ما الفرق بين اللغة واللهجة واللسان واللكنة؟ المجلس الثقافي | ما الفرق بين اللغة واللهجة واللسان واللكنة؟
تاريخ النشر: 23-08-2022

بقلم: جامعة الأمة العربية - بتصرف

الفرق ما بين اللكنة واللهجة :
يستخدم مصطلح اللهجة للإشارة لمجموعة من الأشخاص الذين ينطقون لغتهم الأم بطريقة معينة مغايرة للطريقة الرسمية للغة الأم.

أما مصطلح لكنة فيستخدم عادة للإشارة إلى شخص ينطق الحروف متأثراً بلغتة الأم. فماثلاً، يقال أن فلان يتحدث العربية بلكنة أمريكية وليس صحيحاً أن يقال أن فلان يتحدث العربية بلهجة أمريكية.
واللهجة في الإصلاح اللغوي الحديث:"مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة
و يشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة, و بيئة اللهجةهي جزء من بيئة أوسع و أشمل تضم عدة لهجات لكل منها خصائصها, و لكنها تشترك جميعاً في مجموعة من الظواهر اللغوية التى تُيسر اتصال أفراد هذه البيئات بعضهم ببعض, و فهم ما قد يدور بينهم من حديث فهماً يتوقف على قدر الرابطة التى تربط بين هذه اللهجات".
و من تعريفات اللهجة أنها:" أسلوب أداء الكلمة إلى السامع من مثل إمالة الفتحة و الألف أو تفخيمها, و مثل تسهيل الهمزة أو تحقيقها فهي محصورة في جرس الألفاظ, و صوت الكلمات, و كل ما يتعلق بالأصوات

1- الفرق بين اللغة و اللهجة و العلاقة بينهما:
على ضوء علم اللغة لا فرق بين لغة و لهجة, فكل لهجة هي لغة قائمة بذاتها بنظامها الصوتي, و بصرفها, و بنحوها, و بتركيبها, و بمقدرتها على التعبير, و يرى البعض أن اللغة هي التى تغاير لغة أخرى بأصواتها و بمفرداتها, وبتراكيبها مغايرة لا يستطيع معها أن يتفافهم زيد, و عمرو
أما إذا كانت الفروق في الأصوات, و المفردات, و التركيب من النوع الذي يمكن فيه التفاهم بين الجماعات, فإن هذه تُحسب لهجات, و هذا الرأي يجعل التفاهم مقياساً للفرق بين لهجة و لغة, و هذا الزعم يسقط من تلقاء نفسه إذا نظرنا-مثلا-إلى لهجة أهل البندقية و لهجة أهل صقلية باعتبارهما لهجتين(لا لغتين) إيطاليتين؛ لكن أهل البندقية لا يفهمون أهل صقلية, و كذلك أهل صقلية لا يفهمون أهل البندقية فالتفاهم بينهما غير ممكن, و قلّ مثل هذا في اللهجات الرومانية أي:الإيطالية, و الفرنسية, و الأسبانية؛ فإنها تسمى لغات لا لهجات, و هي في الواقع التاريخي لهجاتٌ لاتينية, كذلك العربية و العبرية و السريانية, و الحبشية فإنها لغات في نظرنا إليها, ولكن التاريخ ينظر إليها باعتبارها لهجات انحدرت من أم واحدة؛ فالتفاهم إذن لا يمكن أن يكون الفارق بين لغة و لهجة.
و يرى البعض الآخر أن الفرق بين اللغة و اللهجة هو أن اللهجة تقهقر وانحطاط عن لغة فصحى, و لكن الدراسات اللغوية التى أجريت حول اللهجات أثبتت أن اللهجة ليست تقهقراً, أو انحطاطاً لغوياً بل تطور و تقدم لغوى,و الدليل على ذلك كون بعض اللهجات سابقاً في الزمن للغة الفصحى؛ فكسر حرف المضارعة(لهجة عربية قديمة)-مثلا-ظاهرة لغوية سابقة في الزمن للفترة التى اعتبرت فيها لغة قريش اللغة الأدبية الفصحى؛ فكيف تكون هذه الظاهرة(كسر حرف المضارعة) انحطاطاً لغوياً؟!
و من المعروف أن العرب القدامى لم يستعملوا مصطلح" اللهجة "على النحو المعروف في الدرس اللغوي الحديث بل أنهم لم يستعملوه قط في كتبهم, و غاية ما وجد عندهم هو ما ترددهُ معاجمهم من أن " اللهجة " هي اللسان, أو طرفه, أو جرس الكلام, و لهجة فلان: لغتهُ التى جُبِلَ عليها,و كانوا يطلقون على اللهجة " لغة ", أو "لُغية "
و العلاقة بين اللغة و اللهجة هي العلاقة بين العام و الخاص, فاللغة تشمل عادة على عدة لهجات, لكل منها ما يميزها, و جميع هذه اللهجات تشترك في مجموعةٍ من الصفات اللغوية, و العادات الكلامية التى تؤلف لغةً مستقلة عن غيرها من اللغات.

1. تعريف اللغة ، اللسان ، الكلام

إن تصنيف الاضطرابات اللغوية ليس فقط ضرورة ديداكتيكية لكل مهتم بهذا الميدان، لكن بمثابة حتمية يؤول إليها التعريف العام للاضطراب اللغوي في حد ذاته، فلما كان هذا الأخير يمثل مظهرا غير سوي للسلوك اللغوي من أحد جانبيه الفهم و/أو التعبير، هذا الأخير الذي نميز فيه مجموعة وظائف متكاملة في الاستعمال: الكلام، اللغة، فإنه بالتالي جدير بالتمييز كذلك بين الاضطرابات التي يمكن أن تظهر على كل وظيفة منها وفي هذه المحاضرة تناولنا التصنيف اللساني .

-تعريف اللغة: يعرفها تشومسكي: "أنها ملكة فطرية عند المتكلمين بلغة ما لتكوين وفهم جمل نحوية " وهو يشير على ثنائية القدرة و الأداء للغة عند الإنسان فالقدرة La compétance ما يشير إليه بالبنية العميقة للغة و التي تعبر عن الملكة الفطرية الكامنة في عقله و المعبرة عن المعرفة المسبقة بقواعد النحو التي تربط المفردات بعضها ببعض في الجمل، و المعرفة بالقواعد التحويلية التي تمكن الفرد من إنتاج جمل صحيحة و لا متناهية بلغة معينة، أما الأداء فيعتبر طريقة أداء الفرد للغة من حيث أسلوب نطق و إخراج الأصوات و كيفية تركيب عناصر الجملة.
و يعرفها دي سوسير أنها"تنظيم من الإشارات و الرموز، وتعني كلمة تنظيم مجموعة القواعد التي تحدد استعمال الأصول و الصيغ و التراكيب و أساليب التعبير النحوية و المعجمية "

أما جسبرسن فيعرفها على أنها:" ليست في حقيقتها سوى نشاط إنساني يتمثل من جانب مجهود عضلي يقوم به فرد من الأفراد من جانب و من جانب آخر في عملية إدراكية ينفعل بها فرد من أفراد آخرون "
جاء في معجم ميكرو و روبير أن اللغة تعني: "وظيفة التعبير عن الفكرة أو التواصل بين الناس، و تقوم بها أعضاء جهاز النطق، أو هي التدوين بواسطة علامات مادية"
و هو أيضا يركز على وظيفة اللغة في تحقيق عملية التواصل عن طريق تشغيل و تنشيط أعضاء الكلام لأداء النطق، أو باستعمال العلامات المادية الدالة على الكتابة كأحد مظاهر اللغة المقطعية لدى الإنسان.
و اللغة هي نسق من الإشارات والرموز، تشكل أداة من أدوات المعرفة، وتعتبر اللغة أهم وسائل التفاهم والاحتكاك بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة. وبدون اللغة يتعذر نشاط الناس المعرفي

و نركز في محاضرتنا على التعريف اللساني كونه أكثر تناولا في الأرطوفونيا يعتبر اللغة " قدرة خاصة بالنوع البشري للتواصل بفضل جهاز من الرموز المطوقة التي تحتاج إلى تقنية جسدية معقدة، مع افتراض وجود وظيفة رمزية و مراكز خاصة في المخ، و هذا الجهاز من الرموز المنطوقة المتداولة بين جماعة معينة تشكل لغة خاصة".

و نلاحظ إذن هناك تنوع و تعدد في المقاربات إلا أنها تدور حول وظيفة اللغة الأساسية عند الكائن الحي.
-مفهوم اللسان:

إن اللسان هو مجموع المواصفات الضرورية المتبناة من طرف الجسم الاجتماعي، لكي يتمكن الأفراد من استعمال ملكة اللغة. إن ملكة اللغة مخالفة للسان، و لكنها لا يمكن أن تمارس بدونه. عن طريق الكلام نعين فعل الفرد وهو يحقق ملكته بواسطة المواضعة الاجتماعية التي هي اللسان.

الّلسان Le Langage كما قيل في كتاب محاضرة في "علم اللغة الاجتماعى" هو ظاهرة عامة تتمثّل في العنصرين السّابقين (الّلغة والكلام) مجتمعين. وهي تشمل الجانبين معا: الجانب الفردي (الكلام) والجانب الاجتماعى (الّلغة) .

3-مفهوم الكلام:

إن الكلام يعبر عن مهارات وقدرات فردية، إلا أنه لا يمكن للفرد أن يمارس تلك القدرات إلا من خلال اللسان. ولذلك يمكن اعتبار هذا الأخير بمثابة وعاء أو مرجع لا بد أن يعود إليه الفرد وينهل منه لتشكيل صور كلامية خاصة به.

إن الكلام هو فعل فردي يرتبط بالذكاء والقدرات العقلية من جهة، ويرتبط بحرية الفرد وإرادته من جهة أخرى. هكذا تقوم الذات المتكلمة بالتأليف بين الرموز العلامات اللسانية من أجل التعبير عن تجربتها الباطنية. كما أن طريق كلام الفرد ترتبط بحالاته النفسية والسيكولوجية؛ فنحن أن طريقة كلام شخص يسير في جنازة إنسان عزيز عليه تختلف عن طريقة كلامه وهو يعيش الفرح والنشوة في مناسبة سارة.
الكلام سواء كان منطوقا أو مكتوبا فهو التحقيق الفِعْلي لقواعد اللغة الصوتية، الدلالية، الصرفية، السابقة من المتكلّم عن طريق صياغتها في جُمل و تعابير، و توظيفها و مُمارستها بشكل واقعي . و انطلاقاً من هذا فالكلام ظاهرة شخصية و سلوكٌ فردي خاص بينما اللغة ظاهرة اجتماعية عامة لأن اللغة شيء مجَرَّد و مستقلّ عن المتكلّم عكس الكلام الذي يتوقّف على إرادة المتكلّم و ذكائه . فكلّ واحد منّا يملك هذه القدرة (competence ) عربيا ًكان أم فرنسياً أم إنجليزياً

وهكذا يأتي الكلام في المرتبة الثانية بعد اللغة، فلا يمكن للمتكلّم أن يستعمل اللغة و يُوظّفَها ما لَمْ يكتَسِبْها و يتعلَّمْ قواعدها بشكل جيّد.

بمعنى آخر الكلام هو صفة الفردية للغة

فلكل شخص مميزات خاصة صوتية و نطقية ما نسمعه من شخص معين هو كلام، فالكلام الفردي ينتج من شخص محدد له صفات نفسية، اجتماعية وحتى فيزيولوجية فالكلام =نطق+صوت

الفرق بين اللسان واللغة ...

اللسان الواحد هو الكلام، وهو (أمة اللغات ولغة الأمة)، وهو وعاء يحتوي مجموعة من اللغات المتقاربة المتجانسة المتعارفة (الشعوب والقبائل)، وهو طريقة الإنسان في الكلام وترجمة الدلالات والمعان المخزنة لديه إلى نطق باللسان وإخراج للأصوات والحروف والحركات والسكنات، وهو مجموعة العناصر المميزة المشتركة بين مجموعة متقاربة متجانسة من اللغات (العائلة اللغوية الواحدة).

أما اللغة فهي (جزء من أجزاء اللسان الواحد)، وهي كل فرد من أفراد (العائلة اللغوية الواحدة)، تتشابه في عناصرها الأساسية المميزة، وتختلف في بعض علاماتها الفارقة الثانوية.

لذلك تجدهم أحيانا يصفون (اللسان) بأنه (لغة) مجازا، وهذا صحيح جائز لأنه مما يسمح به ويجيزه اللسان العربي (مجازا) من باب إطلاق اسم الجزء على الكل. أما في القرآن الكريم فقد لزم استخدام كلمة (اللسان) بمعناها الحقيقي تمشيا مع السياق الذي وردت فيه، ولم يكن هناك سياق يوجب استخدام الكلمة بمعناها المجازي، ولم تكن هناك حاجة إلى ذلك.

اللسان لا يكون من غير صوت ونطق وكلام، أما اللغة فقد تكون بلا صوت ولا نطق ولا كلام!

قال الشاعر:

وتعطلت (لغة الكلام) وخاطبت عيني في (لغة الهوى) عيناك ...
وهناك لغة العيون، ولغة الإشارة، ولغة الموسيقى، ولغة النبات والطير والحيوان ...
العرب كانوا يتحدثون بلسان واحد، لكن كان لكل قبيلة لغتها ولهجتها التي تميزها عن الآخرين، لذلك فقد نزل القرآن الكريم باللسان العربي الشامل المشترك بين القبائل العربية.
قال تعالى:
لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (النحل 103)

لقد جاء في لسان العرب:" اللغة:اللِّسْنُ, وهى فُعْلَة من لَغَوتُ, أي: تكلَّمتُ…, والجمعُ: لُغَات ولُغَونَ, و اللَّهْجَةُ: طَرَفُ اللسان, وجرس الكلام, و يقال: فلان أفْصَحُ اللَّهْجَة, و اللَّهًجَة, وهى لغتهُ التى جُبِلَ عليها فاعتادها و نشأ, و اللَّهْجَةُ: اللِّسِان-وقد يتحرك-و في الحديث (( ما مِنْ ذي لَهْجَة أصدقُ من أبى ذر))
وللغة تعريفات كثيرة تداولتها الدوائر العلمية-قديماً و حديثاً- من أشهرها ما حملهُ التراث العربي لابن جنى الذي أوردهُ في كتابه" الخصائص", حيث قال:" وحد اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم", وابن جنى في هذا التعريف يذكر كثيراً من الجوانب المميزة للغة؛ فقد أكد الطبيعة الصوتية للغة, كما ذكر و ظيفتها الاجتماعية في التعبير, و نَقْلِ الفكر, وذكر -أيضاً-أنها تستخدم في مجتمع, فلكل قوم لغتهم.
و قيل في تعريف اللغة:" إنها التعبير عن الأفكار بواسطة الأصوات الكلامية المؤتلفة من كلمات", و قيل هي:" عبارة المتكلم عن مقصودهِ و تلك العبارة فِعْلُ لساني ناشئ عن القصد بإفادة المكلم, فلا بُدَّ أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها, و هو اللسان".
واللهجة في الإصلاح اللغوي الحديث:"مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة
و يشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة, و بيئة اللهجةهي جزء من بيئة أوسع و أشمل تضم عدة لهجات لكل منها خصائصها, و لكنها تشترك جميعاً في مجموعة من الظواهر اللغوية التى تُيسر اتصال أفراد هذه البيئات بعضهم ببعض, و فهم ما قد يدور بينهم من حديث فهماً يتوقف على قدر الرابطة التى تربط بين هذه اللهجات".
و من تعريفات اللهجة أنها:" أسلوب أداء الكلمة إلى السامع من مثل إمالة الفتحة و الألف أو تفخيمها, و مثل تسهيل الهمزة أو تحقيقها فهي محصورة في جرس الألفاظ, و صوت الكلمات, و كل ما يتعلق بالأصوات و طبيعتها و كيفية أدائها.
الفرق بين اللغة و اللهجة و العلاقة بينهما:
على ضوء علم اللغة لا فرق بين لغة و لهجة, فكل لهجة هي لغة قائمة بذاتها بنظامها الصوتي, و بصرفها, و بنحوها, و بتركيبها, و بمقدرتها على التعبير, و يرى البعض أن اللغة هي التى تغاير لغة أخرى بأصواتها و بمفرداتها, وبتراكيبها مغايرة لا يستطيع معها أن يتفافهم زيد, و عمرو
أما إذا كانت الفروق في الأصوات, و المفردات, و التركيب من النوع الذي يمكن فيه التفاهم بين الجماعات, فإن هذه تُحسب لهجات, و هذا الرأي يجعل التفاهم مقياساً للفرق بين لهجة و لغة, و هذا الزعم يسقط من تلقاء نفسه إذا نظرنا-مثلا-إلى لهجة أهل البندقية و لهجة أهل صقلية باعتبارهما لهجتين(لا لغتين) إيطاليتين؛ لكن أهل البندقية لا يفهمون أهل صقلية, و كذلك أهل صقلية لا يفهمون أهل البندقية فالتفاهم بينهما غير ممكن, و قلّ مثل هذا في اللهجات الرومانية أي:الإيطالية, و الفرنسية, و الأسبانية؛ فإنها تسمى لغات لا لهجات, و هي في الواقع التاريخي لهجاتٌ لاتينية, كذلك العربية و العبرية و السريانية, و الحبشية فإنها لغات في نظرنا إليها, ولكن التاريخ ينظر إليها باعتبارها لهجات انحدرت من أم واحدة؛ فالتفاهم إذن لا يمكن أن يكون الفارق بين لغة و لهجة.
و يرى البعض الآخر أن الفرق بين اللغة و اللهجة هو أن اللهجة تقهقر وانحطاط عن لغة فصحى, و لكن الدراسات اللغوية التى أجريت حول اللهجات أثبتت أن اللهجة ليست تقهقراً, أو انحطاطاً لغوياً بل تطور و تقدم لغوى,و الدليل على ذلك كون بعض اللهجات سابقاً في الزمن للغة الفصحى؛ فكسر حرف المضارعة(لهجة عربية قديمة)-مثلا-ظاهرة لغوية سابقة في الزمن للفترة التى اعتبرت فيها لغة قريش اللغة الأدبية الفصحى؛ فكيف تكون هذه الظاهرة(كسر حرف المضارعة) انحطاطاً لغوياً؟!
و من المعروف أن العرب القدامى لم يستعملوا مصطلح" اللهجة "على النحو المعروف في الدرس اللغوي الحديث بل أنهم لم يستعملوه قط في كتبهم, و غاية ما وجد عندهم هو ما ترددهُ معاجمهم من أن " اللهجة " هي اللسان, أو طرفه, أو جرس الكلام, و لهجة فلان: لغتهُ التى جُبِلَ عليها,و كانوا يطلقون على اللهجة " لغة ", أو "لُغية "
و العلاقة بين اللغة و اللهجة هي العلاقة بين العام و الخاص, فاللغة تشمل عادة على عدة لهجات, لكل منها ما يميزها, و جميع هذه اللهجات تشترك في مجموعةٍ من الصفات اللغوية, و العادات الكلامية التى تؤلف لغةً مستقلة عن غيرها من اللغات.
اللغة الفصحى و اللهجة العامية:
يقصد بالفصحى: اللغة التى يصطنعها الناس في كتاباتهم الأدبية و العلمية, و في مقالاتهم و بحوثهم في الصحف و المجلات, و في أحاديثهم في وسائل النشر و الإعلام
و يقصد بالعامية:اللغة أو اللهجة التى يتحدث بها الناس في حياتهم اليومية المعتادة للتعبير عن شؤونهم المختلفة؛ فهي بهذا تقابل اللغة الفصحى, و تصدق هذه الصفة على اللغات كلها؛ فليس في العالم لغة غير متشعبة إلى هذا المستوى من العامية و الفصحى, و اللغة العربية كغيرها من اللغات تعرضت عبر الزمن إلى عوامل أدت إلى انشعابها إلى عدة لهجات, و ظاهرة العامية ليست ظاهرة تنفرد بها اللغة العربية بل عرفتها كل اللغات-تقريباً-وهي ليست أكثر من لهجات الفصحى المنشعبة منها

إضاءة حول اللغة واللسان :

اللسان في الأصل ( المعني الحسي) جارحة الكلام وآلته[1] فهو العضو اللحمي المعروف في الفم ، وأطلق مصطلح( اللسان) :على مفهوم( اللغة) المنطوقة من قبل إطلاق السبب أو الآلة على المسبب أو على ما يحدث بتلك الآلة ، إذ أن اللسان من ةأهم أعضاء النطق ( الجهاز الصوتي ) ومن مفاهيم اللسان : اللغة ، ويختلف عنها أيضا . ومن هنا جاءت مصطلحات مثل : اللسانيات ،والألسنُية ، وغيرها – نسبة إلى اللسان في الأصل– بمعنى اللغة ، لأنه آلة الكلام ، وإن كانت له وظائف أخرى كثيرة .

وأهم ما يميز الإنسان عن اللغة في بعض مفاهيمه المقابلة للغة أن اللسان أعم ، وهو الذي يحتوي عدة لغات تختلف فيما بينها بقليل أو كثير ، لكنها تظل متقاربة ترتبط باللسان الواحد ، خاصة عندما تكون اللغة بمفهوم اللهجة .كما أنه في اللسانيات الحديثة وعند البنويين هناك فرق بين اللسان ( LANGAGE) وبين اللغة ( LANGUE )[2] .

ومن جهة أخرى فاللسان نظام من الأدلة المتواضع عليها ، وليس مجموعة من الألفاظ في المعاجم ، وليس مجموعة من التحديدات الفلسفية للاسم والفعل والحرف ، والقواعد كثرة الشواذ[3] .

(4)ولنعد إلى اللغة، وحدّها – كما عرفها اللغوي العربي ابن جني (ت 392 هـ) " أنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"[4] وأصلها لغوة ونظيرها : قلة ، وكرة وثبة ، بعد حذف لام الكلمة ، والجمع لغات ولغون[5] .

وقد اقترب ابن جني كثيرا في تعريفه للغة من الباحثين اللغويين المحدثين ، إذ هي عندهم – بشكل عام – رموز وإشارات صوتية لها دلالات أو معان ، وقد تم التواضع عليها . وقد أورد المسدي قول كمال بشر : " أما اللغة نفسها فهي نظام من رموز وعلامات ، أوهي الأصوات التي يحدثها جهاز النطق الإنساني والتي تدركها الأذن فتؤدي دلالات اصطلاحية معينة في المجتمع المعني ".[6] ويقول محمود أحمد السيد : إن اللغة مجموعة إشارات لغوية "[7].

وقد يختلف تعريف اللغة بين باحث وآخر ، حسب الزاوية التي ينظر منها كل باحث ، فاللغة ظاهرة اجتماعية ، ووسيلة اتصال ….. ولكن مثل هذه التعريفات لا تحدد طبيعة اللغة ذاتها .

إن لمصطلح( اللغة) في استعمالنا اليوم أكثر من مفهوم،ويحدد السياق المفهوم أو المعنى المراد . فمن مفاهيم ( اللغة ) : اللهجة وهكذا كانت تستعمل ، فيقال بلغة قريش ، أو بلغة تميم أو هذيل . ويراد بذلك لهجات هذه القبائل، ويجمع تلك اللغات ( اللهجات) وغيرها من لغات القبائل العربية مصطلح ( اللسان العربي) كما ذكرنا. وقد أكد القرآن الكريم ذلك إذ وردت كلمة ( اللسان ) لفظا أو مضمونا في مواضع عدة منها ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا)[8] أي عربي اللسان ،و( بلسان عربي مبين )[9].

ص(5):من المفاهيم التي يدل عليها مصطلح ( لغة) كذلك- المعطيات اللغوية ، والألفاظ التي جمعها اللغويون الذين انطلقوا إلى جمعها من الأماكن التي كان يعتقد سلامة لغة أصحابها من القبائل العربية التي لم تتأثر لغاتها بالاختلاط بالأمم الأخرى ، تلك المعطيات التي ضمتها المعاجم وكتب اللغة فيما بعد . وبهذا المفهوم يقال : فلان لغوي، وفلان نحوي فالأول : هو الذي قام بجمع ألفاظ اللغة ومفرداتها ، والثاني : هو الذي قام بالدراسة واستنباط القواعد .

ويستعمل مصطلح ( لغة ) – أيضا – بمعنى اللسان كم يستعمل ( اللسان) بمفهوم اللغة فعندما نقول : إننا نتكلم بالعربية ، نريد بذلك اللسان العربي ، وهو المفهوم الأكثر انتشارا فلا نفتأ نقول : نزل القرآن بالعربية ، وألّفت كتابا بالعربية ، وتكلمت مع فلان بالعربية ، أي باللسان العربي .

ومن المفاهيم – أيضا – مفهوم النحو والقواعد ، وغالبا ما يرد هذا المفهوم في مستوى المؤسسات التعليمية فيذكر الطلبة أن لديهم حصة لغة عربية ، ويريدون بذلك قواعد اللغة المختلفة .

ومن المفاهيم الأخرى لمصطلح (اللغة): الكيفية ، وهي طريقة نطق كلمة من الكلمات أولفظة من الألفاظ ، فيقال: قال ، وجال ، وكال ……لغات في (قال) ، أو كيفيات حيث تتغير الصورة الصوتية دون تغير دلالة الكلمة لأن ( ق ، ج ، ك) ليست حروفا (فونيمات) مختلفة في مثل هذه الحال .

وربما كان الأصل في معنى( لغة) الانحراف ، فالعرب يقولون : لغَا فلان عن الطريق أي انحرف عنه[10] . ولذلك فاللهجات والكيفيات ما هي إلا تغيير وانحراف عن الأصل أو النموذج . ولعل ما جاء في القرآن الكريم في اشتقاقات (لغة) – مثل اللغو – ذو صلة بهذا المعنى ، فليس اللغو إلا الكلام الباطل المنحرف عن جادة الحق والصواب والجد.

( والذين هم عن اللغو معرضون)[11].

ص(6):ولذا نحن نقول الغِ ذلك الأمر أي دعه جانبا واتجه إلى مراد ، وقال تعالى : إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين )[12].

اللغـة والإنسـان :

لعل في ذاكرة الكثيرين منا تعريف بعض الفلاسفة للإنسان ( أنه حيوان ناطق ) وربما ظل هذا التعريف يثير سخرية بعض الناس وعدم رضا آخرين ، انطلاقا من أن وصف الإنسان بالحيوان إهانة له وحط من كرامته ، وهو المخلوق المميز الذي كرمه الله ( ولقد كرمنا بني آدم )[13] مع أن وصفه بالحيوانية ل يعني أكثر من أنه المخلوق الحي من الحياة ضد الأشياء والجمادات .

والحقيقة أن ميزة الإنسان وسبب تكريمه ورفعه فوق مستوى المخلوقات الحية أخرى علاوة على غير الحية أنه مفكر ناطق ، ونظرا لعلاقة اللغة بالتفكير فإنه في النهاية حيوان ذو لغة ، عندما نريد – باللغة – اللغة الإنسانية المقطعة المنطوقة ، فالإنسان لم يكن إنسانا بالمعنى المفهوم للكلمة إلا عندما كان ناطقا مبينا وليس ناطقا فقط .

قال تعالى : ( خلق الإنسان علمه البيان )[14] وإلا لو لم يكن الإنسان متميزا بفكره ولغته فما الفرق بينه وبين غيره من حيث المادة التي تكوّن منها من لحم ودم وعظام ؟.

وصدق الشاعر الذي قال :

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

المصارد والمراجع :

[SIZE=5]المكتب الثقافي لتحقيق الكتب.لسان اللسان،إشراف عبد أ.وعلي رضا،دار الكتب العلمية ط/1 بيروت،93،ج/1،[1] (ص405.)
- وينظر أيضا:الفيروز آبادي.القاموس المحيط،دار العلم للجميع، بيروت ج/4،ص.265
-ينظر:فريدنانددي سوسير.دروس في الألسنية العامة،تعريب صالح القرمادي،محمد الشاوش،محمد عجينة.الدار [2] (العربية للكتاب،تونس،دون تاريخ،ص123.
- المسدي عبد السلام.اللسانيات من خلال النصوص،النشرة الأولى،الدار التونسية للنشر 1984،ص117[3] ((نص للدكتور عبد الرحمان الحاج صالح).
- ابن جني.الخصائص، تحقيق محمد علي النجار-دار الكتاب العربي،ط/1،بيروت 1952،ج/1 ص33.[4]
- نفسه،الصفحة نفسها. 1
- لمسدي.اللسانيات من خلال النصوص(السابق)،ص43 وص50(نص لكمال بشر).[6] (
- نفسه،ص147(نص لمحمود أحمد السيد).[7]
سورة يوسف الآية/2.[8]
سورة الشعراء الآية/195.[9]
مجمع اللغة العربية بالقاهرة.المعجم الوسيط،دار إحياء التراث العربي،ج/2،ص830.[10]
سورة (المؤمنون( الآية/03.[11]
سورة (القصص) الآية/55[12]
سورة (الإسراء) الآية/07[13] ) سورة (لرحمان) الآيتين(3-4).[14]

 


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013