بالإصلاحات اقتناعاً بأهميتها ، واستجابة لمتطلباتها الداخلية، وانطلاقاً من ثقافتها ودينها وتراثها.
في آذار 2004) انعقد اجتماع مجلس وزارة خارجية الدول العربية حيث ناقش ورقة قدمتها كل من مصر والسعودية وسوريا، تشير على أن الإصلاح ينبغي أن يبدأ من الداخل وأن ثمة خطوات إصلاحية قد بدأت في بعض البلدان العربية لكنها متفاوتة من حيث الوسائل والغايات . ومما قاله وزير الخارجية المصري يتضح بأن إدخال إسرائيل وأفغانستان في مشروع إصلاح الشرق الأوسط ليس صحيحاً ، فلمسألة ليست تجميع متناقضات .
و عّلق السيد عمرو موسى على ما أجمع عليه وزراء خارجية الدول العربية في اجتماعهم الأخير واتفاقهم على تحويل المبادرة المصرية السعودية السورية الى مبادرة عربية وقانون يعرض على مؤتمر القمة العربي الذي سيعقد بتونس بين 29و30 آذار 2004 قائلاً : (( إن المبادرة أكدت عزم العرب على استمرار إيجاد حل لمسألتين مهمتين هما الصراع العربي الإسرائيلي وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل)).
إن مشروع الشرق الأوسط الكبير أصبح اليوم عرضة للتحليل ليس من قبل السياسيين في الشرق الأوسط وخارجه بل ومن قبل المفكرين والمحللين والاستراتيجيين ، فهذا جون الترمان الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية بواشنطن يعرب عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تفرض مبادرتها الإصلاحية على أحد لكنها ترى بأن الشرق الأوسط بحاجة جديدة الى التغيير ولا بأس من أن تدعم خطة عربية للإصلاح فالجميع يرغبون في رؤية شرق أوسط يتمتع بالديمقراطية . فالرئيس اليمني علي عبد الله صالح يقول : (( لابد أن نحلق رؤوسنا قبل أن يحلقها الآخرون)).
أما الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز إبن خلدون للتنمية في مصر فيؤكد على الإصلاح والتغيير ويردد عبارة بيدنا لا بيد عمرو أي لا بد أن نبدأ بالإصلاح قبل أن يجبرنا الآخرون على القيام به . ويستنكر محمود أمين العالم المفكر المصري المعروف المبادرة الأمريكية ويرى أن، على الأمريكان أن يعملوا من أجل حل المشاكل وفي مقدمة تلك المشاكل ( القضية الفلسطينية ) و ( القضية العراقية ) ودعا الى أن يأخذ العرب زمام المبادرة في عملية الإصلاح والتغيير .
ويبدو أن الولايات المتحدة لم تعد تنتظر كثيراً فلقد بدأت مجموعة من الخطوات الإجرائية ومن ذلك أن الإدارة الأمريكية أسندت مسؤولية مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط الى ليز تشيني نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وبموجب هذه المبادرة تم تخصيص نحو 200 مليون دولار للعام 2003-2004 وذلك لعقد مجموعة من الندوات والاجتماعات وورش العمل في الولايات المتحدة والبحرين والأردن حول الإصلاحات القضائية وحقوق الإنسان والمرأة .
ولقد دعي النقاد ذوي الاتجاهات اليمينية والمحافظة الأمريكي في أعقاب إسقاط النظام العراقي، إلى تبني سياسة تغيير الأنظمة في كل من سوريا وإيران والسعودية والضغط على مصر ، فيما شكك خبراء أمريكيون في شؤون الديمقراطية بنجاح خطط بوش وقال ( توماس كاروترز) الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام في دراسة نشرها مؤخراً (( أن أنظمة الحكم في الشرق الأوسط قد تقبل بإصلاحات محدودة كوسيلة للحفاظ على قبضتها على السلطة وليس من أجل الديموقراطية )) .
وبالرغم من عدم ظهور نسخة رسمية من مشروع الشرق الأوسط الكبير،لكن جريدة الحياة ( اللندنية ) الصادرة باللغة العربية نشرت ما أطلقت عليه - نص مشروع الشرق الأوسط الكبير- ، وقالت بأن هذا النص يمكن ان يقدم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في قمة الدول الثمان الصناعية الذي سينعقد في سي آيلا ند بالولايات المتحدة في حزيران 2004 . ولقد جاء في النص ما يشير إلى أن الشرق الأوسط الكبير يمثل تحدياً وفرصة فريدة للمجتمع الدولي ، فالمنطقة تعاني من ( نواقص ثلاثة حددها الكّتاب العرب بأنفسهم في تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية للسنتين 2002و 2003 )). والنواقص هي : ( الحرية ) و ( المعرفة ) و ( تمكين النساء ) والنواقص هذه تخلق الظروف التي تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الدول الصناعية الثمان وطالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة ، سنشهد زيادة في التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة.
ويصف المشروع صورة الشرق الأوسط الكبير ، بوضعه الحالي حيث استند إلي تقارير التنمية البشرية للعالم العربي ، ويقول أنها مُرّوعة، وتضح القتامة بالظواهر التالية : أن مجموع إجمالي الدخل المحلي لبلدان جامعة الدول العربية أل (22) هو أقل من نظيره في إسبانيا،حوالي 40 % من العرب البالغين 65 مليون شخص ، أميون ،وتشكل النساء ثلثي هذا العدد ،سيدخل أكثر من 50 مليون من الشباب ، سوق العمل بحلول 2010 ، وسيدخلها 100 مليون بحلول 2020 ، وهناك حاجة لخلق ما لا يقل عن 6 ملايين وظيفة جديدة لامتصاص هؤلاء الوافدين الجدد الى سوق العمل ، إذا استمرت المعدلات الحالية للبطالة ، سيبلغ مجموع العاطلين عن العمل في المنطقة 25 مليوناً بحلول 2010 .
يعيش ثلث المنطقة على أقل من دولارين في اليوم ، ولتحسين مستويات المعيشة يجب أن يزداد النمو الاقتصادي في المنطقة أكثر من الضعف من مستواه الحالي الذي هو دون 3 % الى 6% على الأقل .
في إمكان 6,1 % فقط من السكان استخدام ( الانترنيت ) ، وهو رقم أقل مما هو عليه في أي منطقة أخرى في العالم ، بما في ذلك بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى،لا تشغل النساء سوى 5,3 % فقط من المقاعد البرلمانية في البلدان العربية ، بالمقارنة ، على سبيل المثال ، مع 4,8 % في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، عّبر 51 % في أفريقيا من الشبان العرب الأكبر سناً عن رغبتهم في الهجرة الى بلدان أخرى وفقاً لتقرير التنمية البشرية للعام 2002 والهدف المفضل لديهم هو البلدان الأوربية .
ذكر المشروع أن تلك الإحصائيات ، تعكس حقيقة مهمة وهي أن المنطقة تقف عند مفترق طرق ، ويمكن للشرق الأوسط الكبير أن يستمر على المسار ذاته ، ليضيف كل عام المزيد من الشباب المفتقرين الى مستويات لائقة من العمل والتعليم ، والمحرومين من حقوقهم السياسية ، ويمثل ذلك تهديداً ليس لاستقرار المنطقة وحسب وإنما للمصالح المشتركة لأعضاء مجموعة الدول الصناعية الثمان .
ويطرح المشروع البديل : أن الإصلاح هو الطريق الوحيد لمعالجة المشاكل الاقتصادية والتربوية والسياسية . ويربط المشروع بين مبادرتي ( الشراكة الأوربية المتوسطية ) و( مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط ) من جهة ، و ما يسميه بـ ( جهود إعادة الاعمار المتعددة الأطراف في العراق وأفغانستان ، ويقول أن ما يجري في العراق وأفغانستان يعد لمجموعة الثمانية فرصة تاريخية ينبغي أن تصوغ في قمتها شراكة بعيدة المدى مع قادة الإصلاح في الشرق الأوسط الكبير ، خاصة وأن هذا المشروع يحظى بدعم وتأييد نشطاء وأكاديميون ورجال أعمال وممثلي القطاع الخاص في أرجاء المنطقة .
ويشير المشروع الى أن مجموعة الدول الصناعية الثمانية ، تستطيع أن تتفق على أولويات مشتركة للإصلاح بحيث تعالج النواقص التي حددها تقريرا الأمم المتحدة حول التنمية البشرية عبر:تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح ، بناء مجتمع معرفي، توسيع الفرص الاقتصادية.
ويذهب المشروع بعيداً في تفاصيل كل من البنود الثلاث ، فيرى بأن الديمقراطية والحكم الصالح يشكلان الإطار الذي تتحقق داخله التنمية ، فالديمقراطية والحرية ضروريتان لازدهار المبادرة الفردية ، لكنهما مفقودتان الى حد بعيد في أرجاء الشرق الأوسط الكبير . ويحرض المشروع الدول الصناعية لكي تتبنى الفكرة وتبدي تأييداً واضحاً للإصلاح الديمقراطي في المنطقة وذلك من خلال ما يأتي:
• التزام مبادرة الانتخابات الحرة ، سواء في مجال الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو البلدية مع البلدان التي تظهر استعدادا جدياً لإجراء انتخابات حرة ومنصفة ويمكن للمجموعة أن تقدم مساعدات تقنية لمرحلة ما قبل الانتخابات وأن تشجع على الزيارات المتبادلة والتدريب على الصعيد البرلماني وإنشاء معاهد للتدريب على القيادة خاصة بالنساء المهتمات بالمشاركة في التنافس الانتخابي على مواقع في الحكم أو إنشاء منظمات المجتمع المدني غير الحكومية هذا فضلاً عن تشجيع الإصلاح القانوني والقضائي .
• ويُلفت المشروع الانتباه إلي ضعف وسائل الإعلام المستقلة في الشرق الأوسط وفي العالم العربي ويقول أن هناك أقل من 53 صحيفة لكل 1000 مواطن عربي ، بالمقارنة مع 285 صحيفة لكل ألف شخص في البلدان المتطورة . وكما أن الصحف العربية التي يتم تداولها تميل الى أن تكون ذات نوعية رديئة ، ومعظم برامج التلفزيون في المنطقة والذي تعود ملكيته إلى الدولة ، تقليدية وغير مشوقة وضعيفة إذ تفتقر إلي التقارير ذات الطابع التحليلي الذي يقدم المعلومة الصحيحة . وقد أدى ذلك إلى غياب اهتمام الناس وقلة تفاعلهم مع وسائل إعلامهم سواء المطبوعة أو المسموعة أو المرئية . ويدعو المشروع إلى ضرورة رعاية زيارات متبادلة للصحافيين ووضع مناهج وتأسيس معاهد لتدريبهم وتقديم زمالات دراسية للطلبة كي يداوموا في مدارس للصحافة في المنطقة أو خارجها وتنظيم ندوات تدريب بشأن قضايا مثل تغطية الانتخابات أو ما شاكل ذلك .
وأخيراً نحن مع الذين يرون بأن الإصلاحات لابد آتية ومن الطبيعي أنها ستحاول إصلاح ما أفسدته أنظمة الحكم العربية طيلة النصف قرن الماضية، ويقيناً أننا مع الذين يذهبون إلى أن الإصلاح والتغيير ينبغي أن يكون من الداخل وأن العرب يعانون من نواقص كثيرة على صعيد التنمية والحرية وحقوق الإنسان والمرأة ، كل هذه النواقص جاءت نتيجة ظروف داخلية وخارجية يتعلق بعضها بطبيعة البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية الضعيفة ، لكن البعض الآخر هو بسبب ما يواجهه العرب من تحديات وأبرزها إهمال إسرائيل والمجتمع الدولي كله لحقوق الشعب الفلسطيني وخاصة في مجال تقرير مصيره وإقامة دولته الحرة المستقلة .. وبدون حل هذه القضية فأننا نشك بقدرة العرب على التفاعل إيجابياً مع المتغيرات الدولية الجديدة .

الفصل الثاني
تداعيات مشروع الشرق الأوسط علي الأمن القومي العربي

أولا:- الأمن القومي العربي
1- مفهوم الأمن :- على الرغم من الأهمية القصوى لمفهوم -الأمن- وشيوع استخدامه، فإنه مفهوم حديث في العلوم السياسية، وقد أدى ذلك إلى اتسامه بالغموض مما أثار عدة مشاكل، ويعود استخدام مصطلح -الأمن- إلى نهاية الحرب العالمية الثانية؛ حيث ظهر تيار من الأدبيات يبحث في كيفية تحقيق الأمن وتلافي الحرب، وكان من نتائجه بروز نظريات الردع والتوازن، ثم أنشئ مجلس الأمن القومي الأمريكي عام 1974م، ومنذ ذلك التاريخ انتشر استخدام مفهوم -الأمن- بمستوياته المختلفة طبقًا لطبيعة الظروف المحلية والإقليمية والدولية.
على الرغم من حداثة الدراسات في موضوع -الأمن- فإن مفاهيم -الأمن- قد أصبحت محددة وواضحة في فكر وعقل القيادات السياسية والفكرية في الكثير من الدول.. وقد شاعت مفاهيم بعينها في إطاره لعل أبرزها -الأمن القومي الأمريكي- و-الأمن الأوروبي- و-الأمن الإسرائيلي- و-الأمن القومي السوفييتي- قبل تفككه.-فالأمن- من وجهة نظر دائرة المعارف البريطانية يعني -حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية-.ومن وجهة نظر هنري كسينجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق يعني أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء، وللدكتور على الدين هلال تعريف يري فيه ان -الأمن القومي يعني تأمين كيان الدولة ضد الأخطار التي تتهددها داخلياً وخارجياً وتأمين مصالحها، وتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق أهدافها وغاياتها القومية-.
ويعني الأمن القومي : -القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتَّي المجالات في مواجهة المصادر التي تتهدَّدُها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمَّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تخطيطاً للأهداف المخططة-.
من هنا فإن شمولية الأمن تعني أن له أبعادًا متعددة..أولها: البُعْد السياسي.. ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة.ثانيًا: البُعْد الاقتصادي.. الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.ثالثًا: البُعد الاجتماعي.. الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.رابعًا: البُعْد المعنوي أو الأيديولوجي.. الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم.خامسًا: البُعْد البيئي.. الذي يوفِّر التأمين ضد أخطار البيئة خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظاً على الأمن.
هذا ويتم صياغة الأمن على ضوء أربع ركائز أساسية:
أولاً: إدراك التهديدات سواء الخارجية منها أو الداخلية..
ثانيًا: رسم إستراتيجية لتنمية قوى الدولة والحاجة إلى الانطلاق المؤمَّن لها
ثالثًا: توفير القدرة على مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية ببناء القوة المسلحة وقوة الشرطة القادرة على التصدي والمواجهة لهذه التهديدات..
رابعًا: إعداد سيناريوهات واتخاذ إجراءات لمواجهة التهديدات التي تتناسب معها.. وتتصاعد تدريجيًّا مع تصاعد التهديد سواء خارجيًّا أو داخليًّا.
وللأمن أربعة مستويات:
أولاً: أمن الفرد ضد أية أخطار تهدد حياته أو ممتلكاته أو أسرته.
ثانيًا: أمن الوطن ضد أية أخطار خارجية أو داخلية للدولة وهو ما يُعبَّر عنه -بالأمن الوطني-.
ثالثًا: الأمن القُطري أو الجماعي،: ويعني اتفاق عدة دول في إطار إقليم واحد على التخطيط لمواجهة التهديدات التي تواجهها داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما يعبر عنه -بالأمن القومي-
رابعًا: الأمن الدولي.. وهو الذي تتولاه المنظمات الدولية سواء منها الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي و دورهما في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

المفهوم في النظام العربي:
بدأ الفكر السياسي العربي في الاهتمام بصياغة محددة ومفهوم متعارف عليه في منتصف السبعينيات، وتعددت اجتهادات المفكرين العرب من خلال الأبحاث والدراسات والمؤلفات سواء في المعاهد العلمية المتخصصة، أو في مراكز الدراسات السياسية، والتي تحاول تعريف ذلك الأمن، ولعل من المهم أن نشير إلى أن ميثاق جامعة الدول العربية، والذي وضع عام 1944م، وأنشئت الجامعة على أساسه في مارس عام 1945م، لم يذكر مصطلح -الأمن-، وإن كان قد تحدث في المادة السادسة منه عن مسألة -الضمان الجماعي- ضد أي عدوان يقع على أية دولة عضو في الجامعة، سواء من دولة خارجية أو دولة أخرى عضوة بها.
كما أن معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والموقعة عام 1950م، قد أشارت إلى التعاون في مجال الدفاع، ولكنها لم تشر إلى -الأمن-، ونصَّت المادة الثانية منها على ما أطلق عليه -الضمان الجماعي-، والذي حثَّ الدول الأعضاء على ضرورة توحيد الخطط والمساعي المشتركة في حالة الخطر الداهم كالحرب مثلاً، وشكَّلت لذلك مجلس الدفاع العربي المشترك، والذي يتكون من وزراء الدفاع والخارجية العرب.كما أُنشئت اللجنة العسكرية الدائمة، والتي تتكون من رؤساء أركان الجيوش العربية، هذا ولم تبدأ الجامعة العربية في مناقشة موضوع -الأمن القومي العربي- إلا في دورة سبتمبر 1992م، واتخذت بشأنه قرار تكليف الأمانة العامة بإعداد دراسة شاملة عن الأمن القومي العربي خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر تعرض بعدها على مجلس الجامعة.وقد تم إعداد ورقة عمل حول مفهوم الأمن -القومي العربي-؛ لمناقشتها في مجلس الجامعة العربية، وحددت الورقة ذلك المفهوم بأنه..-.. قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها على أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانيات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة في الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، و الإمكانات المتاحة، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، والتي تؤثر على الأمن القومي العربي.-هذا ولم تعرض الدراسة الشاملة عن الأمن القومي العربي على مجلس الجامعة، كما أن العديد من المفكرين عبَّروا عن قصور المفهوم الذي توصلت إليه اللجنة؛ حيث اتسم المفهوم بالغموض من جانب، والخلط بين التعريف والإجراءات من جانب آخر؛ ولهذا فإن الورقة أفاضت بعد ذلك في تحديد إستراتيجيات العمل الوطني في كافة المجالات، ولم تحدد اختصاصات تنفيذ ومتابعة أيٍّ منها .في النهاية يمكن القول: إن الفكر السياسي العربي لم ينتهِ بعد إلى صياغة محددة لمفهوم -الأمن القومي العربي- يواكب تحولات المناخ الإقليمي والدولي و توازناته وانعكاسها على تصور وأبعاد هذا الأمن، وإن هذا الموضوع ما زال مطروحاً للتحليل ومفتوحاً للمناقشة رغم كل ما كتب عنه .

ثانيا: بيئة مشروع النظام الشرق الأوسطي وبعده الأمني:
كانت الدعوة إلى الشرق الأوسطية قبل صيف 1990، الذي شهد احتلال العراق للكويت، وما تلاه من حرب، دعوة خافتة محصورة في الفكر الإسرائيلي وبعض التطلعات المتفرقة في الفكر السياسي العربي. وبعدما نشبت حرب الخليج الثانية (1990 - 1991)، برزت متغيرات جذرية متعددة، دولية وإقليمية وعربية، ساهمت في تكوين حالة جديدة في المنطقة العربية، اتسمت بالسيولة في الأفكار والرؤى والآفاق، وشرعت الأبواب أمام مختلف الاحتمالات والتطورات. وكان أبرز افرازاتها وأخطرها أن خلّفت فراغاً استراتيجياً في منطقة الشرق الأوسط. في إطار هذه البيئة الجديدة تخلّقت العوامل اللازمة لتكوين مشروع النظام الشرق الأوسطي.
1 - فعلى الصعيد الدولي: نشأ هيكل جديد للقوى المؤثرة في حالة السلم والأمن الدوليين، والفاعلة في توجيه تلك الحالة، التي من أبرز معالمها انشداد الأمن الوطني للدول، والأمن القومي للتكتلات القومية، والأمن الإقليمي للتكتلات الإقليمية، إلى الأمن الدولي، الذي تسيطر الولايات المتحدة على دفة قيادته، انشداداً مباشراً، بعدما كان الأمن الدولي منشداً إلى التنافس بين القوتين العظميين وكتلتيهما، وموضعاً للحرب الباردة وآثارها وتداعياتها. وقد أدى ذلك إلى تدهور مكانة الدول العربية في النسق الدولي، وتراجع أهمية قضاياها. كما تراجعت هذه المكانة والقضايا في الوقت نفسه في إطار المصالح الأميركية. وإذا ما أردنا أن نصنف هذه المصالح في الوطن العربي في عناوين رئيسية، فيمكن إدراجها تحت عناوين ثلاثة: (1) حصار الشيوعية: وقد انتهت هذه المصلحة الأميركية الكبرى بزوال الشيوعية وانهيار معاقلها؛ (2) النفط وحمايته وضمان تدفقه بنظام معين وحجم محدد وسعر مناسب: وهذه مصلحة تم تأمينها وترسيخ أمنها وحمايتها لأجل طويل؛ (3) أمن إسرائيل وإدماجها في منطقة الشرق الأوسط عضواً أصيلاً مسيطراً بوصفها قوة إقليمية كبرى: وهذه مصلحة تعمل الولايات المتحدة على تحقيقها، وذلك بتسوية قضية الصراع العربي - الإسرائيلي من خلال التحكم في مساراته وأبعاده وانفعالاته، ثم احتوائه في تنظيم إقليمي.
2 - وعلى الصعيد الإقليمي: نشطت تركيا في طرح مشروعاتها ذات الطابع الاقتصادي. في حين حملت إسرائيل لواء الدعوة إلى مشروع النظام الجديد. وأخذت أدبياتها تشير إلى أهمية تبني دول المنطقة سياسة مشتركة تقوم على الازدهار الزراعي، وتوزيع الثروات على نحو أفضل، وإدخال الإلكترونيات والتقانات الحديثة في مجالات الصناعة والخدمات، وتكوين أجهزة لتنسيق التعاون العربي - الإسرائيلي في مختلف المجالات، وتأسيس صندوق مالي لتطوير المنطقة، وحاسب تعليمي لبرامجها التعليمية. وركزت تلك الأدبيات على أغراض ثلاثة:
أ - ترسيخ كيان إسرائيل كدولة أصيلة في منطقة الشرق الأوسط، ولها مركزها وامتداداتها الإقليمية، ومندمجة في جميع خطط التعاون والتنمية الخاصة بالمنطقة على الصعيدين الإقليمي والدولي، إضافة إلى علاقاتها الثنائية.
ب - توفير عوامل السلم والأمن في الشرق الأوسط كمنطقة ذات ترتيبات أمنية خاصة بها، وذات امتدادات أمنية إلى ما جاورها من مناطق، وتعزيز دور إسرائيل في أي ترتيبات أمنية، بحيث تكون دولة رائدة فيها.
ج - تعزيز دور إسرائيل في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط من خلال الدعم الغربي لها في مشروعاتها لتفتيت المجتمعات العربية والإسلامية وإثارة نزعات التطرف والاضطرابات بمختلف أشكالها وإبقائها في حال ضعف وتفكك ومناهضة أي مشروع تكتلي أو وحدوي.
3 - وعلى الصعيد العربي، شهدت العلاقات العربية البينية تمزقاً لم تعرفه من قبل، في حين غاب التضامن العربي وضعفت معالمه، وامتد الشلل والعطالة إلى المؤسسات القومية. وقد أدى ذلك كله إلى نشوء الظواهر التالية:أ - انهيار الأمن القومي العربي، مفهوماً وبنية ومؤسسات وقدرات.
ب - انحسار المد القومي، فكراً وعملاً ومؤسسات، في مقابل ترسخ القطرية، فكراً وعملاً وعلاقات.
ج - نزوع القطرية إلى الاستقلالية في علاقاتها الخارجية، دون النظر إلى انعكاسات ذلك النزوع على المصالح القومية.
د - تفاعل المصالح القطرية مع المصالح العالمية، والأميركية بالذات، وهو ما أفرز ما سمي حق الاستعانة بالقوات الأجنبية لمواجهة حالات محددة بالأمن القطري، أو لملء فراغات ناجمة عن الخشية من حدوث تلك الحالات.
هـ - ظهور نوعية جديدة من التهديدات الإقليمية، إذ أصبحت هذه التهديدات متوقعة من الصديق والعدو.
و - دخول دول المنطقة في دائرة التأثير الأميركي، وتناثرها على مساحة الدائرة، التصاقاً بالمركز أو قرباً أو بعداً منه، ولكنها جميعها تدخل في هذه الدائرة، ويستقر كل منها في مكان ما منها.
4 - الوجود العسكري الأجنبي: إذ توضعت قوات أجنبية، قوامها الرئيسي أميركي في مواضع عدة من بلدان الخليج العربي ومياهها الإقليمية. وإذا كان وجود هذه القوات في منطقة الخليج هو العامل الذي يضبط، في الوقت الراهن، توازن القوى في المنطقة، فإن هذا الوجود لن يستمر، ولا بد له، في يوم ما، من الرحيل. وحينئذ، لا مناص من توفير عامل عربي يضبط توازن القوى في المنطقة. وهنا نتطلع إلى التعاون العسكري العربي، لننشد فيه هذا العامل، وليسد أي فراغ أمني ينشأ في أي موقع عربي. غير أن هذا -التطلع- سيجد منافسه في النظام الشرق الأوسطي، حيث يتولى البعد الأمني للنظام المرتقب هذه المهمة.
أدت هذه العوامل مجتمعة إلى تخليق فراغ استراتيجي، مرفوق بعطالة القدرة العربية في ساحة الصراع العربي - الإسرائيلي، وبروز المصداقية الأميركية في الدفاع عن مصالحها وحماية إسرائيل. ومن هنا سهل على القوى الفاعلة في المنطقة، وبخاصة الولايات المتحدة بسيطرتها على المنطقة، وإسرائيل بقوتها العسكرية المتفوقة واستمرار احتلالها للأراضي العربية، أن تتحرك لتملأ الفراغ الاستراتيجي ببديل إقليمي، كانت القوى الغربية طرحته منذ الخمسينات حتى التسعينات مرات عدة وبأشكال ومكونات مختلفة. وفشلت في ترويجه، حتى إذا توافرت لها الظروف المناسبة، أخرجته في التسعينات في مشروع الشرق الأوسطية، وأوكلت إلى قوى إقليمية مهمة الدعوة إليه وتكوينه .
ولقد رافق الدعوة إلى المشروع بروز ظاهرتين:1 -ظاهرة العداء للعروبة في بعض أنحاء العالم العربي، وانطفاء الحماسة لها أو الارتباط بها في أنحاء أخرى، وإقبال معظم الدول العربية على التحلل من آخر التزام قومي من خلال تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي وإقامة علاقات طبيعية بإسرائيل، ومن خلال توهين الارتباط بالمؤسسات القومية.
2 - والظاهرة الثانية تحول الأمن القومي العربي إلى دائرة مقطعة الأوصال وفارغة من القدرات الفاعلة، تعصف فيها النـزاعات والصدامات المسلحة بمختلف أشكالها وأنواعها. ولا يُستدعى الأمن القومي الآن إلا من أجل التذكير بالهزائم التي تحل به، والمخاطر التي تهدده.
في هذه البيئة التي يكوّن الفراغ الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط قوامها، كان من الطبيعي أن تظهر المشاريع التي تقدم نفسها بديلاً للنظام الإقليمي العربي المتصدع وبنية الأمن القومي المنهارة. ويمكن القول إن أبرز المشاريع تمثل بمشروع النظام الشرق الأوسطي
كان الفكر الصهيوني، بشقيه الإسرائيلي والعالمي، يعد لمشروع النظام الشرق الأوسطي منذ إقامة دولة إسرائيل في الأربعينات. ويعد شيمون بيريز - أحد زعماء حزب العمل الإسرائيلي - أبرز منظريه والمشرفين على تنفيذه في الوقت الراهن. وقد توافرت لهذا المشروع عوامل التخلّق والتكوّن، وظروف البيئة التي تحتضنه وتقيم أسسه وهياكله.
وفي حين اجتمعت قوتان رئيسيتان لطرح المشروع والدعوة إليه، وهما الولايات المتحدة وإسرائيل، لم يجد مشروع البحر المتوسط، ولا إعلان دمشق، ما يدعمهما من القوى للمنافسة والغلبة. وبذلك يمكن القول إن مشروع النظام الشرق الأوسطي، في إطار العوامل والظروف الراهنة، هو المشروع الذي سيبذل الدعاة إليه كل جهودهم من أجل إقامته، والتغلب على معارضيه، والبدء بإقامته ببعديه الاقتصادي والأمني .

ثالثا: البعد الأمني للنظام الشرق الأوسطي
يستند دعاة الشرق الأوسطية إلى أن آفاق المستقبل العالمي تشير إلى انتصار أيديولوجية واحدة ووحيدة، هي الإيديولوجية الديمقراطية الليبرالية، التي تأخذ بعولمة الاقتصاد وحرية التجارة واقتصاد السوق. ومن هنا يرى هؤلاء الدعاة أن أي بحث عن أيديولوجية أخرى، قومية أو سواها، بحث تجاوزه الزمن، ويسير في عكس اتجاه التطور، ويتنكر لمنطق التاريخ.
وفي ضوء هذا المستند، يمكن أن نقرأ الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، بوصفها أهم المداخل لدراسة وتحليل التحولات الجذرية في المنطقة. فالولايات المتحدة هي الأداة المسيطرة على المنطقة، والقوة القابضة على ميزان القوى فيها، وعلى ضبط توازنه فلا تختل أثقاله بما لا ترضى عنه الإستراتيجية الأميركية.
وكان يمكن الإستراتيجية الأميركية أن تخفف من ثقلها العسكري في المنطقة بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال خطر المنافسة السوفيتية. ولكن أسباباً قديمة وجديدة - كمثل الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي، وحماية إسرائيل، واحتكارها السلاح النووي، والعمل لتأصيلها في المنطقة وتمهيد السبيل أمام بسط هيمنتها على المنطقة، وبخاصة في البعدين الاقتصادي والأمني، من خلال تفكيك الرابطة القومية العربية، وتذويب مقومات هويتها، وإعادة تركيب المنطقة من قوميات ولغات وعروق متعددة، وتدمير أية قوة عربية تنحو نحو التمرد على الإستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية، والسيطرة على منابع النفط وممراته - دعت الولايات المتحدة إلى تبني مشروع النظام الشرق الأوسطي، القائم على مبدأ تشارك وتقاسم المسؤوليات الأمنية بين دول المنطقة، وفي قلبها إسرائيل، وعلى طرفها تركيا، وفي المستقبل إيران حينما تتوافر الظروف لذلك. ويتأسس هذا المبدأ على السيطرة الأميركية على المنطقة المحاطة بقوة الردع الأميركية المتواضعة في بعض أطراف الخليج، وفي إسرائيل وتركيا وبحار المنطقة .
ويراد للنظام الشرق الأوسطي أن يكون شبيهاً بمؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي، الذي انبثق من لقاء عقد هلسنكي عام 1975، وضم دول المعسكرين الشرقي والغربي يوم ذاك. ومن مبادئ هذا المؤتمر التزام أعضائه التخلي عن استخدام القوة أو التهديد بها، وعدم خرق الحدود القائمة بين الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وضمان السلامة الإقليمية لكل دولة، وتسوية الخلافات بالطرائق السلمية، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. ويمكن القول إن مؤتمر هلسنكي سيكون - بصورة عامة - المثل الذي تحذو الشرق الأوسطية حذوه حين تقيم نظامها الإقليمي، مع اختلافات في الأسباب والعوامل والعناصر والأهداف.
وإذا كان التنظيم الأوروبي يقدم نمطاً لما يمكن أن يكون عليه التنظيم الشرق الأوسطي، فإن التكتلات الاقتصادية الكبرى في العالم تدعم المشروع الشرق الأوسطي وتحفزه على التكون، لكون المدخل الاقتصادي هو الباب الطبيعي لإقامة التنظيمات الإقليمية .. وثمة أمثلة حية ومفيدة على ذلك، مثل الاتحاد الأوروبي، وكتلة النافتا التي تجمع الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. وأحدث نموذج لذلك -المجلس الآسيوي الباسيفيكي للتعاون الاقتصادي- الذي يضم 18 دولة، منها الولايات المتحدة والصين ويهدف إلى إنشاء سوق حرة للتبادل التجاري والاستثمار الصناعي بحلول العام 2020. ويلاحظ أن هذه التكتلات الاقتصادية العملاقة مؤلفة من مجموعة قوميات.
ويمكن القول إن مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط -31 أكتوبر 1991- كان يضمر التمهيد لتنظيم شرق أوسطي، حين أنشأ مساراً خاصاً ومستقلاً للمفاوضات متعددة الأطراف، أوكل إليها إعداد المرحلة التمهيدية للتنظيم المرتقب.
ومن بين لجان ذلك المسار، لجنة الأمن الإقليمي والحد من التسلح، التي عقدت اجتماعات عدة، ولا تزال توالي عملها، واتفقت على إنشاء مركز لإدارة الصراعات وحلها في الشرق الأوسط، من خلال مراقبة بؤر الصراعات والأزمات وإدارتها وحلها بأنشطة حفظ السلام والدبلوماسية الوقائية، وذلك بإتباع سبيلين: أولهما تحويل السياسات الأمنية الصدامية إلى سياسات أمنية تعاونية، وثانيهما تغيير المذهب الهجومي إلى مذهب دفاعي. ويستتبع ذلك تبادل المعلومات العسكرية في شأن القوات المسلحة، وخطط نشرها، وموازنات الدفاع، ووسائل الإنذار والاتصال والمراقبة والتحقق .
وفي شأن المذاهب العسكرية في الدول المشتركة في اللجنة، فقد نوقشت هيكلية القوات المسلحة وتنظيمها وبناؤها القيادي وأنظمتها اللوجستية وشؤون التعبئة والتسلح، وحالات الاستعداد والتدريبات والمناورات وما سواها من شؤون.
تقارب إسرائيل المشروع الشرق الأوسطي، وبخاصة الجانب الأمني منه، من خلال توظيف مكاسبها من حروب الأعوام الخمسة والأربعين الماضية، وعلى أساس:
(1) ترسيخ كيان الدولة عضواً أصيلاً في المنطقة؛
(2) ضمان أمن الدولة بتوسيع حدودها وصنع حدود آمنة في العمق العربي قدر الإمكان؛
(3) توفير الظروف الجغرافية والاقتصادية لاستيعاب هجرة متزايدة
(4) تحقيق السيطرة والهيمنة في منطقة الشرق الأوسط، كدولة صغيرة عظمى -دولة إقليمية كبرى-.
ولإسرائيل وضع جيوسياسي وجيوستراتيجي يختلف عن سائر الأعضاء غير العرب الذين سينتظمون في الإطار الشرق الأوسطي. فإذا كانت تركيا وإيران وأثيوبيا - ويشار أيضاً إلى غير هذه الدول لتكون أعضاء في التنظيم المرتقب - تقع في جوار الوطن العربي، فإن إسرائيل تقع في القلب منه، وتتعامل مع وسطه القومي. وكما يقول أبا إيبان، فإنه -بعد قيام الدول العربية والإسلامية - واحدة تلو الأخرى - بإقامة اتصالات بإسرائيل، فإن فكرة قيام شرق أوسط جديد لم تعد وهماً-.
وينادي شيمون بيريز بتقنين علاقات السلام في الشرق الأوسط في معاهدة متعددة الأطراف ذات طابع استراتيجي سياسي عسكري، وتتضمن الأمن المشترك الذي يحقق الأمن لكل دولة على حدة، وتقوم على أربع ركائز: الاقتصاد والاستقرار السياسي والأمن والديمقراطية.
يبني بيريز مفهومه عن الأمن على الحقائق التي انتهت إليها تجارب الصراع المسلح العربي - الإسرائيلي، وأبرزها أن الحرب أداة عقيمة لحل الخلافات، ولا سبيل إلى النصر القاهر على شاكلة ما انتهت إليه الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى أن زمن الحرب الشاملة قد ولى، وأن العمق الاستراتيجي لم يعد ذا قيمة حاسمة في الحرب. وعلى هذا فإن الحفاظ على نظام أمني إقليمي يكمن في السياسة والاقتصاد، ويتجسد في قيام النظام الأمني المنشود بثلاث وظائف: منع المباغتة، والرقابة على التحركات العسكرية، وتأليف قوات إقليمية لاستخدامها في حالة أي عدوان .
ويبدو أن المصطلح الذي اختاره شيمون بيريز عنواناً لكتابه الشرق الأوسط الجديد سيكون في منزلة الغطاء الجغرافي لتحديد انتماء الدولة العبرية إلى منطقة تسعى إسرائيل وأنصارها لمحو هويتها التاريخية. وبما أن الدولة الجديدة الدخيلة سابقاً والمؤصلة حالياً، تقع في قلب العالم العربي وهي ليست عربية، فقد اقترح بيريز توسيع رقعة مصطلح الشرق الأوسط ليشمل الجمهوريات الجديدة في آسيا الوسطى إلى جانب تركيا وإيران. ويتطلع بيريز إلى أن يحل محل سايكس- بيكو حينما رسما حدود المنطقة وتقسيماتها عام 1917، فيرسم - هو - الحدود والتقسيمات الجديدة فيها.
وثمة مرجع آخر للبعد الأمني الشرق الأوسطي، نجده في معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية (17 تشرين الأول/أكتوبر 1994) التي نصت في مادتها الرابعة على التزام الطرفين المتعاقدين أن -يهدفا إلى إقامة بنيان إقليمي من الشراكة في السلام… ويلتزمان إقامة مؤتمر الأمن والسلام في الشرق الأوسط. ويعني هذا الالتزام تبني أطر إقليمية بالشكل الذي جرى تنفيذه بنجاح في فترة ما بعد الحرب العالمية على الخطوط نفسها التي سار عليها مؤتمر هلسنكي بما يتوج بمنطقة أمن واستقرار-.
ويمكن القول إن مؤتمر الدار البيضاء، كان الجسر المطل على النظام الشرق الأوسطي، والمدماك الاقتصادي له. وفيه، كما يقول شيمون بيريز، يلتقي النفط السعودي والأيدي العاملة المصرية والمياه التركية والعقول الإسرائيلية.
انعقد المؤتمر بحضور 61 دولة و114 من رجال الأعمال من كل أنحاء العالم. وقد جاء في الإعلان الصادر عنه أن المشاركين يشيدون -بالمفاوضات متعددة الأطراف التي دشنت في موسكو سنة 1992، والتي حققت خطوات هامة نحو أهداف عملية السلام. وسوف تدرس الحكومات الممثلة بالدار البيضاء وسائل دعم دور المفاوضات متعددة الأطراف وأوجه نشاطها، بما في ذلك التفكير في مؤسسات إقليمية تهتم بالقضايا الاقتصادية والإنسانية والأمنية… ويتطلب التطرف لفكرة الأمن بالمنطقة بجميع أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وعلى هذا فإن النظرة التي تقوّم مؤتمر الدار البيضاء بأنه تجمع اقتصادي صرف، مكوناته التجارة والمال والمصالح الاقتصادية المتبادلة، هي نظرة قاصرة. فالاقتصاد ليس سوى وسيلة المقاربة وباب الدخول. ذلك لأن الشرق الأوسطية سوق اقتصادية من مقوماتها الثروات الطبيعية ومشروعات التنمية والثقافة والسياسة والأمن وما سواها من مجالات الحياة. وستكون السيطرة - التي قد تبلغ حد الغلبة إذا اقتضى الأمر ذلك - لإسرائيل والولايات المتحدة. وعلى هذا فلن يكون حساب الربح والخسارة في هذا المزيج من المصالح المتشابكة قائماً على أساس حساب السوق التجارية، وإنما المرجعية في ذلك تكون للمكاسب الإستراتيجية التي يجنيها بعض شركاء السوق. وهم هنا إسرائيل والولايات المتحدة.
وثمة تصورات كثيرة لما يمكن أن يكون عليه النظام الشرق الأوسطي، من حيث تفريعاته وأمديته ومجالاته وأعضاؤه. وإذا كان النظام لم يأخذ بعد شكله المقنن النهائي، لأنه قيد التكوين، فإن غرضه الأساسي، المستمد من الملامح التي رسمت له، هو إلغاء الهوية العربية، وبعثرة أجزاء الأمة في منظومات جغرافية جديدة، تسيطر عليها إسرائيل، وبخاصة من الناحية الأمنية . فهي ذات القوة العسكرية المتفوقة الضاربة، والمنفردة بالسلاح النووي، والمستمدة قوتها العسكرية من القوة العسكرية الأميركية، وذات الجهاز الاستخباري المتمرس والقادر على الانتشار، والمتداخل في شبكات الاستخبارات الأميركية والأطلسية والصهيونية.

رابعا: ميزان القوى في البعد الأمني الشرق الأوسطي:
من المعروف أن ميزان القوى يتألف من نوعين رئيسيين من العناصر، أولهما يضم العناصر شبه الثابتة، كالكتلة السكانية، والموقع الجغرافي، ونظام التجنيد، والقوة المسلحة، والتدريب، واللوجستية، ومسرح العمليات، والمذهب العسكري، وشبكة الأصدقاء والأعداء، في حين يتألف النوع الثاني من عناصر يصعب تقديرها، إلا في حدود التقصي والتنبؤ، مثل خطط العمليات، والتعبئة المعنوية، والقيادة، وأنواع الأسلحة، وبخاصة تلك غير المعلنة.
وستكون القوى الفاعلة في ميزان القوى للبعد الأمني الشرق الأوسطي أربعاً: الدول العربية، وإسرائيل، وتركيا، وإيران. ولأن هدف النظام الشرق الأوسطي تفكيك القوة العربية الأمنية وهدم ما بقي من أطلال لبنى الأمن القومي العربي، فإن القوة العربية لا تدخل في الحسبان حين احتساب قوى الميزان الاستراتيجي.
1 – إسرائيل
إذا ما نظرنا إلى ميزان القوى العربي - الإسرائيلي، وإذا ما افترضنا وحدة الكفة العربية - وهو افتراض نظري صرف - فإننا واجدون رجحان الكفة العربية في بعض عناصر القوة الثابتة، مثل: المساحة، وعدد السكان، والموارد الاقتصادية، وحجم القوات المسلحة، والموقع الاستراتيجي. وفي مقابل ذلك، ترجح كفة إسرائيل في السلاح النووي، والتنظيم العسكري، وقيادة الحرب، وقنوات التسليح والإمداد الفوريين والغزيرين من الغرب بصورة عامة والولايات المتحدة بصورة خاصة. وفي جميع الأحوال، فإن في الكفة العربية عناصر ثابتة من القوة والقدرة، وهي قابلة للتطوير والتعظيم بقدر ما تريد لها الإرادة العربية الموحدة من تطوير وتعظيم، حتى تبلغ منزلة رفيعة تعلو على منـزلة كفة إسرائيل، ولأن هذه الصورة نظرية صرف، ولأن عوامل تغيير الوضع العربي الراهن ليست متوافرة بالقدر المناسب في الظروف الحاضرة، فإن ميزان القوى سيظل راجحاً لمصلحة إسرائيل ، وسيحافظ على رجحانه في إطار البعد الأمني للنظام الشرق الأوسطي، مستنداً إلى الدعائم التالية:
أ - سينتج من تفكيك عناصر الاشتباك في الإطار الجغرافي لفلسطين، ترتيبات أمنية ذات طابع خاص بين الدولة الفلسطينية المنشودة وإسرائيل، تختلف اختلافاً نوعياً وشكلياً عن الترتيبات الأمنية التي تضمنتها معاهدتا السلام المصرية - الإسرائيلية والأردنية - الإسرائيلية، وعن الترتيبات التي يمكن أن يتضمنها أي اتفاق بين كل من سوريا ولبنان والأردن من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى. ذلك أن الترتيبات بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل ستكون بين كيان سيتحرر ويتأسس من جهة، وبين دولة محتلة من جهة أخرى. وفي هذه الحال من الطبيعي أن تفرض إسرائيل شروطها ومتطلبات نظريتها الأمنية واستراتيجيتها الدفاعية، بحيث تخلو الأرض الفلسطينية من أي تهديد أو احتمال تهديد يقصد إسرائيل، وذلك بتوفير الوسائل التي تمكن الجيش الإسرائيلي من استخدام الأرض الفلسطينية كموقع متقدم للإنذار المبكر، ولفتح القوات وتعزيز القدرة على الردع والانطلاق للهجوم. ويدعم هذه الفكرة التوجه نحو حرمان الدولة الفلسطينية المنشودة أن يكون لها جيش، ذلك أن -قوة الدولة الفلسطينية يجب أن تكون، بالتحديد، في ضعفها. يجب ألا يكون أمنها في يدها، بل يجب أن يستند أمنها كلياً إلى ضمانات الدول الكبرى- .
ب - ستدخل إسرائيل عضواً مؤسساً في النظام الشرق الأوسطي، وهي مسلحة بنظريتها الخاصة بأمنها، على النحو الذي انتهت إليه في ختام المرحلة الراهنة من الحروب العربية - الإسرائيلية، مضافاً إليها المتغيرات والعوامل التي استجدت بعد حرب الخليج الثانية، وإفرازات مرحلة ما بعد تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي. وستبقى هذه النظرية قائمة ومستمرة ومتطورة، بمقوماتها وأسسها وعناصرها، وبخاصة ميزة التفوق العسكري على القوى العسكرية العربية، والقدرة على دفع الحدود غير الجغرافية للأمن الإسرائيلي إلى ما وراء حدود الوطن العربي.
في ضوء نظرية الأمن الإسرائيلي هذه، ذات الأذرع الضاربة الطويلة، وبخاصة الجوية والجو - برية، من الطبيعي أن تعمل إسرائيل لترسيخ سيطرتها وهيمنتها من خلال استثمار التناقضات القائمة، أو التي قد تنشأ، بين الدول العربية من جهة، ودول الجوار الجغرافي من جهة أخرى، وبخاصة تركيا وإيران وإثيوبيا. وإذا كانت هذه التناقضات في حال كمون أو تحرك بطيء في الوقت الراهن، فإن احتمالات تعقّد بعضها ودفعها إلى المواجهة واردة وقائمة، وبخاصة حينما تتطلب بعض الظروف ذلك، أو تتوافر العوامل الكافية لذلك.
و - وإذا كانت المتغيرات الدولية التي طرأت على النظام العالمي، ونتائج حرب الخليج والتطورات السلاحية والتقانية الحديثة قد دعت إسرائيل إلى مراجعة مذهبها العسكري، فإن المرحلة الجديدة التي دخل إليها الصراع العربي - الإسرائيلي في -مؤتمر السلام للشرق الأوسط- في مدريد كانت العامل الأهم والأكثر إلحاحا في إقرار تلك المراجعة. ذلك أن إسرائيل كانت تعتقد، ولا تزال، أن السلم، أي سلمها المنطلق من مصالحها وأهدافها، يمكن أن يتحقق فقط عن طريق إستراتيجية القوة، وأنها تستطيع، من خلال إستراتيجية القوة هذه، أن تحقق الهيمنة والسيطرة، وأن تفرض حلولها. وهي تريد أن يتحقق ذلك في إطار بقاء إسرائيل الدولة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط.
ج- ومن يتتبع الأدبيات العسكرية الإستراتيجية الإسرائيلية، الرسمية والثقافية العامة، يلاحظ أن هناك إجماعا إزاء المسائل المتعلقة بمستقبل التوازن والأمن الإقليميين، جوهره ضرورة الاستمرار في صوغ الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية على أساس -الخيار الأسوأ- ، وأن الوسيلة الوحيدة لبناء تلك الإستراتيجية هي التفوق العسكري وما يسميه الإستراتيجيون الإسرائيليون -الرادع الاستراتيجي الإسرائيلي الذاتي-، ويقصدون به السلاح النووي. ويرى هؤلاء أن هذين العاملين - التفوق والردع - هما القادران على مواجهة أسوأ الاحتمالات والمفاجآت التي قد تطرأ على موازين القوى، وبخاصة بعد إقامة السلام. ذلك أن إسرائيل تعد المنطقة والسياسات العربية عرضة دائمة للتغيرات والمفاجآت. وفي حين تحقق عملية التفاوض العربي - الإسرائيلي إنجازات متتابعة، يخرج علينا مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب في خريف 1994 بتقريره السنوي عن توازن القوى في الشرق الأوسط، ليعلمنا أن سوريا تمثل الخطر الرئيسي على إسرائيل، وتليها مصر والعراق فإيران.
د - وليس من المتوقع قط أن تساوم إسرائيل على مبدأ الاحتفاظ بتفوقها العسكري في المنطقة، في أية مفاوضة مقبلة، أو أي ترتيب لخفض التسلح أو لإخضاع أراضيها ومؤسساتها لتفتيش دولي على الأسلحة النووية وإنتاجها، على شاكلة التفتيش الدولي المطبق على العراق. وهي لا تقبل قط أن تجازف بفقدان هذا التفوق حتى في حال إقامة السلام وترسيخ دعائمه، وبخاصة أن -إستراتيجية التفوق- هذه لها دعامة أساسية عند إسرائيل، وتكاد تكون الدعامة الوحيدة التي تميز القدرة العسكرية الإسرائيلية وتمنحها القوة في الحرب والسلم وعلى طاولة المفاوضات. وتلك هي القوة النووية .
ولسنا نود أن ندخل في تقرير امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، ولا في تفصيل ذلك. وإنما نكتفي بالإشارة إلى توافر المعلومات عن أن إسرائيل تملك أكثر من 200 رأس نووي، وأن لديها وسائط لنقل هذه الرؤوس إلى أمدية طويلة في أعماق الوطن العربي. وقد تأكد ذلك في تحقيق علمي موثق أجرته مجلة جينـز إنتليجنس ريفيو، قوامه صور التقطتها الأقمار الصناعية الفرنسية والروسية، تثبت أن لدى إسرائيل نحو 200 رأس نووي من كل الأنواع، التي تحملها صواريخ -أريحا - 1- و-أريحا - 2- و-كروز- والطائرات. ويحدد التحقيق مواقع الأبحاث والتصاميم والصنع والتجارب والتخزين.
ويقودنا الحديث عن -التفوق الإسرائيلي-، حكماً، إلى تلمس آثار العون العسكري الأميركي المستمر لإسرائيل، بوصفه العنصر الرئيسي الذي يقلب ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، ويجعل التفوق النوعي الإسرائيلي أمراً واقعاً وممكناً، وبوصفه أيضاً عوناً لا يحدّه طرف أو مانع أو سبب قاهر، وإنما يصب دوماً وباستمرار في قناة القوة العسكرية الإسرائيلية، ويتدخل في أي وقت من الأوقات إلى جانب إسرائيل، ليعينها أو لينقذها من هزيمة، وليس في الحروب المحلية التي وقعت في مختلف أنحاء العالم منذ عام 1945 حتى اليوم، ما يماثل العون العسكري والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي الأميركي لإسرائيل، نوعاً وشكلاً وحجماً، وفي الزمن المناسب والمكان المناسب.
لقد بُني العون الأميركي لإسرائيل على أساس أن يكون لدى إسرائيل، دائماً، قوة سلاحية تفوق مجموع ما لدى الدول العربية من قوة سلاحية. ومن المعروف أن الفكر العسكري الإسرائيلي يتمحور، في هذا الشأن، حول فكرتين رئيسيتين- أولاهما أن جميع الدول العربية جبهة واحدة أمامها، ويعني هذا ضرورة مساواة كميات الأسلحة التي يجب أن تملكها إسرائيل بكميات الأسلحة التي يملكها مجموع الجيوش العربية؛ وثانيتهما اعتبار القدرات النووية غير العربية في منطقة الشرق الأوسط جزءاً من القدرات النووية العربية. وإذ تعرف إسرائيل أن أية دولة غير عربية في المنطقة لن تقبل بهذا الشرط، فإنها ستجد في ذلك مدخلاً إلى الاحتفاظ بقوتها النووية، وشهدت العلاقة الأميركية - الإسرائيلية نقلة نوعية، بتطويرها من تحالف إلى مشاركة إستراتيجية، حدّد وزير الدفاع الأميركي مقوماتها وأهدافها.
وفي حين تصمت الولايات المتحدة صمتاً مطلقاً إزاء امتلاك إسرائيل السلاح النووي إلى جانب تفويقها في القوة العسكرية والسلاحية غير النووية، نجدها تنكر على دول من العالم الثالث مسعاها لامتلاك السلاح النووي. فهي قد باركت عدوان إسرائيل على العراق حتى أغارت طائراتها على المفاعل النووي العراقي في صيف 1981، وتعللت في حرب الخليج الثانية بتدمير القوة العسكرية العراقية لأن العراق قد يصنع سلاحاً نووياً في المستقبل، وكادت تشن حرباً على كوريا الشمالية في صيف 1994 لأن كوريا رفضت قبول تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية لبعض مفاعلاتها النووية.
وتهدف الولايات المتحدة من صمتها عن السلاح النووي الإسرائيلي، بل من دعمها في امتلاكه، إلى هدفين رئيسيين: أولهما أن تكون لإسرائيل اليد العليا في شؤون المنطقة، وهي مسلحة بالسلاح النووي ولا يجوز أن يكون لدى أي بلد آخر في المنطقة سلاح مماثل؛ وثانيهما أن يكون السلاح النووي الإسرائيلي جزءاً من الترسانة النووية الأميركية، مخزّن في إسرائيل إلى حين الحاجة إليه وإذا كان الغرض الأبعد للنظام الشرق الأوسطي أن يضمن الأمن لجميع شعوب المنطقة، ويؤمنهم ضد خطر قيام الحروب، وضد استخدام أسلحة الدمار الشامل، فإن هذا الغرض لا يمكن تحقيقه في ظل تفرد إسرائيل بسلاحها النووي ورفضها توقيع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
2 – تركيا
تبحث تركيا عن دور قيادي متميز لها في الشرق الأوسط، وهو هوى انتقل من زمن الخلافة العثمانية إلى تركيا العلمانية،الأطلسية ذات العضوية في منظمة المؤتمر الإسلامي، ومن المعروف أن اهتمامات تركيا الإستراتيجية تمتد إلى دوائر إقليمية ثلاث يفرضها عليها الموقع الجغرافي: الدائرة الأوروبية، والدائرة العربية بامتدادها الإسلامي، والدائرة الآسيوية الوسطى. وتمثل هذه الدوائر الثلاث فضاءات لحركة تركيا الإقليمية ونفوذها الدولي وقدراتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، ولرغبتها في أداء دور مربع الأبعاد: أوروبياً، وشرق أوسطياً، وإسلامياً، وعرقياً.
وفي إثر المتغيرات التي طرأت على النظام العالمي، وبخاصة زوال الخطر السوفياتي السابق، وتدمير القوة العسكرية العراقية، وإخضاع الصراع العربي - الإسرائيلي لعملية التفاوض، وانحسار الحركة القومية العربية، اطمأنت تركيا إلى أن الأرض ممهدة للالتفات إلى الدائرة العربية، التي تمثل ميداناً للمصالح والمنافع الاقتصادية والمالية والاستشارية والتجارية. وإذ تفعل تركيا ذلك، تدرك أن الدائرة العربية تعيش في حالة سيولة وانفتاح. ومن هنا، يمكن النظر إلى المحاور التي أخذت تركيا تنشط في تشغيلها والتركيز عليها، كمثل دورها الفعال في عملية السلام في الشرق الأوسط، والمشروعات الاقتصادية الشرق الأوسطية، ومشروع أنابيب السلام الذي ينقل المياه إلى الجزيرة العربية، ومشروع إنشاء صندوق لتنمية المنطقة، والاشتراك في المفاوضات متعددة الأطراف من عملية التسوية الجارية للصراع العربي - الإسرائيلي منذ أواخر العام 1991 .
أعطت حرب الخليج الثانية والثالثة تركيا زخماً جديداً لسياستها العربية والشرق الأوسطية، فتحركت على محاور ثلاثة: الأمن الإقليمي، والمجال الاقتصادي، والمياه. وقد بلغت المعونات والهبات العربية التي أرسلت إلى تركيا منذ بدء أزمة الخليج نحو 2.5 مليار دولار، مع التخطيط لفتح الأسواق أمام المصنوعات التركية، وتشجيع رأس المال العربي على زيادة استثماراته في تركيا. إضافة إلى ذلك، حصلت تركيا على مكسب ذي طابع استراتيجي، تمثل بإسهام مالي كبير في -صندوق الصناعات العسكرية التركية- الذي يبلغ رأسماله 3.5 مليارات دولار. فقد أسهمت كل من السعودية والكويت بمليار دولار، في حين أسهمت الإمارات العربية المتحدة بنصف مليار. أما الباقي من رأسمال الصندوق، ومقداره مليار دولار، فقد توازعته مناصفة كل من تركيا والولايات المتحدة.
وينطوي هذا الإسهام العربي على دعم مسعى تركيا لتعزيز وإبراز ما تعده دوراً رئيسياً لها في -حراسة الاستقرار الإقليمي-، على الرغم من أن بعض سياساتها لا يخدم هذا الدور، ولا ينسجم مع غرضه. فسياستها المائية تجاه نهري الفرات ودجلة، وإزاء المطالب السورية والعراقية المبنية على أساس مبادئ القانون الدولي الخاصة بالأنهار الدولية، تتعارض مع الدور الذي تنسبه تركيا لنفسها.
تميز موقف تركيا من حرب الخليج الثانية بتطابقه مع الأهداف الإستراتيجية الأميركية في المنطقة. ولأن تركيا ترفض إنشاء دولة كردية في مناطق الحدود المشتركة مع العراق وإيران، فقد هدّدت باستعدادها لدخول حرب برية ضد أراضي العراق إذا ما تحرّك أكراد شمال العراق، مستغلين الأزمة والحرب، نحو إنشاء كيان مستقل.
وفي اثر انتهاء الحرب، أرادت تركيا أن تجذب إليها أنظار دول الخليج العربية في المجال العسكري، فأعلنت عن قدرتها على -توفير الدعم لدول مجلس التعاون الخليجي ومساعدتها على إنجاح خططها الرامية إلى تطوير قواتها المسلحة من خلال تزويدها بالأنظمة الدفاعية الحديثة والمتطورة… وعلى توفير الخبراء والفنيين والمدربين وكل ما تحتاجه دول مجلس التعاون الخليجي من خبرات فنية وتكنولوجية-.
ثمة نقطة مهمة من المناسب الإشارة إليها، لأنها تلقي بعض الضوء على دور تركيا في المنطقة، وهي أن إسرائيل ترى في تركيا -ثقلاً مضاداً لإيران والعرب على السواء، فتركيا حليفة مخلصة للولايات المتحدة وحلف الأطلسي، وفيها مؤسسة عسكرية ضخمة أصبحت متحررة من الخطر السوفياتي، ولتركيا مشاكلها في إيران وعداء مذهبي لها، وبينهما تنافس على التفرد والسيطرة في جمهوريات آسيا الوسطى، وتركيا قادرة على الضغط على العرب، وبين تركيا وإسرائيل مصالح ومنافع كثيرة وقديمة متبادلة.
وكانت تركيا قد اعترفت بإسرائيل عام 1948. فتعرضت لانتقاد الدول العربية ومعظم الدول الإسلامية. وفي مثل هذه الحالة من الوسطية، لم يكن باستطاعة تركيا أن تكسب رضاً خالصاً كاملاً، لا من العرب ولا من إسرائيل. حتى إذا بدأت عملية السلام في خريف 1991، وأنجزت بعض التقدم، أخذت تركيا تتحرر من حالة الوسطية تلك، لتجد أمامها فضاءً للعلاقات مع العرب وإسرائيل تتسع جنباته بمقدار ما تحرز عملية السلام من إنجازات، ويحقق لها طموحاتها في بناء نظام شرق أوسطي، تشغل فيه مركزاً قيادياً، وتستطيع من خلاله أن تنشط اقتصادها، وتستقطب رؤوس الأموال العربية لتوظفها في مجالات اقتصادها.
وهكذا يلقى البعد الأمني الشرق الأوسطي قبولاً وتأييداً من تركيا. فهو يستجيب لنزعتها إلى السيطرة والهيمنة كدولة كبيرة ومتقدمة صناعياً وحضارياً بالنسبة إلى سائر دول المنطقة، وتملك قوة عسكرية كبيرة متطورة في تنظيمها وتسليحها، وتشغل مكانة إستراتيجية مهمة جداً. فإذا أضفنا إلى ذلك دورها في إطار حلف الأطلسي وفي إطار منظمة المؤتمر الإسلامي وعلاقاتها المتميزة بالولايات المتحدة ومن ثم إسرائيل، وما لديها من فائض مائي تقيّمه تقييماً عالياً كثروة إستراتيجية، فمن الطبيعي أن تجد تركيا في البعد الأمني الشرق الأوسطي ما يساعدها على تشغيل جميع هذه العوامل وتوظيفها لخدمة استراتيجيها المختلفة.
يضاف إلى ذلك كله أن البعد الأمني الشرق الأوسطي يعزز موقع تركيا في حلف الأطلسي، وفي كونها قاعدة مستقرة للقوات الأطلسية، وبخاصة الأميركية. وليس في ذلك جديد أو طارئ، فهي كذلك منذ انضمامها إلى حلف الأطلسي في الخمسينات. وسيضاف إلى ذلك اتساق التعاون العسكري وتوثيقه بين تركيا وإسرائيل، فكلتاهما مرتبطتان أمنياً وعسكرياً بالولايات المتحدة، مع اختلاف أسباب الارتباط ونوعه وأشكاله ومداه بين الدولتين.
3 – إيران
يمكن القول إن الجارين العربي والإيراني، تجمعهما اعتبارات إستراتيجية وسياسية واقتصادية وثقافية وتاريخية ودينية. وهي اعتبارات تضعف أمامها الأسباب المضادة، وبخاصة إذا ما عززتها إرادة الطرفين في الحوار والرغبة في التلاقي والتفاهم. وإذا كان هذا الكلام يستند إلى النية الطيبة، فإن الأمر لا يؤخذ دائماً من هذا القبيل. فإذا نظرنا إلى العلاقة العربية - الإيرانية في الوقت الراهن، لأمكننا وصفها بالاضطراب، بصورة عامة، إذ أخذ بعض القضايا المحورية يلقي بظلاله على تلك العلاقة، ويطبع مساره بشيء من التوتر. فقد انتهكت القوات الإيرانية الحدود والأجواء العراقية غير مرة، ورسخت احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث، وتعرضت مراراً لاتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية، القريبة منها والبعيدة، من خلال دعم الجماعات المتطرفة فيها .
وتشعر الدول العربية في الخليج بالقلق من جراء السلوك الإيراني. فإلى جانب تنامي الترسانة العسكرية الإيرانية تنامياً أحدث خللاً في موازين القوى في المنطقة، يبدو تمسك إيران باحتلالها الجزر الثلاث، وبإصرارها على -إيرانية- تلك الجزر واستعدادها للقتال دونها، عقبة في سبيل التقارب العربي - الإيراني.
وحينما احتل العراق الكويت، رفضت إيران أن يحوز العراق أي مكسب من جراء احتلاله هذا، وأعلنت أنها ستحتل جزيرة بوبيان إذا ما تنازلت الكويت عنها للعراق. وعارضت إيران وجود قوات أجنبية في الخليج، ثم عدلت إلى عدم ممانعتها في أن تُخرج قوات أجنبية القوات العراقية من الكويت، ما دامت هذه القوات الأجنبية سترحل بعد ذلك. وتنادي إيران بانسحاب القوات الأجنبية، وبخاصة الأميركية، من الخليج، متجنبة، في الوقت نفسه، الإثارة والمواجهة مع الولايات المتحدة، ومفضلة عليهما المهادنة.
وتشير أغلبية المصادر المتخصصة بالشؤون الدفاعية الشرق الأوسطية، إلى أن إيران تواصل جهودها الرامية إلى إعادة بناء قواتها المسلحة وتحديث معداتها في جميع المجالات، وتجمع هذه المصادر على أن المحاولات الغربية، وبخاصة الأميركية، التي تبذل من أجل الحد من إمكانات إيران التسليحية لم تسجل حتى الآن نجاحاً كبيراً.
وما يشد الانتباه في برامج التسلح الإيرانية أنها تنفذ في ظل تأكيدات متتالية من مصادر غربية على مواصلة إيران سعيها لامتلاك قدرات نووية، وتذهب هذه المصادر مذاهب شتى في تصوراتها ومعلوماتها. وتتوقع أن تتمكن إيران من أن تصبح القوة الإقليمية الإستراتيجية الرئيسية في المنطقة.
تعبر إيران في سياساتها ومواقفها عن رفضها للشرق الأوسطية، بسبب عضوية إسرائيل فيها والسيطرة الأميركية عليها. وتنسجم في ذلك مع توجهها القائم على اعتبار أمن الخليج مسؤولية الدول الواقعة على شواطئه. لذلك فإن أي نظام أمني يتجاهل دورها مرفوض ولا يستقيم أمره. ويمكن القول إن الخليج يمثل محور الإستراتيجية الإيرانية، ففيه يتجسّد حجم وقيمة الوجود الإيراني. وبقدر حجم وقيمة ذلك الوجود يكون حجم وقيمة التأثير الإيراني في عالم النفط وفي الاستراتيجيات العالمية، وبخاصة الأميركية، في الشرق الأوسط عموماً والخليج خصوصاً.
وإذا كانت إيران لا ترحب بالنظام الشرق الأوسطي القائم على السيطرة الأميركية - الإسرائيلية والتفكك العربي، فإنها لا ترحب في الوقت نفسه بأن يستعيد النظام العربي تماسكه ويعيد ترتيب شؤون بيته وبخاصة في المجال الأمني.
وعلى هذا فإن دور إيران في النظام الشرق الأوسطي ليس بالمنظور في ضوء الظروف الراهنة. ويتوقف احتمال نشوء دور إيراني إذا ما تغير بعض الظروف، سواء في الإدارة الإيرانية أم في الإدارة الأميركية، أم في نشوء عوامل جديدة في منطقة الخليج تستدعي معالجتها بسياسات جديدة.
وعلى الرغم من مختلف الترجيحات التي لا ترشح إيران لعضوية النظام الشرق الأوسطي المرتقب، يمكن القول إن طي الطابع القومي العربي من التنظيمات الإقليمية في المنطقة، وبخاصة في الخليج، قد يفتح الباب أمام الذرائعية الإيرانية للتفكير في التعامل مع نظام شرق أوسطي يضمن لإيران دوراً أمنياً واقتصادياً متميزاً في الخليج الذي سيمثل أحد أجنحة النظام المرتقب.
خامساً: تحليل واستنتاجات
حينما يجري الحديث عن مشروع جديد للشرق الأوسط، فإن ذلك يعني، من ضمن ما يعنيه، إن الباب مشرع لتحقيق تحولات سياسية واقتصادية في بعض دول المنطقة، وإعادة صياغة بعض وحدات المنطقة على نحو يستجيب للمتغيرات الدولية والإقليمية، وفي مقدمها متغيران مهمان جداً: أحدهما عبّر عنه مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي حين قال إنه مع انتهاء خطر القوة العسكرية السوفياتية أصبحت الولايات المتحدة أكثر حرية في التدخل في البلدان الأخرى؛ وثانيهما مسيرة السلام في الشرق الأوسط. ومن المنتظر أن ترسو أسس النظام الشرق الأوسطي الجديد، في خلال السنوات الخمس الانتقالية التي سيعبرها الاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي، إذ يمكن خلال هذه الفترة تحقيق التحولات المنشودة.
ويكمن في خلفية المشروع الشرق الأوسطي توجه الاستراتيجية الأميركية نحو تنظيم علاقتها بالعالم العربي من خلال إقامة نظام مستقر قوامه الهيمنة الأميركية - الإسرائيلية على المنطقة، وتغييب الأمن القومي العربي بتدمير مفهومه وبنيته. وثمة أدبيات غربية كثيرة تزخر بهذه الأفكار. ولعل مقالة برنارد لويس تعبر خير تعبير عن جوهر الشرق الأوسطية القائم على -التخلي الرسمي عن حلم القومية الذي طال تقديسه والمتعلق بدولة عربية موحدة أو حتى بكتلة سياسية متماسكة-. ويجعل هذا الخبير الأميركي العالم العربي مماثلاً لحالة أميركا اللاتينية، حيث تتراكم مجموعة من الدول، تجمعها لغة واحدة وثقافة مشتركة ودين واحد، دون أن تجمعها سياسة مشتركة.
وعلى هذا، يمكننا استخلاص المخاطر التي يحملها البعد الأمني لمشروع النظام الشرق الأوسطي، وتركيزها في النقاط التالية:
1 - أصبح واضحاً أن غرض الخطة الأميركية - الإسرائيلية من إقامة النظام الشرق الأوسطي نزع الهوية القومية من الوجود العربي، وتحويل المنطقة من موطن للأمة العربية إلى مكان لشعوب شتى تجمعها هوية إقليمية ومصالح مشتركة، وذلك بتأصيل إسرائيل عضواً طبيعياً في المنطقة التي توضع في السيطرة المباشرة للولايات المتحدة، وبخاصة في المجالات النفطية والأمنية.
2 - إن الآثار المباشرة للبعد الشرق الأوسطي من الأمن القومي العربي يمكن أن تتجسد بصورة رئيسية في ما يلي:
أ - طي بنية الأمن القومي العربي، مفهوماً وأجهزة وآليات ووسائل.
ب - ربط أمون بعض الدول العربية بقوات أجنبية، وفي ذلك هدر للسيادة الوطنية، وخضوع لارادات دول تلك القوات الأجنبية. وهي هنا بالتحديد الأولي المنظور والمنتظر: الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا.
ج - إفراغ النظام العربي من مضمونه الاستراتيجي الأمني، لتتحول شعوبه من كيان أمة واحدة إلى شعوب ناطقة باللغة العربية.
د - تعرض الدول العربية للتجزئة والاقتطاع من أراضيها وثرواتها لمصلحة أقليات إثنية أو دينية أو لغوية.
3 - في ضوء هذه الآثار، يمكن القول إن الأغراض الإسرائيلية والأميركية التي سيخدمها البعد الأمني للمشروع الشرق الأوسطي تتجسد في ما يلي:
(أ) تفتيت الدول العربية.
(ب) تغذية الخلافات العربية البينية.
(ج) تبديد الطاقات العسكرية العربية في الصراعات العربية البينية والصراعات العربية الجوارية.
(د) تفشيل أي تنسيق استراتيجي أمني عربي.
(هـ) منع أي مشروع توحيدي عربي.
(و) تدمير أية قوة عسكرية عربية تسعى للتنامي أو الحصول على أسلحة متطورة أو سلاح نووي.
من هذه الأغراض الستة، يمكن القول إن أولها، وهو تفتيت الدول العربية، يمثل المفتاح والسبيل إلى سائر الأغراض الأخرى، وبخاصة أن الأحداث في بعض أنحاء الوطن العربي تتكشف عن احتمالات التفجير والتآكل من جراء الإرهاصات والحركات السياسية والعرقية واللغوية والطائفية. وما كان لهذه الاحتمالات أن تتصاعد بهذه الحدة ما لم تتواكب مع رفض الدولة العربية تطوير آليات جديدة للمشاركة السياسية وتحقيق أوسع للعدالة الاجتماعية.
ومن الطبيعي أن يتيح هذا الانكشاف الأمني القومي، الذي يتزامن مع مسيرة التسوية للصراع العربي - الإسرائيلي، لإسرائيل التحرك والعمل لتحقيق طموحاتها داخل المنطقة العربية، بدءاً من الهيمنة، وانتهاء بالسعي لتقسيم الوحدات الجغرافية للدول العربية وتفتيتها، وذلك من خلال استغلالها وتحريكها لحالات التأزم والنـزاع والصراع التي تمر بها تلك الدول. وحتى لا نعود إلى الماضي وتاريخه، فإننا نكتفي بالإشارة إلى بعض وقائع الحاضر، كمثل رفض إسرائيل التجاوب مع المطلب التركي بوقف الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه إسرائيل إلى أكراد شمال العراق، ما دام في ذلك أذى وتفتيت للعراق. وإذا ما أضفنا إلى ذلك ما تفعله إسرائيل في جنوب السودان لفصله، وما قيل عن تدخلها في الحرب الأهلية اليمنية وغيرها من المواقع العربية، فإن الصورة تزداد وضوحاً.
إن نظرة إلى إبعاد المشروع الصهيوني، توضح اقتناع الفكر الصهيوني بأن الظروف في المنطقة أصبحت مواتية لتحقيق هدف إسرائيل في تفتيت وحدات العالم العربي وتجزئتها من خلال تشجيع وتحريك حالات التجزئة الكامنة فيها. وقد طور الفكر الصهيوني هذه المقولة في ندوات وأدبيات كثيرة، ومن مراجعة أوراقها يرتسم توجه الفكر الصهيوني في إسرائيل نحو ضرورة استغلال الأحداث والتطورات والمتغيرات في المنطقة، وتوظيفها من أجل تفجير التناقضات داخل العالم العربي، ومع دول جواره .
ولن يكون أمراً غريباً أو عجيباً أن نرى إسرائيل تؤدي دوراً نشيطاً في اللعب بميزان القوى في المنطقة، فترجح هذه الكفة على تلك، وتصطف إلى جانب هذه الدولة في نزاعها أو صراعها ضد تلك الدولة، والدولتان عربيتان، إن إسرائيل، بدورها المنتظر هذا، ستكون عاملاً مثيراً للنزاعات، مكوّناً لمحاور وتحالفات. وهو دور يرسخ قدرتها على الفعل والتأثير والهيمنة على شؤون المنطقة وسياسات دولها، مستندة إلى قوتها العسكرية المتفوقة.
إن السيولة التي ستمد أمواجها إلى المشكلات والأزمات العربية - وهي كثيرة ومتنوعة - ستسمح لإسرائيل بالتحرك لتحقيق أهدافها في إطار العالم العربي، دون أن يبلغ هذا التحرك حد إحياء الصراع العربي - الإسرائيلي، وتعريض مصالح إسرائيل والولايات المتحدة للخطر. لهذا فإن إسرائيل ستعتمد إستراتيجية قوامها نمط -الصراعات منخفضة الحدة- كآلية لتنفيذ مخططاتها، مع القدرة على مواجهة الأنشطة العدائية التي قد تنبع في بعض أجزاء العالم العربي، وبخاصة احتمالات تنامي الدعوات إلى -الجهاد المقدس- ضد إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة.
وفي يقيننا أن الصراع العربي - الإسرائيلي لا يزال يحمل في فكره وتاريخه ومآله الراهن والمنظور بعض مقومات استمراره، وإن كان سيتخذ شكلاً آخر وأسلوباً آخر ومنافذ وأهدافاً أخرى. وهو في جوهره صراع حضاري، لذلك سيبقى مستمراً، تنتابه حالات من الهدوء والتوتر والكمون والظهور، وتختفي مظاهره في مجالات لتظهر في مجالات أخرى.
ولأن الصراع سيأخذ شكل مواجهة مباشرة ويومية ضد امتداد الغزوة الصهيونية بأشكال وأنواع جديدة من الامتداد، فإن المواجهة ستنتقل بثقلها وفكرها وفعلها إلى المستوى الشعبي، ففيه تكمن قدرة الأمة على المقاومة بجميع أشكالها وأنواعها غير العنيفة. وبقدر ما تكون هذه المقاومة واسعة ومنظمة وفعالة، يكون تأثيرها فاعلاً في ترشيد الأنظمة الحاكمة وتصليب عودها من أجل التمسك بثوابت الأمة وهويتها وتماسك أجزائها في إطار كيانها القومي.
ويمكن القول إن هناك مشاهد رئيسية ثلاثة تتوزع عليها المواقف العربية من مشروع الشرق الأوسطية، وبخاصة في مجال الأمن:
1- يرى بعض القوى العربية أن تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي، على الرغم من أنها لم تبلغ خاتمتها بعد، قد ارتسمت معالمها واتضحت سبلها. وثمة حقيقتان لا تقبلان الجدل في رأي هذا البعض، أولاهما أن الصراع العربي - الإسرائيلي، وإن انتكس في بعض مراحل التسوية المقبلة، فإنه لن يعرف السلاح وسيلة لتحقيق أهداف الأطراف المتنازعة المتفاوضة. والحقيقة الثانية ان المتغيرات الدولية تفرض ذاتها وظروفها ووقتها، ولا مجال للتردد والانتظار. وكل تأخر عن التعامل مع تلك المتغيرات لا يعني سوى الخسارة للعرب والكسب لإسرائيل وغيرها من وحدات النظام الجديد. وليس أمامنا سوى أن نشترك في بناء المشروع الشرق الأوسطي، وصياغة هيكله، ونتعامل معه كأعضاء مؤسسين.
2 - وهناك قوى عربية، معظمها من شرائح المثقفين، ترى أن الوضع العربي الراهن لا يوفر أي إمكان للندية في التعامل مع مشروع الشرق الأوسطية، وسيكون الأمن القومي العربي، أو ما بقي من مفاهيمه وأطلاله، الضحية الأولى لذلك المشروع، حيث تطوى آثاره لتترسخ بديلاً منها هوية إقليمية جديدة بمفاهيم أمنية منبثقة من فلسفة المشروع وأهدافه وخطط صانعيه.
3 - والفئة الثالثة من القوى العربية تسعى للأم الصدع العربي، وتوفير حد أدنى من وحدة الموقف وتنسيق التعامل مع المشروع انطلاقاً من الحفاظ على الهوية والمصالح القومية، وبخاصة ما يتعلق بالأمن القومي، الذي يتحدد غرضه في الحفاظ على تلك الهوية والمصالح، وحماية السلم في المنطقة. وتدرك هذه الفئة أن الظروف ضاغطة لا تحمل الانتظار، وهو ما يوجب على الجانب العربي أن يعيد تكوين صفه ويؤلف موقفه.
ولنا أن نلاحظ أن بعض المثقفين والسياسيين العرب يتطوعون بإعلان سقوط كل الايديولوجيات، وفي مقدمها القومية العربية. في حين يحتفظ مفكرو الصهيونية بكل ثوابتهم ومضامين عقيدتهم، بل هم يستخدمون الانهيار الفكري العربي الذي جعل القومية وثوابتها وأهدافها شعارات خلفها الماضي البائس، ولم تعد تصلح للمرحلة الراهنة مع التطور العالمي، يستخدمون ذلك الانهيار من أجل مدّ سلطان أمنهم إلى أعماق وآفاق ومجالات جديدة، مستعملين وسائل جديدة، بعد أن كان السلاح الوسيلة الأهم أحياناً، والوحيدة أحياناً أخرى. إن إسرائيل في اختراقها المنطلق من عقيدتها الصهيونية، بسماتها الاستعمارية التوسعية، دخولاً إلى العقل العربي حيث تتقلص المفاهيم والوسائل القومية، وتعجز عن المواجهة، تؤكد أن الصراع العربي - الإسرائيلي مستمر في تفاعلاته وتحركاته، وإنما غير أدواته، من السلاح والذخيرة إلى الفكرة والسلعة والخدمة. ولنتذكر قول شيمون بيريز رداً على خصومه من الليكود: -إن هؤلاء يقيسون قوة إسرائيل بمساحة ما تستولي عليه من أرض، أما نحن فنقيس قوة إسرائيل بمساحة ما تسيطر عليه من أسواق-.
وليس عسيراً أن نلاحظ أن الكفة العربية في ميزان القوى الراهن في المنطقة، بمختلف مكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية والعسكرية، لا تؤهل النظام العربي للتعامل مع مشروع النظام الشرق الأوسطي، سواء كان سوقاً حرة، أم كان نظاماً إقليمياً شمولياً، أم كان شكلاً آخر بين هذين الحدين. وإذا ما دفع النظام العربي وهو في حالته الراهنة، المتصفة بالعطالة والشلل، إلى التعامل مع المشروع الذي لم يتجاوز حتى اليوم، في العلن، حد طرح الأفكار وحوار الأنداد، فإن الحصيلة لن تكون، على الأرجح، لمصلحة النظام العربي، بقدر ما ستكون لمصلحة الأطراف الأخرى، وبخاصة إسرائيل. وما لم يسرع النظام العربي إلى ترميم بنيته، وإحياء أجهزته ووظائفه، وتطبيق خططه في التكامل العربي في مختلف المجالات، وبخاصة في المجالين الاقتصادي والأمني، فإن ما يحتمل أن يتعرض له النظام العربي المعطل، سيكون تفريغه من محتواه القومي، وتوظيفه لغير ما أسّس له، وفي مواجهة ما سيفرض على الدول العربية من التزامات تنبع من البعد الأمني الشرق الأوسطي، وبخاصة ما يتعلق بتنازلات عن بعض مظاهر السيادة الوطنية لكل دولة، ينتصب السؤال التالي أمامنا: أليس من الأولى للدول العربية أن تقدم تلك التنازلات المطلوبة، التي رفضت أن تقدمها طوال خمسين عاماً، إلى بنية الأمن القومي، لتتمكن تلك البنية من مواجهة النظام الشرق الأوسطي، بما يضمن سلامة الأمة وحماية وطنها، وفيها سلامة كل قطر عربي والحفاظ على حدوده وأمنه.
فإذا ما ألقينا نظرة إلى هذا الوطن العربي المترامي الأطراف، وجدنا المخاطر الخارجية تتفاقم. فهناك النفوذ الأميركي المتزايد سياسيا و عسكريا واقتصاديا، وهناك الخطر الصهيوني الذي يزداد حدة، و الذي يرتبط بالسياسة الأميركية ارتباطا تاما، و هناك الاحتلال الأميركي للعراق و أخطاره الداهمة .
هذا من جهة، و من جهة ثانية، فإن هذه الأخطار تترافق مع وجود أخطار داخلية، لا تقل خطورة و من ذلك : أ- العمل على إثارة الصراعات الطائفية والاثنية، و استنزاف الجماهير في التطاحن الداخلي.
ب - : ترسيخ الحدود القطرية و الطائفية، لتصبح حدود أمم متنازعة، و تكوين فئات حاكمة في كل قطر، و كل طائفة، معادية لما هو قومي من جهة، و لمصالح الجماهير الشعبية من جهة أخرى.
ج – تدمير الاقتصاد الوطني، عن طريق ربطه بالعولمة الرأسمالية المتوحشة، و تحويله إلى اقتصاد و تصدير و خدمات.
د – توسيع دائرة التسوية الاجتماعي لدى الطبقات و الفئات الشعبية، و ربط قطاعات منها بأفكار و قيم معادية للقومية و التحرر و التقدم.
إلا أن الأخطر من هذا و ذاك، هو أن أغلبية القوى تبذل جهودها لتصفي الإحساس بهذه الأخطار الخارجية و الداخلية، و لتبدد مشاعر النقمة، ولتخلق شعورا عامرا بمشاغل أخرى متعددة. و هذا التحول الذي يجعل وطننا العربي تابعا أو شبه تابع، و يهدد أمننا القومي و وجودنا القومي،و بينما تحرص القوى العربية و الرسمية و -الشعبية- المتصارعة على تصعيد الصراع فيما بينها، فإنها لا تعطي كل هذا - الغزو - الإمبريالي السياسي و الاقتصادي و الثقافي و العسكري أي اهتمام يذكر. كيف حدث هذا التحول؟ لماذا حدث ؟ و ماذا يعني حدوثه ؟ إن كل ذلك لا يحظى باهتمام القوى السياسية، و لا يجد من يناقشه مناقشة واعية متأنية حتى في الكواليس.
و ها هو الرئيس الأميركي جورج بوش الذي يحتاج إلى أهل النفوذ والمال, و شبكات الضغط و بينها كبريات الشركات الاحتكارية داخل أميركا و خارجها، عموما، و غياب -الوجود- العربي الفاعل، يتكلم مع العرب عموما و الفلسطينيين تحديدا، بمنطق شارون واولمرت و يتبنى شروطهما فيفرضها علي الفلسطينيين، و لعل بين ما أغرى إدارة بوش و دفعها إلى هذا المنطق تبعثر العرب و غرقهم في دوامة الذعر من - أمير الانتقام - الأميركي، و انسحاقهم تحت الشعور بانعدام القيمة و التأثير و مبالغتهم في الإحساس بالذنب إزاء أحداث 11 أيلول ولقد ساهمت حالة التردي العربي إلي تهدد وحدة الوطن العربي، و الشعب وفتحت الأبواب للتغلغل الأميركي، و الغطرسة الصهيونية، في ظل القمع الرسمي، و حرمان الصحافة من دورها، و إخضاع الأحزاب و القوى السياسية، و تحريم حرية الرأي ، فقد غلبت الأنظمة العربية الثانوي على الرئيسي، و بالتالي فإن مصلحة الوطن، و مصلحة الشعب ليست هي الأساس، إن مواقف الأنظمة هذه و مواقف قطاعات من الأحزاب العربية و القوى الوطنية والإسلامية، أدى إلى الإشكالات التي نعيشها اليوم، في المشرق و المغرب. الأنظمة تتصارع بقوة، و تعمل لتهدئة الصراع مع الكيان الصهيوني, و يستنفر نظام على آخر، في الوقت الذي تفتح فيه كل الأنظمة، و إن بدرجات متفاوتة أبوابها للتفاهم مع الإمبريالية الأميركية. و قضايا الصراع الرئيسية تتحول ثانوية، أما القضايا الثانوية، فتتحول إلى قضايا صراع رئيسية. أليس واضحا أن الاتجاه إلى محاربة العدو الصهيوني ضعف كثيرا.

خـــــــاتــــــــــمة :
إن الأمم المستعبدة، والبلاد التابعة، كالأمة العربية والوطن العربي، تحتاج إلى بناء قوتها الذاتية لمقاومة الإمبريالية الأميركية، تلك بديهية لا تحتاج إلى برهان، والمضحك المبكي أن هناك اتفاقا عاما حولها، وإن اختلف المثقفون في مستوى وعي هذه القضية .
وان كان السؤال لماذا تحتاج الأمة العربية إلى بناء قوتها الذاتية في مواجهة مشاريع الشرق أوسطية؟
فالإجابة سقنا أسبابها آنفا ونضيف بأن هذه الأمة العربية لم تخضع إلا بسبب ضعفها وتخلفها وتبعيتها للغرب، وهي بالتالي لن تكسر الاستعباد الأميركي الصهيوني، إلا عندما تملك القوة اللازمة لذلك .
ومن هذا المنطلق، فإن تحررها مرتبط ببناء قوتها الذاتية، وإثبات القدرة على الانتصار. كيف ؟ إن ذلك لا يتم إلا عبر إعادة بناء الوعي السياسي العربي القومي و الديمقراطي على أساس الربط بين الإمبريالية الأميركية والصهيونية العالمية و الكيان الصهيوني، وعلى أساس صراع الأمة العربية مع معسكر العدو الرئيسي، الإمبريالية الأميركية التي تزداد توغلا وتوسعا في السيطرة على الوطن العربي، وتريد بناء نظام شرق أوسطي يتمحور حول قوة إقليمية واحدة هي الكيان الصهيوني. وهذه الترتيبات تقع في صلب الإستراتيجية الأميركية التي ترى أن هناك تماثلا في الوظائف السياسية بين البرجوازية الكمبرادورية العربية والكيان الصهيوني، اللذين يخضعان كليهما لذات الإيديولوجيا المدافعة عن الغرب الرأسمالي الإمبريالي، والمعادية لحركة الوحدة العربية، وتحاربان المعارضة العربية ،على اختلاف مرجعياتها الفكرية والسياسية.إن المدخل المنطقي والتاريخي، وربما المدخل الوحيد الممكن لاستنهاض الأمة العربية، واستعادة الشعب العربي إلى دائرة الفعل السياسي الراديكالي، هو المدخل الديمقراطي، وإعادة بناء الحركة السياسية العربية القومية الديمقراطية بالمعنى الحديث والعقلاني والتاريخي للكلمة، ويلعب المثقفون العرب، دوراً أساسيا، بل مفتاحاً في ذلك، كون أول شرط للانتصار على الإرهاب الأميركي – الصهيوني، يتلخص في بناء الحركة الشعبية، القادرة على حشد الجماهير ذات المصلحة، وبناء قواعدها السياسية المؤهلة لتحقيق الانتصار، والتي تعمل في الاتجاه المعاكس، تنمية القوة الذاتية، والعمل على بناء القوة القادرة على الانتصار .
ويعزز دعوتنا هذه الاتجاه السائد عند العرب، الذين ذلوا منذ اعتمادهم على قوة القوى الخارجية، من الأتراك، إلى السلاجقة الأتراك، إلى المماليك والعثمانيين، إلى الدول الأوروبية، وأخيراً إلى الإمبريالية الأميركية . وسيظل العرب أذلاء ما داموا يرون أوراق اللعبة بين باريس ولندن وواشنطن، ويلاحظ أن القوى العظمى، منذ بدء المسألة الشرقية، عودت قيادات الجماهير العربية المضطهدة أن تتظلم إلى ملوك هذه الدول ورؤسائها. ولقد أخذت هذه السياسة شكلا أكثر خبثا، بعد نشوء هيئة الأمم المتحدة، إذ صار بالإمكان أن يبدو التظلم، وكأنه تظلم مشروع إلى هيئة محايدة. وهذه السياسة هي سياسة الأقوياء، أي سياسة الإمبريالية الأميركية، التي تريد للضعفاء العرب أن يظلوا خاضعين وتابعين وأن يتبعوا الأسلوب الذي يجعل النتائج بيد الأقوياء دائماً .
ولذلك فإن الأسلوب الفردي الذي تتبعه معظم الدول العربية لحل مشكلاتها لم يحرر فلسطين ولا باقي الأراضي العربية الأخرى المحتلة، كما إن استفراد أمريكا في إدارة قضايا المنطقة واقتراح مشاريع التسوية فيها لن يخدم العرب ،لأن منطق السلام الأميركي لا يعكس الشرعية الدولية، ومبادئها، ولأن الموقف الأميركي من السلام الذي يمثل السياسة الخارجية الأميركية عمليا، يقوم على استعراض القوة والعظمة للإمبريالية الأميركية، وانتهاج إستراتيجية الحرب والحصار على الأقطار العربية المناوئة لسياستها وبخاصة فلسطين ، العراق، ولبنان ، وسوريا، والسودان أي الأقطار العربية التي تعاني من الحصار الأميركي الظالم، باعتباره وسيلة من وسائل تنفيذ سياسة القوة والعدوان وإرهاب الدولة، ولم تثبت الإمبريالية الأميركية إنها معنية بمكافحة الإرهاب بل إنها هي التي تمارس الإرهاب الدولي من أجل اقتسام العالم، ونهب ثرواته الطبيعية، كما هي الحال بالنسبة للنفط العربي، وإبقاء الأمة العربية خاضعة وتابعة , وخوض الحرب ضد أفغانستان والعراق من أجل السيطرة على النفط وضمان امن إسرائيل.
أما الهيئات الدولية، ومنها الأمم المتحدة، فإنها منبر خطابة لا أكثر، تحكمه الدول الخمس الكبرى، وتتحكم به سياسة حكومة الولايات المتحدة الأميركية، وإذا كان بالإمكان إلغاء خطابات مزعجة لممثلي الإمبريالية، فإنه ليس ممكنا اتخاذ قرارات مزعجة، أو قرارات تغيير موازين القوى لمصلحة الأمم الخاضعة التابعة، إلا عندما يميل ميزان القوى ميدانيا لمصلحة هذه الأمم .لذا فعلي العرب المعنيين بمحاربة الإرهاب الأميركي – الصهيوني، عليهم أن يعملوا على بناء القوة الذاتية العربية، قوة الجماهير العربية المنظمة وفي تنمية هذه القوة يجب أن نخوض الصراع الإيديولوجي والسياسي ضد خط الاعتماد على الخارج، لأنه الخط الاستسلامي الرئيسي في السياسة العربية الرسمية وغير الرسمية إنه خط الأنظمة التابعة والقوى المستسلمة، خط التجار والسماسرة وخط الوجاهات السياسية والإيديولوجية المرتبطة بالسياسات الدولية، وستظل القوة الرئيسية في مواجهة الإرهاب الأميركي الصهيوني ومشاريع الشرق أوسطية، هي قوة الجماهير العربية، وقواها المنظمة المصممة على تحقيق أهدافها.

++++++++++++++++++
قـــائــمة المـــراجع:
1. أسامة خالد، المستقبل العربي في العصر الأمريكي، مركز القادة للكتاب والنشر، 1992.
2. إسحاق الشيخ ، مرة أخرى، التغيير ومشروع الشرق الأوسط، صحيفة الأيام، 10 أكتوبر 2004م.
3. اوغسطين نورتون، ترجمة فريد عسلية، الأمن في الشرق الأوسط توجهات جديدة، المجلس الفلسطيني للعلاقات الخارجية، غزة، 1999.
4. باسكال بونيفاس، ترجمة احمد الشيخ، الحرب العالمية الرابعة، المركز العربي للدراسات الغربية، القاهرة ،2005.
5. تقرير التنمية البشرية العربي، أعوام 2002، 2003، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2003.
6. حامد ربيع، نظرية الأمن القومي العربي والتطور المعاصر للتعامل الدولي في منطقة الشرق الأوسط، دار الموقف العربي، القاهرة 1984.
7. حسين معلوم ، التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط ، ملحق جريدة صوت العرب، القاهرة، 22 كانون الثاني 1995.
8. حواس محمود، الأمن القومي العربي بين النظرية والواقع ،الحوار المتمدن - العدد: 1434 - 2006 / 1 / 18 ،http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=55040
9. رجيه غارودي، أمريكا طليعة الانحطاط، ترجمه عمرو زهيري، دار الشروق ، 1999.
10. زكريا حسين-أستاذ الدراسات الإستراتيجية، المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية –مصر، موقع التجديد العربي.
11. الشرق الأوسط في الشؤون العالمية ، ترجمة جعفر خياط ، بغداد ، 1994.
12. شمعون بيرس، الشرق الأوسط الجديد، دار الجليل , عمان _ الطبعة الأولى 1994.
13. شوقي جلال ، العقل الأمريكي يفكر، مكتبة مدبولي ، القاهرة، 2002 .
14. صخر أبو نزار، إستراتيجية التوتر الدائم. مجلة الصداقة، العدد الأول ،11/12/1986.
15. طلعت أحمد مسلم، الوجود العسكري الأجنبي في الوطن العربي، منشورات مركز دراسات الوحدة العربية، .1994
16. عبد المنعم سعيد، العرب و11 سبتمبر، الإعمال الفكرية، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2003.
17. عبد المنعم سعيد، جمال عبد الجواد سلطان، العلاقات الفلسطينية العربية ومفهوم الأمن القومي العربي،، مركز الدراسات الإستراتيجية والسياسية في مؤسسة الأهرام ، ،منتدى الفكر والحوار الوطني، 2002
18. عبد المنعم السيد علي، البعد الاقتصادي للنظام الشرق أوسطي، مجلة آفاق عربية، السنة (19) ، تموز – آب 1994.
19. عبد المنعم المشاط، نظرية الأمن القومي العربي المعاصر، دار الموقف العربي القاهرة، 1989.
20. عمر عبد العزيز عمر ، دراسات في تاريخ العرب الحديث، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1984.
21. علي الدين هلال، الوحدة والأمن القومي العربي، السنة الثانية، العدد 11،12 سبتمبر 1979.
22. عوني فرسخ ، الشرق الأوسط الجديد و تحديات الحاضر و احتمالات المستقبل، صحيفة المجد الأردنية، 12 أيلول /سبتمبر 1994.
23. غازي فيصل حسين، التطورات الشرق أوسطية أبعادها وانعكاساتها على المنطقة العربية ، مجلة آفاق عربية ، السنة (20) ، آذار – نيسان 1995.
24. كونداليزا رايس ، تأملات في التحول المنتظر بالشرق الأوسط ، جريدة الاتجاه الآخر 20 أيلول 2003.
25. محمد دلبح ، بوش يتراجع عن تعهده بدمقرطة الشرق الأوسط ، جريدة الدستور الأردنية ، 28 كانون الثاني 2004 .
26. محمد جمال باروت ، مفهوم الأمن القومي في عالمٍ يتغير 24/5/2003
http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI0=1142
27. محمود علي ألد أؤد، الأبعاد السياسية للنظام الاقتصادي الشرق أوسطي، مجلة آفاق عربية ، بغداد ، السنة ( 19 ) ، تموز – آب 1994 .
28. مجموعة مفكرين، الإمبراطورية الجديدة وبعض تحديات العصر، ترجمة مازن الحسيني، دار التنوير للنشر والترجمة، رام الله، 2005.
29. مركز الدراسات الإستراتيجية بجامعة تل أبيب، التوازن العسكري في الشرق الأوسط ، ترجمة نبيه الجزائري، دار الجليل للنشر، عمان، 1984.
30. مقررات مؤتمر هرتسليا، مؤسسة ناشد للعلوم والثقافة، غزة، 2004.
31. مكسيم رودنسن، إسرائيل واقع استعماري، ترجمة إحسان الحصني- مراجعة أنطون مقدسي, منشورات وزارة الثقافة و السياحة و الإرشاد القومي في سورية, الطبعة الأولى 1967.
32. موقع التجديد العربي، البيان الختامي والمقررات والتوصيات الصادرة عن المؤتمر القومي العربي الخامس عشر، بيروت في: 23/4/2004، http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI
33. ميشال بوغنون موردان، أميركا التوتاليتارية الولايات المتحدة و العالم : إلى أين. قدم له بيار سالينجر، ترجمة خليل أحمد خليل ، دار الساقي ،2002 .
34. نعيم الأشهب ومازن الحسيني، مشروع الشرق الأوسط الكبير اعلي مراحل التبعية، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، 2005.
35. هاني الهندي، حول الصهيونية و إسرائيل, دار الطليعة ، بيروت، 1971.
36. هيثم الكيلاني، مشروع النظام


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013