ثقافة القبيلة وثقافة الدولة ..صراع أم تكامل ؟ التقارير والمقالات | ثقافة القبيلة وثقافة الدولة ..صراع أم تكامل ؟
تاريخ النشر: 08-02-2021

بقلم: علي بن مسعود المعشني

قبيلة في معجم المعاني الجامع :
قَبيلة: ( اسم )
الجمع : قبائلُ
القَبِيلَةُ : الجماعةُ من الناس تنتسب إِلى أَبٍ أو جَدٍّ واحد
القَبِيلَةُ من الحيوان والنبات : الصِّنف
القَبِيلَةُ : الرُّقعة في قبِّ القميص
القَبِيلَةُ : سَيْرُ اللِّجام
القَبِيلَة : ُ إحْدى عظام الرَّأْس المتَّصل بعضُها ببعض
وقبائلُ الرَّحْل : أحناؤُهُ المشعُوب بعضُها إلى بعض
وقبائلُ الشجرة : أَغصانُها
ثَوْبٌ قبائلُ : أَخْلاَقٌ
القبائل الرُّحَّل : غير المستقرّة ، المتنقِّلة في الأرض طلبًا للماء والكلأ
معنى دولة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي
دَولة: ( اسم )
الجمع : دَوْلات و دُوَل
الدَّوْلَةُ : الاستيلاءُ والغَلَبَة
الدُّولَةُ : شيءٌ متبادل من مال ونحوه { كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ }
الدَّوْلَةُ : جمع كبير من الأفراد ، يَقْطن بصِفة دائمة إقليمًا معيَّنًا ، ويتمتع بالشخصية المعنوية وبنظام حكومي وبالاستقلال السياسي .
الدَّوْلَةُ في الحرب بين الفِئَتَين : أَن تهزم هذه مرّة وهذه مرّة
الدَّوْلَةُ : الحَوْصَلَةُ
الدَّوْلَةُ : القانِصَةُ
الدَّوْلَةُ : الشِّقشِقَةُ
الدَّوْلَةُ من البطن : جانِبُهُ
الدَّوْلَةُ : السُّرّة والجمع : دُوَل
اشتراكيَّة الدَّولة : اشتراكيّة تكون باستعمال الدَّولة سلطاتِها للمساواة بين الرَّعيّة وسيطرتها على المصالح العامَّة ،
الدَّوْلة العظمى : دولة قويّة ومسيطرة تمتلك القوّة الكافية للتأثير على الأحداث في العالم ،
دالت دولتُه : زال نفوذُه وأهميّته .
مفهوم القبيلة في قاموس علم الإجتماع : فهناك ثلات مفاهيم
- هي نسق في التنظيم الإجتماعي يتضمن عدة جماعات محلية ، مثل القوى و العشائر و تتخد القبيلة عادة إقليم معين و يكشفها شعور قوي بالتضامن و الوحدة يستمد إلى مجموعة من العواطف الأولية .
- هي تجمع كبير أو صغير من الناس يشغلون إقليما معينا و يتحدثون اللغة نفسها ، تجمعهم علاقات إجتماعية خاصة متجانسة ثقافيا .
- هي وحدة متماسكة إجتماعيا تربط باقليم معين ، و تعتبر في نظر أعضائها ذات إستقلالية سياسية .
مفهوم القبيلة عند إبن خلدون : لا تتحد القبيلة بالنسبة لابن خلدون بكونها جماعة متفرقة عن جد أول كما لا تتحد فقط بما يجتمع بين أعضائها من روابط دم ، كما حدد دلك الأنثروبولوجيون الكلاسيكيون ، إن النسب في معناه الضيق لا يعدو أن يكون معطا وهميا لا يصمد أمام واقع الإختلاط و علاقات الجوار و التعايش في المكان ، أما الإطار الحقيقي للقبيلة عند إبن خلدون فهذا النسب في معناه الواسع و الرمزي و مما يمثله من أشكال التحالف و الولاء و الإنتماء .
بينما يشير مختار الهراس أن إبن خلدون قيد النسب بالرابطة الدموية ، و يتمثل ذلك في النسب القريب و الواضح هو أساس الصلة التي تجمع بين دوي القرب و الأرحام أما النسب الدي يجمع بين أعضاء القبيلة أو البطن من بطونها ، فإنه لا يعدو أن يكون معطا وهميا لا يصور أمام واقع الإختلاف و علاقات الجوار و التعايش المكاني ، فهو نسب رمزي واسع يشمل إضافة إلى صلة القرابة بشتى أشكال التحالف و الولاء و الإنتماء و ثم فإنه يشكل الإطار الحقيقي للحياة القبلية.
إن إبن خلدون يؤكد دور المكان أي الأرض الذي يشكل محور التحام الجماعة ، و مما يزكي الإحساس بالإنصهار ضمن الجماعة القبلية و يعزز تلاحمها الداخلي الخطر الخارجي الذي قد يهدد استمرار وجودها سوى كان ناجما عن عصبية زاحفة من خارجها ، أو عن تدخل سلطة مركزية كما إن علاقات القرابة و التحالف الموجودة بين أعضاء القبيلة الواحدة تؤدي إلى إقامة الفوارق بين المجموعات القبلية التي كثيرا ما تتسبب في عمليات التنافس الحادة و الصراع على الموارد و مصادر العيش ، و هذا ما يدفع إلى إضفاء طابع الصراع الدائم و المستمر على المجتمع القبلي .
تعددت الآراء الفقهية حول تعريف الدولة ، نذكر منها :
1-الدولة : مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لتنظيم معين .
2- الدولة : ظاهرة سياسية وقانونية تعني جماعة من الناس يقطنون رقعة جغرافية معينة بصفة دائمة ومستقرة ويخضعون لتنظيم معين .
3- الدولة : الشخص المعنوي الذي يرمز إلى شعب مستقر على إقليم معين حكامًا ومحكومين ، بحيث يكون لهذا الشخص المعنوي سلطة سياسية ذات سيادة .
إذا يمكننا القول بأن الدولة في نهاية الأمر قبيلة كبرى جامعة ، تذوب بقيامها القبيلة الصغرى بأطرها التقليدية وتنتفي الحاجة إلى الجهد والإجتهاد الشخصيان ، لحوز المصالح والحفاظ عليها ، في ظل حضور الدولة وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والتي تغلب الفرد أو الجماعة في زمن غياب الدولة ، أو قبل وجودها . فالقواسم المشتركة بين القبيلة والدولة في التعريف العلمي والواقع العملي متشابهان إلى حد التطابق من حيث وجود أقوام على أرض معلومة والإستقلالية والسعي للمصالح والتنظيم ووجود الصراع مع الآخر كسمة من سمات العيش الإنساني .
وكل مافي الأمر هو قبول الفرد والجماعة في مؤسسة القبيلة بقيام الدولة وماتعنيه من تكريس السلطة وتقنينها ومأسسة قطاعاتها ، وهذا إقرار من الفرد والجماعة بالقبول بصيغة عيش متقدمة وتنازله عن جملة من قناعاته ومساعيه في زمن ثقافة القبيلة لصالح ثقافة الدولة . فتنتقل المجتمعات من الأعراف إلى القوانين ومن السنن والسوارح والعادات والتقاليد القبلية إلى مؤسسات الدولة وتشريعاتها الرامية إلى توفير الأمن والأمان وصون حقوق ومكتسبات الناس المادية منها والمعنوية وتنظيم أوجه حياتهم .
صراع الدولة والقبيلة
لاشك بوجود صراع عنيف متأرجح بين سمات العنف والنعومة بين ثقافة القبيلة وثقافة الدولة في الوطن العربي ، ومرد هذا الصراع وسببه الرئيس أن من أقام وأنشأ الدولة العربية المعاصرة وبسط ثقافتها ، سوقها كناسخ تام للقبيلة وكبديل جذري لها ، كما كرس في الأذهان والعقول بأن القبيلة رمزًا من رموز الرجعية والتخلف والعودة إلى أزمنة الجهل والفلتان والغلبة بالقوة والكثرة ، بينما غاب عن ذهنه أن الأعراف والسنن والسوارح القبلية كانت ومازالت في أغلب موادها أقوى وأثرى وأنصف من أي قانون وضعي عرفته دولة الإستقلال العربي ، في تسيير حياة المجتمعات وتنظيمها وحفظ الحقوق وصونها وتنظيم العلاقات بين مكونات المجتمع القبلي . لهذا تنبهت بعض الأقطار العربية فطعمت قوانينها كالجزاء والعقوبات والأحوال الشخصية بما تعارف عليه المجتمع من قيم وأخلاق يُقرها العقل ويزكيها الشرع في مراحل نشوء الدولة وإقرار الدساتير .
وقد استعاد رجال القضاء المبادئ الدستورية التي تقول إن الشعب هو الطرف الأصيل بينما السلطة هي الوكيل عنه الممتثل لإرادته والملبي لطلباته, فالشعب هو صاحب القرار والكلمة, وعندما تستجيب السلطة لما يريده الشعب فانها لا تمنحه شيئا ولا تتفضل عليه, وإنما تؤدي وظيفتها الطبيعية التي تبرر وجودها واستمرارها. ومن ضمن هذه الأشياء – بلا شك – سلة القيم ونفيس الموروث للمجتمعات والشعوب ، ومؤسسة القبيلة العربية جزء أصيل منهما .
لهذا فالمتأمل في علاقة الإسلام بمرحلة الجاهلية به ، يجد إن الإسلام لم ينسخ الجاهلية بل أقر منها جملة من الأخلاق والقيم الفطرية التي وجد عليها العرب قبل الإسلام حيث قال النبي الأكرم (ص) بإيجاز لتلك العلاقة والنظرة في قوله : خياركم في الجاهلية ، خياركم في الإسلام .
كما لم ينسخ الإسلام العظيم أو ينحى نحو الصدام والغلظة والفضاضة في علاقته مع الشعوب غير العربية والتي إهتدت للإسلام تباعًا ، وخاصة أبناء الحضارات العريقة منهم كالهنود والفرس والصينيين والروم . وهذا مايؤدي بنا بالنتيجة إلى تعلم سلوك الإسلام في نقل الشعوب والمجتمعات من طور إلى طور بمرونة وطواعية ورسوخ . وحتى من تشريع لآخر ، حيث إلتمس التدرج في تحريم الخمر وفي ذلك مواعظ وعبر عظيمة لأولي الألباب .
للأسف الشديد لم تراعي أغلب الأقطار العربية وتلتمس خطى الإنتقال الهادئ والمريح والعميق من عهد القبيلة إلى عهد الدولة ، بل قفزت فوق الواقع حين إختارت الغلبة والقهر كسبيل أوحد ولغة يتيمة لولوج عصر الدولة ونسخ القبيلة ، فنشأت لدينا الدولة القبيلة والدولة العائلة والدولة الفرد ، كبديل طبيعي للدولة الجامعة الفاعلة . وبقيت ثقافة القبيلة تعتمل في العقل الجمعي والسلوك الفردي والجماعي تتحين فرص غياب الدولة لتعلن عن نفسها وتثأر وتقتص ممن كان سببًا في تغييبها قسرًا وخلسة . وقد رأينا ذلك بجلاء في اليمن وحين غابت الدولة وفي العراق وليبيا كذلك ، لأن الإنتقال من طور القبيلة إلى طور الدولة لم يكن سلميًا وطوعيًا وواقعيًا وذكيًا ، بينما غاب ذلك الصراع الدرامي عن المشهدين المصري والتونسي حيث غابت القبيلة وإنقسمت الأطياف وإختلفت حول كيفية بناء الدولة وجبر ضررها ، لاكيفية إحلال القبيلة وإنتهاز فرص غياب الدولة .
كما أن عبقرية الزعيم الصيني ماو تسي تونج أوجبت عليه المزاوجة بين شيوعيته في تسيير الصين الحديثة وكونفوشيوسيته في ثقافة وروح ثورته ودولته ، وهذا ماغاب عن أذهان الشيوعيين الآخرين والذين قفزوا على الواقع وتخطوه ، فإنهارت شيوعياتهم وصمدت شيوعية المارد الصيني لأنها من نسيج ثقافة وموروث راسخين. أي شيوعية منتجة في الصين وخاصة بها ونابعة من حاجاتها الملحة ، ولم تكن إستيرادًا ولا تقليدًا ولا ترفًا .
المجتمعات بطبيعة الحال جُبلت على العصبية ، وهذه العصبية لانستطيع تجاوزها بعلم ولا بوعي ولا بمعرفة ولا قيم تسامح ، بل أن جميع هذه أدوات لفهم العصبية وتطورها وتكريسها ، كونها حالة متحولة تمر بأطوار ومسميات مختلفة . فمايدفع القبيلة في اليمن هو مايدفع الأسكتلندي اليوم إلى الدعوة للإنفصال عن التاج البريطاني بعد مايربو على ثلاثة قرون من الكيان الواحد . رغم فارق وإختلاف العنوان بين القبلية هنا والقومية هناك إلا أنها العصبية في النهاية . وإذا غابت الحالتان في مجتمع ما ، برزت عصبيات أخرى كالمناطقية والحزبية أو الطائفية ، وبالتالي فحياة الإنسان محفوفة بالصراع والصراع هو سر الوجود . والخلاف والخوف ليس من الصراع وعليه ، بل من حدته وعنفيته وأدوات سلميته . من هنا يمكننا القول بإيجاز بأن الدولة العربية الحديثة ، لوقدر لها أن تتصالح مع القبيلة وثقافتها وتخرج من عباءة ثقافتها وتقر لها بالفضل في أزمنة ماقبل الدولة في الحفاظ على المجتمعات والحقوق كلبنة من لبنات الدولة والمجتمع ، ثم تطوير أدوات القبيلة في المأسسة والتشريع والقيم ، لذابت القبيلة تلقائيًا وإنتقل أفرادها وثقافتها إلى رحاب الدولة طواعية وسلمية ورسوخًا . ولإنتفت الحاجة إلى وسائل صراع عنفية ولأسست لبُنية فكرية مرنة وقابلة للتطوير والإنفتاح والتعاطي مع الجديد برحابة صدر وفكر كأطوار أخرى مرتقبة من مراحل حياة المجتمعات وإرتقاءها الطبيعي .


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013