مستنقع شرق الفرات التقارير والمقالات | مستنقع شرق الفرات
تاريخ النشر: 30-10-2019

بقلم: بيار عقيقي

المستنقع يبقى مستنقعاً، مهما أسبغت عليه من صيغٍ تجميلية تحت اسم "نبع السلام" أو غيره. لم يدخل أي جيشٍ بلداً إلا وغرق فيه. ابسطوا الخرائط أمامكم، ودلّوا بأصابعكم إلى فيتنام وأفغانستان، ثم العراق ولبنان، وقبلها الغزوات الألمانية واليابانية في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) وغيرها.

المستنقع هو الذي دفع الجيوش الغازية في أحيانٍ كثيرة إلى تدريب قواتٍ موالية لها في البلدان التي تجتاحها للقيام بعملها. لا تنسوا "جيش لبنان الجنوبي" الذي كان أداة في يد الإسرائيليين، ولا الفصائل الصغيرة الموزّعة يمنة ويسرة تحت مسمّى "الجيوش الوطنية".

المسألة، وإن كانت تتعلق بالأكراد في شرق الفرات هذه المرّة، إلا أنها لن تخرج من لعنة الجغرافيا والتاريخ. الإيرانيون سينسحبون من سورية يوماً ما، والروس أيضاً، وكذلك الأتراك من شرق الشمال. لا شيء يبقى على حاله عموماً، ولا هدف يتحقق بالكامل خصوصاً.
لن يؤدّي الهجوم التركي إلى ما يريده الرئيس رجب طيب أردوغان، لأسباب عدة، تبدأ من كونه سيصطدم لا محالة بالمصالح الإيرانية والروسية والأميركية في سورية.

ليس بالضرورة أن يتحوّل الأمر إلى حربٍ، لكنه سيتحوّل، بحدّه الأدنى، إلى عرقلة الحراك العسكري بحججٍ عدة، تُفضي إلى عدم تحقيق الجيش أهدافه كلها.

وفي حال استوعب الأكراد الهجوم الحالي، وقاموا بردة فعل، من خلال تنفيذهم عملياتٍ إرهابية في الداخل التركي، عبر حزب العمال الكردستاني، حتى لو تمّ تحييد زعيمه عبد الله أوجلان في سجنه، كيف ستصبح تركيا حينها؟

هذا إذا لم يقرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض الضرائب على الاقتصاد التركي، الأمر الذي فعله في صيف 2018 للدفع باتجاه الإفراج عن القس أندرو برانسون من سجون تركيا، وهو ما حصل.

ماذا لو تململت المعارضة التركية المؤيدة حالياً للعملية العسكرية، وبدأت طرح أسئلة من نوع "ماذا تحقق من العملية؟ كم عدد الجنود الذين سقطوا؟ هل تحقق الأمن في المناطق الحدودية مع سورية؟ هل أقمتم المنطقة الآمنة؟ هل أعدتم اللاجئين السوريين إلى هناك؟".

كمية الأسئلة التي ستُطرح ستجعل من الجيش التركي مستعجلاً أكثر لحسم العمليات. ولا يُمكن حسم العمليات بهذه السهولة والعجلة في منطقة مساحتها تقريباً 60 ألف كيلومتر مربّع، خصوصاً إذا ما اتّبع الأكراد أسلوب "القتال من منزل إلى منزل".

الجيش الألماني وصل بأسرع طريقة ممكنة إلى ستالينغراد في أغسطس/ آب 1942، وسط دعاية مكثفة في الإعلام النازي، لكنه سقط في أسوأ طريقة ممكنة في التاريخ بعد أشهر قليلة في فبراير/ شباط 1943.

هل يمكن وقف العمليات حالياً؟ ربما إذا ما تمّ الاقتناع بأن الوصول إلى مناطق حدودية عربية قد يكون كافياً لرسم خريطة طريق جديدة، في انتظار ما سيؤول إليه ملف محافظة إدلب من جهة، وملف اللاجئين السوريين من جهة أخرى.

وقد تكون فكرة الحوار الثلاثي بين الأتراك والأكراد والنظام السوري جزءاً من حلٍ روسي، لكنه لن يكرّس سوى نفوذ موسكو في دمشق. وهو الوضع الذي تقبّله النظام باكراً لحاجته إلى الحماية، والأكراد على طريق القبول به، وسيتقبّله الأتراك بحسب سير العمليات العسكرية. وبناءً عليه، ستتغيّر الأولويات حكماً، وسيجد الجميع نفسه أسيراً لتشابكاتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ ونفطيةٍ وعسكرية (مرتبطة ببيع السلاح)، تحكمها روسيا.

أما الأكراد، فهناك ثابتة أساسية: لن يتمكّنوا حالياً، في أي سياقٍ جارٍ، من تأسيس دولة خاصة بهم، لا تركيا ولا إيران ولا العراق ولا سورية تقبل بذلك.

بعلم ذلك، فإن عملية "نبع السلام" خطيئة جيوسياسية لتركيا، فالمستنقعات وُجدت لتُغرقنا لا لتُنجدنا.

 


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013