عن أبرز التحديّات القريبة المقبلة للحرب الإسرائيلية على غزة المقاومة القانونية | توثيق جرائم الصهيونية | عن أبرز التحديّات القريبة المقبلة للحرب الإسرائيلية على غزة
تاريخ النشر: 16-11-2023

بقلم: أنطوان شلحت

تستمر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لليوم الـ 38 على التوالي، والتي جرى شنّها في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع قطاع غزة، وعلى ما يعرف باسم"بلدات غلاف غزة"، يوم 7 تشرين الأول الماضي. ولعلّ أول ما يصادفنا في مجرى إجمال ما تراكم حتى الآن هو عدم وجود تفاوت كبير بين مختلف المحللين العسكريين والمختصين في الشؤون الأمنية في قراءة تحديّاتها القريبة المقبلة التي سنتوقف عند معظمها في هذه المقالة.

إن أبرز هذه التحديّات تم التطرّق إليها في الأيام الأخيرة من جانب أغلب المحللين والمختصين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين، وذلك على نحو يمكن أن نختصره في العرض التالي:

أولاً، تحدّي الجبهة الشمالية التي ما زال حزب الله يقوم فيها باستنزاف الجيش الإسرائيلي من خلال معارك يومية مع قواته، تسببت حتى الآن بإبقاء "بلدات خط التماس" فارغة من سكانها. ويقرّ معظم المحللين والمختصين الإسرائيليين بأن مستوى تحدّي حزب الله في الميدان يرتفع أكثر فأكثر، ويتضمن استخدام مُسيّرات مزوّدة بمتفجرات، وصواريخ تحمل كميات كبيرة من المتفجرات، وفي المقابل رفعت قيادة الجيش الإسرائيلي مستوى الردّ في الجبهة الشمالية، وهي تضرب عدداً أكبر من الأهداف، وليس فقط خلايا مضادات الأسلحة المدرعة. ويشير البعض إلى أن التقديرات السائدة في إسرائيل بأن حزب الله غير معنيّ بالدخول في حرب كبرى في الشمال (يبدو كذلك أن إسرائيل ليست معنيّة فيها أيضاً) لا تعني أن مثل هذه الحرب لا يمكن أن تندلع. وهذا البعض يؤكد أنه من أسبوع إلى آخر يمكن بوضوح رؤية أن ثمة تصعيداً تدريجياً في حجم المواجهات العسكرية في منطقة الحدود اللبنانية، ويمكن أن تزادد كلما تواصل القتال في قطاع غزة.

ثانياً، التحدّي الذي يسميه أغلب المحللين "معالجة موضوع المستشفيات" ولا سيما مستشفى الشفاء في مدينة غزة الذي يوصف في هذه التحليلات بأنه "يشكّل مركز أعصاب حركة حماس، سواء من ناحية عسكرية أو من ناحية سلطوية"، ولذا فهو هدف معلن للمناورة البرية الإسرائيلية التي بدأت منذ أسبوعين. ووفقاً لبعض التقارير، فإن عشرات آلاف المواطنين والمواطنات ممن هم حول المستشفى قاموا بإخلائه، وبقي بضع مئات منهم فقط. ويقوم الجيش الإسرائيلي بتضييق الخناق على المستشفى بهدف رفع ظروف العملية العسكرية إلى الحد الأقصى في ظل امتناعه عن الوقوع في ما يسميه المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"" بـ"كمين شرعية"، أي تنفيذ عملية تزيد من حدّة الضغط الدولي على إسرائيل وقد تؤدي إلى وقف المناورة البريّة كلها. وبرأي هذا المحلل فإن الكلمتين الأساسيتين، بموجب الصيغ التي يستخدمها الجيش في هذه الحرب، هما "ببطء" و"بحذر".

ثالثاً، إن موضوع المستشفيات يقود إلى التحدّي الثالث وهو الوقت المُتاح لإسرائيل كي تستمر فيه بشن الحرب على القطاع وسكانه. وفي هذا الشأن يجري التركيز على جانبين: الأول، اقتراب فصل الشتاء الذي يتضمن هطول المطر مع ما يعنيه ذلك من تقييد لنشاط سلاح الجوّ بدايةً، وكذلك الحدّ من نشاط القوات البريّة نظراً للسيول واحتمال فيضان المجاري وانتشار الأمراض. والثاني، أن من شأن فصل الشتاء أن يفاقم الأزمة الإنسانية التي بدأت تحتل مكاناً في أوساط دول أيدت إسرائيل بلا تحفظ في بداية الحرب (الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مثلاً، الذي حذّر على استحياء من المسّ بالنساء والأطفال). كذلك يُشار إلى أن هناك شكوكاً كبيرة فيما إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن سيقبل الدخول في كانون الثاني المقبل إلى حملته الانتخابية، "وعلى كتفيه صورة كارثة إنسانية في قطاع غزة، وهي منذ الآن تؤدي إلى تدني شعبيته"، على حد تعبير أحد المحللين. وبحسب محلل آخر، سرّبت الإدارة الأميركية عبر وسائل إعلام في الولايات المتحدة أن وقت إسرائيل في الحرب بشكلها الحالي محدود، وأن كل ما لديها هو أسبوع أو أسبوعان بالحدّ الأقصى من أجل وقف إطلاق النار في غزة. وفي قراءته "يبدو الجيش الإسرائيلي معزولاً عن العالم عندما يتحدث عن أن الحرب ستستمر شهوراً طويلة"!

رابعاً، التحدّي الدائم المرتبط بمدى تحقيق الأهداف التي وضعتها إسرائيل لهذه الحرب. ومثلما كتب المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، فإن أول أهداف الحرب، كما تم تحديدها للجيش الاسرائيلي عند البدء بشنها،هو تدمير القدرة العسكرية والبنى التحتيّة السلطوية لحركة حماس. وبالنسبة إلى الوضع النهائيّ المطلوب الوصول إليه (بعد أن تضع الحرب أوزارها) ورد ما يلي: "ألا يشكّل قطاع غزة أي تهديد أمني (لإسرائيل) لفترة طويلة". ومطلوب من الجيش أيضاً، برأي المحلل نفسه، أن يعزّز الشعور بالمناعةالوطنية لدى سكان إسرائيل، وأن يعيد الشعور بالأمان لدى سكان منطقة "غلاف غزة"، وأن يرسّخ مناطقأمنية عازلة في القطاع، وأن يوجد ظروفاً لإعادة المختطفين، وأن يحقّق الردع وإظهار القوة في كلالجبهات والاستعداد لإمكانية التصعيد في المنطقة الشمالية. وهو يؤكد أن هذه لغة مهنية وموضوعية، ربما أكثر من الخطاب العلني الحربيّ الذي يتبناه المستوى السياسي. أما رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هليفي، فيفضل التحدث عن تفكيك حماس من قدراتها، ولكنه في الوقت عينه يحاذر توزيع الوعود بشأن محو قوتها العسكرية، ومع ذلك يؤكد محلل "هآرتس" أن هذا الهدف (تفكيك حماس من قدراتها) طموح للغاية، فضلاً عن أن القدرة على تحقيقه تبقى مرهونة بثلاثة أمور هي: 1. استخدام قوة عسكرية فعالة، و2. تخصيص فترة زمنية طويلة بما فيه الكفاية، و3. القدرة على معالجةمناطق جنوب القطاع أيضاً حيث أن إمكان المسّ بحماس ضئيل نسبياً في أعقاب انتقال السكان المدنيين.

عند هذا الحدّ وقبل أن تنتقل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى جنوبه (وهو ما تعهّدت إسرائيل به على لسان كبار مسؤوليها السياسيين والعسكريين) يؤكد عدد من الجنرالات السابقين، وفي مقدمهم غيورا أيلاند، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان")، ويسرائيل زيف، القائد السابق لـ "فرقة غزة"، أن الهدف القريب الذي ينبغي بهذه الحرب أن تحقّقه هو التأدية إلى انهيار معقل حماس في شمال القطاع. ويضيفون أنه حتى لو حدث هذا، وربما يحدث قريباً، فإنه سيشكل "نصف العمل المطلوب"، وذلك في ضوء التقدير الموجود لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن نصف قوات حماس موجود في الجزء الجنوبي من قطاع غزة ويسيطر عليها. وهذه القوات لم تتعرض للهجوم إلا نادراً، لذلك هي تحافظ على قدرتها وروحها القتالية. وينطبق هذا على قيادة حماس. وفي هذا الصدد يُشار إلى 3 تحديات إضافية: الأول، الضغط الدولي. فليس سراً أن الولايات المتحدة كانت تريد انتهاء الحرب في غزة في أقرب وقت ممكن، وكلما ازدادت الصور القاسية الآتية من هناك، كلما ازداد الضغط. ثانياً، تنجح إسرائيل في العمل بـ "حُرية نسبية" في شمال القطاع، لأنها نجحت على حد رأيهما في إقناع 70 بالمئة من السكان بالتوجه إلى الجنوب. وعندما ستعمل في جنوب غزة، سيكون هناك نحو مليوني إنسان، هم مجموع سكان الجنوب الذين ليس لديهم مكان يذهبون إليه، و900 ألف نسمة من سكان شمال القطاع. وسيصبح عدم المسّ بالمدنيين الصعب حالياً مستحيلاً. ثالثاً، عامل الوقت، فما دام القتال مستمراً، فإن النار ستستمر في الشمال أيضاً، وفي المنطقتين، ولا يمكن البدء بالحديث عن عودة السكان. بالإضافة إلى ذلك، هناك نحو 300 ألف جندي إسرائيلي في الاحتياط، والتكلفة الاقتصادية لذلك ضخمة وتتصاعد.


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013