جنيف 4 عندما يتكلم الميدان بلغة الدبلوماسية التقارير والمقالات | جنيف 4 عندما يتكلم الميدان بلغة الدبلوماسية
تاريخ النشر: 06-03-2017

بقلم: الدكتور نواف ابراهيم
أهم نتائج محادثات جنيف الأخيرة ، أنه لقاء لا ورقة ولقاء لا نتائج لصالح الوفد الحكومي لسوري ، لأن القضية السورية في حقيقة الأمر عادت إلى المربع الأول ، ولا نقصد هنا مربع الضياع وخلط الأوراق في الميدان.
وعلى الجبهة السياسية الدبلوماسية الذي شكلته قوى المحور المعادي للدولة السورية ،لا أبداً ،  فالقضية السورية هي القضية اليتيمة عبر التاريخ التي تخطت كل الأرقام القياسية في المربعات التي تموضعت فيها جميع القوى الدولية والإقليمية والمحلية سواء بشكل خفي مستتر بستارات وشعارات واهية تخفي ورائها مخططات جهنمية مدمرة للدولة وقاتلة للشعب وهويته الثقافية والحضارية والاجتماعية والإنسانية والتاريخية التي يرتكز عليها في كيانه ووجوده.
كانت ومازالت هذه القوى تحاول أن تعيد الملف السوري إلى مربعه الأول ، المربع الذي رسمته القوى الخفية والظاهرة ، كانت تحاول أن تضع الدولة السورية في هذ المربع المشؤوم مع كل تطور يتم تحقيقه نحو الحل السياسي، ولكن وفق أجنداتهم ومخططاتهم التي تحفظ لهم ماء الوجه في كل مرة قبل مصالحهم التي باتت في خطر ،جراء ما يحققه وحققه الجيش السوري من انتصارات كبيرة وخاصة بعد تحرير حلب، المعركة التي قلبت كل موازين القوى ، ومن بعدها تحرير مدينة تدمر الأثرية  ، وإعادة السيطرة على مناطق استراتيجية في الشمال ، في مدينة الباب و منبج ، سواء بالجهد العسكري الميداني الخالص،  أومن خلال تسلم مناطق أخرى من قوات "قسد" كنتيجة طبيعية
لتفوق الجيش السوري في ساحات القتال وما ورائها ، ما أعطى الفرصة الكبيرة للجيش السوري بأن يشكل حاجزاً منيعا أمام قوات درع الفرات المدعومة تركياً ومنعها من أي تقدم ، ما وضع التركي في مأزق حقيقي بين المد والجزر الذي لا ينفع ، عدا عن الإحراج الكبير الذي وقع فيه الأمريكي ، الذي يقود ويدعم ويحرك قوات سورية الديمقراطية التي شلت بشكل شبه تام وباتت عاجزة عن التحرك يمنة ويسرى كما كان مخططا لها ، ومن هنا يمكن أن نفهم الذي جرى يوم أمس من استخدام أسلحة متطورة ضد الطائرات السورية التي تقصف الإرهابيين في إدلب وحلب بغض النظر عن أنها هي بالفعل من أسقط طائرة "الميغ" السورية أثناء قيامها بمهامها ،والتي سقطت في الأراضي التركية ، مع التنويه  إلى أن الدولة السورية لم تؤكد الخبر الذي نشرته المجموعات الإرهابية حول إسقاط الطائرة ، والذي حدث بسبب عطل فني حسب التصريحات السورية الرسمية ، ولكن استخدام صواريخ مضادة للطائرات في هذا الوقت بحد ذاته تطور خطير ينم عن الألم الذي أصاب رعاة الإرهاب.
حوصرت هذه القوى التي أرادت بشتى الوسائل أن تحقق أي مكسب في الميدان يعطيها فرصة للتحرك والتموضع  الذي يحقق لها  خرقاً يشكل مسنداً لمن يمثلوهم  في محادثات جنيف ، التي وضح فيما بعد سبب شدها ومطها لكسب الوقت اللازم ، فكانت الضربة شبه القاضية لكل قواعد الاشتباك الميداني والسياسي لصالح الدولة السورية ، ومن هنا نرى أنه بالفعل عادت سورية إلى المربع الأول ، ولكن المربع الذي يخدم مصلحة الدولة السورية وحلفائها ، في أن عاد دي مستورا مجبراً  ومن معه إلى البرنامج الذي طرحته أصلاً الحكومة السورية منذ البداية لحل الأزمة ، وقدمته بأشكال متعددة في جلسات ولقاءات مختلفة  ، ولكن لم يلقى أذانا صاغية ، لأنه في الحقيقة لم يكن الهدف النظيف الذي كانت تتبجح به قوى المحور المعادي للدولة السورية  ، كان الهدف هو النيل من سورية ، وحشرها في زاوية لا تستطيع التحرك فيها إلا بما تعطيه هذه القوى من مجال يجعلها المتحكم الأساس في أي تطور ، وهذا ما ظهر هذا جلياً في الورقة التي قدمها الجانب الحكومي السوري ، ورقة الثوابت الوطنية التي صرحت الدولة السورية بأنها لن تتخلى عنها بأي ثمن ، ليعود دي مستورا ويقدم من خلال مستشاره البروفيسور فيتالي نعومكن ورقة لا ورقة هكذا أسموها ، وفي هذه اللاورقة توجد في حقيقة الأمر كل المفاصل التي أكدت عليها الحكومية السورية منذ البداية لتكون أساس الحل السياسي  ، مع التنويه إلى بعض التعديلات ، التي تمت إضافتها بدهاء فني وقانوني ، من قبل الأطراف الأخرى لعلها تمر دون أن يتوقف عندها الجانب الحكومي السوري بما أن جميع الأطراف وبنسب متفاوتة قد توافقت عليها ، ماعدا وفد الرياض الذي مازال يعيش في عالم الأحلام كأحلام "ألس في بلاد العجائب".
في الوقت الذي لا يقرأ فيه أصلاً الطرف الآخر أو بعضه حتى الوثائق ومقررات وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية التي يعتبرون أنفسهم مدافعين عنها ، فقد ألح الدكتور بشار الجعفري في مؤتمره الصحفي في ختام المحادثات وقال: لم يتم تحقيق أي شيء جديد سوى الاتفاق على جدول الأعمال ، وأن الشيء المهم هو إدخال سلة مكافحة الإرهاب كما يحلو للسيد دي مستورا أن يسميها ، والتي رفضها بشكل قطعي وفد الرياض ، أو رفض إدخالها في جدول الأعمال ، حيث أن المتحدث الإعلامي باسم وفد هيئة المفاوضات العليا كان قد قال أن هذا البند غير موجود في قرارات الأمم المتحدة ، علماً أن الأمم المتحدة اتخذت ثمانية  قرارات في مجلس الأمن وبالإجماع على مكافحة الإرهاب على مستوى القضية السورية و 51 قراراً منذ تأسيسها ، ما يعني ذلك أنها قضية دولية وغير محصورة بدولة ما ، وهذا الأمر أصلاً مذكور في القرار 2254 في البند الثامن "انتهى الاقتباس"
ما يعني ويؤكد أن وفد الرياض الذي يدخل في عداده قادة من جبهة النصرة قتلوا وذبحوا ودمروا قرى بأكملها في مناطق مختلفة من الجغرافيا السورية وعلى وجه الخصوص في درعا واليرموك وغيرهما ، وهذا ما قدمه الدكتور الجعفري بالدلائل إلى دي مستورا وفريقه ، حول أن المحادثات التي تجري لا تخلوا من الإرهابيين ومجرمي الحرب الذين من المفروض أن يحاكموا ، لا أن يعطوا الفرصة لإجراء المساومات تحت ستار المحادثات لتحقيق أجندات دولية وإقليمية عجز أصحابها ومشغليها عن تحقيقها ، أو تمرير أي مكسب في الميدان ومارافقه سابقاً من محاولات أمريكية بريطانية لوضع سورية في خانة اليك تحت عنوان عقوبات جديدة على دمشق وإعادة ملف استخدام الكيماوي إلى الواجهة بدون أدنى حد من الدلائل، حينها كانت العين الروسية والصينية محدقة في عين الواقع ، وكان حق النقض الفيتو في المرصاد بيدين روسية و صينة  قطعتا الشك باليقين ،فكان خيار تلك القوى المناوئة للحل السياسي والسلام أن تدعم التوجه السائد من قبلها نحو الاحتيال على المجتمع الدولي وعلى القوانين والشرائع الدولية التي تقتضي بمحاربة الإرهاب والإرهابيين لا إجراء المحادثات معهم تحت أي اعتبار كان.
وبالعودة إلى نتائج محادثات جنيف نرى أن الوفد الحكومي السوري حقق بالفعل انتصارا سياسيا كبيرا يوازي بالاتجاه الانتصارات الميدانية ، ويعادلها في قوة الدفع نحو الحل السياسي، وإجبار جميع الأطراف المتداخلة في الأزمة السورية على السير نحو الحل السياسي ، وفق ما رسمته ورقة الثوابت الوطنية بحذافيرها وبما يتوافق مع مقررات وقرارات الشرعية الدولية ، التي حاولت هذه القوى أن تحتال على نصوصها،  في  حشر الوفد الحكومي السوري ومن معه من حلفاء في زاوية الوقت الضائع لتحقيق أي مكسب في ظل اقتراب لقاء الرئيسين بوتين وترامب،  وعلى وقع تسارع الأحداث بكل تفاصيلها بما فيها نية الأمين العام للأمم المتحدة  عدم التمديد للمبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا ، الذي لم يعد يهمه على المستوى الشخصي سوى أن يؤمن لنفسه خروجاً آمنا يضمن له مستقبلاً سياسيا جديد في الاتحاد الأوروبي، بات يسّوق له في محادثات جنيف بشكل مخالف وسافر لأصول العمل الدبلوماسي والسياسي محاولاً أن يقحم  في جدول أعماله أحقية الاتحاد الأوروبي في إعادة إعمار سورية ، وبالطبع فشل في هذه المهمة فشلاً ذريعاً ، عندما استطاع الوفد الحكومي السوري أن يعيد الجميع إلى المربع الأول وهو المربع السليم الذي في تكمن كينونته روح الأزمة السورية ،و يجبر جميع الأطراف على احترام سيادة الدولة السورية ، واستقلال قرارها بعيداً عن التدخلات الخارجية ، مهما طعنت أذرعها الإرهابية الصرفة ، والإرهابية التي ترتدي لبوس الإنسانية ،  ولهفة المدافع عن الوطن المذبوح  لتطعن في روح المحادثات أو تشكل عامل ضغط كبير ودموي على الجبهة الداخلية السورية لكن هيهات.
إذا المنطقة باتت كلها على صفيح أسخن من الساخن في ظل هذا  الوضع المتشابك والمعقد ، والذي لا يفهم كنهه على قدر ما يفهمه الطرف الحكومي السوري الرسمي وحلفائه  ، وصولا الى الحصار الذي وقعت فيه هذه القوى المارقة في ساحة المواجهات الميدانية ، وفي ساحة المواجهة السياسية والدبلوماسية ، ولم يبقى هنا إلا خطوات دقيقة ترسم معالمها دقة التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي للمواجهات الميدانية ، والخط البياني للعمليات العسكرية للجيش السوري وحلفائه ، على كافة الجغرافيا السورية وعلى نقاط التماس على حدودها المغتصب بعض منها بقوة الظرف لا بقوة الموقع والموقف أو قوة القانون الذي انتهك بشكل سافر وخاصة على الحدود التركية السورية ، وهذا مربع آخر له حينه ووقته في المرحلة القريبة القادمة.
وكما قلنا في ضوء هذا التطور والتعقيد نرى سيناريو الهجوم المكثف لإحداث الخرق المطلوب لإنقاذ ما تبقى من مشاريع مسبقة الصنع ، تكسرت في كل ميادين القتال ، يقابله حنكة ودهاء سياسي دبلوماسي سوري يدعمه الحلفاء ويفتحون مساحة أمامه مساحة أكبر للمناورات التي تمكنه من التموضع المطلوب في المكان الصحيح في هذه اللحظات الدقيقة  مدعوماً بصبر منقطع النظير عرّى جميع أطياف المعارضة التي تخدم أجندات خارجية ، وعلى رأسها وفد الرياض ، وأحتوى ولو على صعيد التصريحات التي جاءت على لسان رئيس الوفد الحكومي السوري الدكتور بشار الجعفري باقي المنصات التي لم تعد قادرة إلا على خفض جناح الذل ، ورفع الصوت عالياً نحن جاهزون للحوار المباشر مع الحكومة السورية ،  قبل أن يفوت الأوان وتصبح هذه المنصات  في عداد الأهداف غير المحسوبة في الوقت الضائع من آلة الزمن المتسارع نحو اتفاق أو توافق دولي إقليمي، لا يوجد أمامه أي خيار آخر سوى الإذعان لصوت الحل السياسي ، الذي يعطي بالفعل الحق للشعب السوري تقرير مصيره بما تضمنه له كل الشرائع والقوانين الإنسانية والأخلاقية ، التي تعتبر الركيزة الأساسية لشرائع المجتمع الدولي الغارق في دماء الشعوب ، التي يتبجح في الدفاع عنها وعن حقها في العيش وتقرير المصير .
نعم وبشهادة كل عاقل ومتابع قد أدى الوفد الحكومي السوري واجبه على أكمل وجه وبقي الأمر مرهون بهذه التوافقات ومدى جديتها بين الأطراف ، وبالدرجة الأولى يتوقف الرهان الباهظ الثمن والمدفوع مسبقا،  على الشعب السوري صاحب أكبر فاتورة دماء في تاريخ البشرية ، لقول كلمته بناء على هذه الأسس التي ضمنها له العقل السياسي الدبلوماسي المدبر أحسن تدبير للقيادة السورية ومن معها من حلفاء الميدان والجبهة السياسية والدبلوماسية ، ولم يكن إخطار الرئيس فلاديمير بوتين لنظيره الكازاخي نور سلطان نزارباييف عبر اتصال هاتفي بأن المعارضة السورية ترغب بعقد جولة جديدة في أستانا إلا إشارة هامة لا يمكن أن تفهم من طرف المعارضة  إلا على أنها نحن جاهزون لانطلاقة الحل السياسي.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013