ككلّ حلّ يتمّ الوصول اليه بالتفاوض المباشر او غير المباشر، فإنّ تفاهم تقاسم الثروة البحرية من نفط وغاز بين لبنان والكيان المحتلّ لفلسطين، ككلّ حلّ تفاوضي فإنّ هذا الحلّ الذي تمكن الوسيط الأميركي المزدوج الجنسية (إسرائيلية وأميركية) من الوصول إليه لم يعطَ أيّ طرف من المعنيين كلّ مطالبه او ما يظنّ أنها حقوقه ومصالحه. لذلك كان الحلّ التفاوضي هذا عرضة للنقد والتهشيم والهجوم من قبل بعض جمهور الطرفين اللذين دخلا الى المشهد من باب ما لم يعطَ او من باب ما لم يتمّ الحصول عليه وفقاً لقواعد القانون الدولي وما فيه من أنظمة ومبادئ وأهمّها قانون البحار واتفاقيات ترسيم الحدود البحرية. ومع هذا وحتى يكون التقييم منصفاً وعادلاً يجب النظر الى ما تمّ الوصول اليه عبر هذا الحلّ التفاوضي بعيداً عن الاستعراضات الإعلامية والعنتريات التي لا تستند الى ما يبررها. ولأخذاً بالاعتبار لكلّ ما تقدّم فإننا نسجل في هذا الأمر الملاحظات التالية:
ـ في طبيعة الحلّ: رغم أنّ كلمة اتفاق او اتفاقية وردت في النص المكتوب المتضمّن للحلّ المبحوث فيه أكثر من مرة، ورغم انّ رئيس الجمهورية اللبنانية العماد عون استعمل في إعلانه الرسمي عن الحلّ ومساره، استعمل عبارة اتفاق واتفاقية، فإننا نعود ونؤكد على ما كنا اعتمدنا من تصنيف قانوني لهذا الحلّ ونقول إنه حلّ رضائي سكب في قالب تفاهم بين طرفين من أشخاص القانون الدولي لا يعترف أحدهما بالآخر ولا يقبل فكرة الإقرار بوجوده، وتالياً لا يقّر له بحقوق نهائية إذ كيف يعترف بحقوق لمن لا يعترف له بوجود. ولذلك جاء الحلّ مختلفاً عن اتفاقية الهدنة ١٩٤٩ وبعيداً جداً عن اتفاقية ١٧ أيار ١٩٨٣ التي اعترفت واقعاً بـ «إسرائيل» ومنحتها مكاسب أمنية واسعة جاءت بمثابة قيود على لبنان في ممارسة سيادته، وفيها وقع لبنان والعدو على نص واحد شهد عليه الأميركي دون تدخل من الأمم المتحدة، أما الحلّ الذي نحن بصدده فقد كان ثمرة تفاوض غير مباشر عبر طرف ثالث هو الوسيط الأميركي وسكب في قالب رسائل سيوقعها كلّ من لبنان و»إسرائيل» كلّ على حدة وستودع الأمم المتحدة وتمّ اختيار الولايات المتحدة الأميركية وليس القضاء الدولي مرجعية لفضّ النزاعات، ولم يعطَ هذا المرجع الأميركي ايضاً صفة الحكم او المحكم ذي القرارات التحكيمية القاطعة والملزمة وفقاً لقواعد التحكيم الدولي، ما يعني أنّ هناك وعياً من قبل جميع المعنيين أنّ هذا ليست له مفاعيل قانونية صريحة او ضمنية تنسحب على مسائل الاعتراف والإقرار بالوجود القانوني. وعليه نؤكد انّ هذا الحلّ هو تفاهم حول أمر محدّد هو استثمار النفط والغاز بين لبنان و»إسرائيل» وما يضمن استعمال هذا الشأن دون أن يتعدّاه الى ما لا علاقة به بشكل أصلي أو جوهري.
ـ ضمان التنفيذ، انّ من الأسئلة المحقة التي تُطرح هو من يضمن التنفيذ خاصة أنّ أحد الأطراف بالتفاهم هو عدو اشتهر بالمكر والخداع والانقلاب على التعهّدات والالتزامات، ثم أنّ الضامن النظري هو حليف لهذا العدو لا بل متبنّ لكلّ ما يريد. وهنا نختصر ونقول انّ من فرض هذا الاتفاق هو من سيفرض الالتزام به وتنفيذه. وهنا نوكد بأنّ التفاهم سيكون قائماً ونافذاً ويطمئن لبنان الى تنفيذه طالما انّ المقاومة موجودة وجاهزة على سلاحها تفرض معادلات الاستثمار المتبادل او التعطيل والتجميد المتبادل للثروة، وهنا سيعلم الجمع انّ هناك وظيفة استجدّت للمقاومة اليوم هي وظيفة حماية الثروة البحرية للبنان وضمان استثمارها، وظيفة ثالثة تنضمّ الى مهمة تحرير الأرض من الاحتلال الأجنبي وضمان الأمن من عبث الإرهاب خاصة التكفيري والداعشي. ومهما كابر المنكرون فإنّ هذا الأمر بات حقيقة واقعة لا يهملها او يتجاوزها الا أعمى او متعنت او مكابر لا قيمة لرأيه، وبالتالي سيكون على «إسرائيل» ان تعلم أنّ أيّ سلوك او تصرف يؤدّي الى منع لبنان من استخراج ثروته سيقود تلقائياً الى وقف العمل في حقولها النفطية تطبيقاً لمعادلة «كاريش وما بعد كاريش وما بعد بعد كاريش» التي أعلنها سيد المقاومة. فطالما أنّ المقاومة ممسكة بسلاحها فإنّ حقوق لبنان النفطية في مواجهة العدو مضمونة لا بل انّ الوضع الآن بات أفضل مما كان عليه قبل التفاهم.
ـ مفاعيل التفاهم على الحدود البرية والترسيم البحري. يمكن اعتبار الإشارة الى الحدود البرية واستعمال عبارة «ترسيم الحدود البرية» سلوك غير موفق أو في غير محله، لأنّ الحدود البرية للبنان مع فلسطين المحتلة مرسّمة ونهائية منذ العام ١٩٢٣ بموجب اتفاقية «بولييه نيوكمب»، وبالتالي ومع تسجيلنا بإيجابية لتأكيد التفاهم على عدم مسّ هذه الحدود في أيّ نقطة او خط منها بما في ذلك نقطة رأس الناقورة ونقطة B1 فإننا نؤكد على نهائية الحدود البرية وعدم الحاجة مطلقاً الى ترسيم لها، أما عن الاعتداء القائم على مناطق او نقاط منها فإنه يفرض تثبيت هذه الحدود وإزالة العدوان عنها وتحرير تلك المناطق المحتلة وعددها ١٣ منطقة دخلت اليها “إسرائيل” في عدوان 2006 ولا تزال محتلة لها ولم تنفذ الأمم المتحدة ما أنيط بها بموجب القرار 1701 بهذا الصدد، أما الترسيم البحري حيث جاءت الإشارات اليه متذبذبة ومتقطعة فيها الخط ذو الإحداثيات وفيها مناطق الفراغ المؤجّل فإننا ومن وجهة القانون الدولي لا نعتبر انّ في هذا الأمر ترسيماً قد حصل فعلاً بل ان ما حصل هو تعيين حدود مناطق الاستثمار بموجب تفاهم لا يخضع لقواعد القانون الدولي، وعليه فإنّ الترسيم البحري إذا ما نفذ مستقبلاً فيكون على منفذه مراعاة أحكام الترسيم بدءاً من اتصال البحر بالبر.
ـ مفاعيل جانبية وغير مباشرة. وفي معرض هذه الملاحظات لا بدّ ان نسجل وبإيجابية انعكاس هذا التفاهم على الاقتصاد اللبناني وتوجيه ضربة قاسية للحصار لا بل للحرب الاقتصادية الأميركية على لبنان تلك الحرب التي أدّت مع فساد الداخل الى انهيار اقتصادي وانهيار مالي وخواء سياسي، كما انّ هذا التفاهم أحدث كوّة في الضغوط الأميركية القصوى على لبنان ما دفع سياسة المماطلة والتسويف الأميركي في التعامل مع الملف النفطي اللبناني نحو الانحسار او الفشل.
وعلى ضوء ما تقدّم نرى انّ لبنان حقق كسباً وصنع إنجازاً، وهو إنجاز كان سيكون أكبر لو تمّ تداول الملف او تقليبه بشكل أفضل ومن دون أخطاء ارتكبت منذ العام 2007، وان كسب لبنان او إنجازه جاء تحت عنوان استنقاذ حقّ مهدور وتعطيل سياسة الاستخفاف والتسويف التي عاشها 10 سنوات استغلتها “إسرائيل” في العمل المجدي الذي أوصلها الى حيث هي الآن على عتبة الإنتاج التجاري المؤكد بينما نحن بحاجة الى ٣ سنوات لنصل الى هذه العتبة، ومع هذا نقول إنه إنجاز جاء متأخراً ولكنه يبقى خير وأفضل مما لو لم يأت أبداً. أما حصوله فإنّ الدور المفصلي والأساسي فيه يسجل لاثنين الطرف الرسمي الذي لم يوقع على تنازلات أكبر مثل خط هوف أو الاستثمار المشترك او التطبيع واستنقذ أقصى ما يمكن من الحقوق معالجاً الكثير من الأخطاء المرتكبة، والمقاومة التي بتدخلها حسمت الأمر والتي لا يمكن ان يتنكّر لفضلها إلا أعمى او حاقد او موتور، اذ لو لم تكن المقاومة موجودة وأعلنت جهوزيتها لما كان هناك تفاهم ولما كان استنقاذ حقوق ومصالح.