جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

برغم الغياب، ناصر باقٍ في قلوب الملايين | بقلم: محمود كعوش
برغم الغياب، ناصر باقٍ في قلوب الملايين



بقلم: محمود كعوش  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
11-08-2018 - 1746

برغم مضي 66 عاماً على تفجر ثورة 23 تموز/يوليو 1952 بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فإنها ما تزال الثورة الرائدة والعنوان الأبرز لنضال الشعب المصري. وعلى ما يبدو فإنها ستحافظ على نبضها في وجدان المصريين عقوداً أخرى كثيرة بعدما تأكد لهم من خلال التجارب المتواصلة التي شهدتها مصر على مدار أكثر من ستة عقود أنها الثورة الأم والحدث الأهم الذي غير وجه الحياة في مصر على جميع الأصعدة. فتأثير ثورة 23 تموز/يوليو 1952 تمدد لأبعد من حدود مكانها وزمانها، وتجاوز المحيطين العربي والإقليمي ليصل إلى المحيط الدولي.
وبرغم كل المتغيرات التي شهدها العالم وتلك التي شهدتها الثورة نفسها إلا أن هذه لم تتقوقع ولم تعزل نفسها عن متغيرات العصر بل تواصلت معها وواكبتها وصححت مسارها لما في خير وسلامة المسيرة الوطنية المصرية والقومية العربية والأممية على المستوى الدولي، من منطلق حقيقة أن حركة التاريخ تحافظ على استمرارها ولا تعرف التوقف.
لا شك أن التطرق لثورة 23 تموز/يوليو 1952 في ذكراها الجديدة بكل ما حفلت به من تجربة فكرية وسياسية واقتصادية كان لها الأثر في تشكيل التيار الشعبي الناصري على امتداد خارطة الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، يستدعي ضرورة الربط المنطقي والعملي فيما بين الثورة وشخصية قائدها، الذي كان له ولنفر من الضباط الأحرار في الجيش المصري فضل تفجيرها والإطاحة بالملكية الاستبدادية وإعادة السلطة للمصريين أصحابها الحقيقيين، لأول مرة في تاريخ مصر الحديث.
ولا شك في أن مُضي 66 عاماً على قيام الثورة المجيدة ومضي 48 عاماً على غياب قائدها جمال عبد الناصر لم ينالا من وهج وبريق حضورهما، أكان ذلك على الصعيد المصري أو على الصعيد العربي. فعقول وقلوب المصريين وغالبية العرب لم تزل مشدودة إليهما، ولم تزل تنبض بالحب والوفاء لهما. ويؤكد قولنا هذا ذلك الإقبال الجماهيري المتنامي على أدبيات ثورة 23 تموز/يوليو 1952، والفكر الناصري، والدراسات التي تناولت سيرة جمال عبد الناصر كقائد عربي تجاوز بزعامته وفكره المحيطين العربي والإقليمي. ويؤكد ذلك أيضا تصدر شعارات الثورة وصور قائدها معظم المظاهرات والتجمعات الشعبية التي تشهدها مصر والعديد من الأقطار العربية بين الحين والآخر، تعبيرا عن رفض الجماهير لحالة الخنوع الرسمي العربي والاستسلام للإملاءات الأميركية – الصهيونية، وعن رفض السياسات الاستعمارية – الاستيطانية التي تستهدف الوطن العربي، والتي تعبر عن ذاتها بشتى الصور وصنوف العدوان، وعن السعي وراء الإصلاحات التي تتواءم مع متطلبات العصر.
هذه الحقيقة تستدعي إعادة طرح ذات السؤال الذي اعتدت على طرحه كلما تطرقت بحديثي إلى ثورة تموز/يوليو وقائدها:
ترى لِمَّ كل هذا الحب والوفاء للثورة وشخص قائدها، برغم كل ما تعرضا له من مؤامرات ودسائس ومحاولات تشويه متعمدة ومقصودة من قبل القوى الداخلية والعربية المضادة والأجنبية الاستعمارية - الاستيطانية، وبرغم مضي وقت طويل على ولادة الثورة ورحيل قائدها؟
ولماذا تسمرت جميع التجارب العربية الفكرية والسياسية عند أقدام أصحابها وانتهت مع رحيلهم في حين بدل أن تنتهي التجربة الناصرية مع رحيل صاحبها تضاعف زخمها الجماهيري واتسعت رقعة مناصريها لتشمل جميع الأقطار العربية بلا استثناء؟
مع تفجر ثورة 23 تموز/يوليو 1952 أظهر جمال عبد الناصر براعة فائقة في محاكاة عواطف وأحلام الجماهير المصرية والعربية، وذلك من خلال عرضه لخطوط الثورة العريضة والشعارات التي طرحتها، كما أظهر براعة فائقة في محاكاة حاجات هذه الجماهير على الصعيدين الوطني والقومي، وذلك من خلال عرضه للأهداف التي حددتها. فقد كان عبد الناصر الابن البار لتلك الجماهير، وكان المعبر عن آمالها وآلامها، كما وكانت الثورة حلما لطالما راود خياله ودغدغ عواطفه تماماً كما راود خيال تلك الجماهير ودغدغ عواطفها. والشعارات والأهداف التي تراوحت بين القضاء على الاستعمار والإقطاع والاحتكار وسيطرة رأس المال وإرساء العدالة الاجتماعية والحياة الديمقراطية ورفع مستوى المعيشة وزيادة الإنتاج وإقامة جيش وطني قوي يتولى الدفاع عن مصر والأمة العربية، جاءت بمجملها متناغمة مع أحلام وحاجات المواطنين المصريين والعرب، لأنهم كانوا ما يزالون تحت وطأة الهزيمة العربية الكبرى التي تمثلت بنكبة فلسطين 1948، وتحت وطأة الإفرازات والإرهاصات التي نجمت عنها.
مثلها مثل جميع الثورات التي عرفها العالم، كان لثورة تموز/يوليو المصرية سلبياتها وإيجابياتها، إلا أنها وبرغم سلبياتها كان لها الفضل الأكبر في التحولات الوطنية والقومية التي شهدتها مصر والوطن العربي.
وبالرغم من عدم توفر الفرص الرحبة التي كانت ستمكن الثورة من تحقيق جميع الشعارات والأهداف التي رفعتها وحددتها لو تحققت، وبالأخص في مجال ديمقراطية المؤسسات والفرد، لاعتبارات كانت خارج إرادتها وإرادة قائدها، أبرزها قصر عمريهما وتكالب القوى الداخلية والعربية المضادة والأجنبية الاستعمارية - الاستيطانية عليهما، إلا أنه كان لها ولقائدها الفضل الأكبر في التحولات الوطنية والقومية التي شهدتها مصر والوطن العربي على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والروحية، خاصة خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن العشرين، حيث عرف المد القومي ذروة زخمه وأوج مجده.
ولعل من الإنصاف أن نسجل لثورة تموز/يوليو وقائدها نجاحهما في إعلان الجمهورية وإعادة السلطة لأصحابها الحقيقيين وتحقيق الجلاء وإرساء دعائم الاستقلال وتطبيق الإصلاح الزراعي وتقوية الجيش وتسليحه وإقامة الصناعة الحربية وتأميم قناة السويس وتحقيق الوحدة بين مصر وسوريا وبناء السد العالي وإدخال مصر معركة التصنيع وتوفير التعليم المجاني وضمان حقوق العمال والضمانات الصحية والنهضة العمرانية. ولاشك أن هذه منجزات كبيرة جدا، إذا ما قيست بالمسافة الزمنية العمرية القصيرة للثورة وقائدها وحجم المؤامرات التي تعرضا لها. فالتجربة الثورية الناصرية لم تكن بعد قد بلغت الثامنة عشر من عمرها يوم اختطف الموت قائدها وهو يؤدي دوره القومي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وقضيته وثورته. إلا أنها وبرغم ذلك، استطاعت أن تفرض ذاتها على الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج من خلال طرحها مشروعا نهضويا قوميا عربيا حقيقيا، لطالما حلمت به هذه الجماهير وأحست بحاجتها الماسة إليه، ومن خلال حمل قائدها أعباء قضايا الأمة والتعبير عن آمالها وشجونها حتى اللحظات الأخيرة من حياته.
لقد مثلت ثورة 23 تموز/يوليو 1952 نتاج مرحلة تاريخية بالغة التعقيد عرفت جملة من المتغيرات الإقليمية والدولية التي فرضتها نتائج الحرب العالمية الثانية، مثل بروز الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (الذي كانت تشكل روسيا الحالية الجزء الأهم في تكوينه والأكثر تأثيراً فيه) كقوتين عظميين، ومثل حدوث نكبة فلسطين وولادة الكيان الصهيوني العنصري في قلب الوطن العربي. لذا كان بديهيا أن تتشكل مع الثورة الحالة النهضوية القومية الوحدوية البديلة للواقع العربي القطري المفكك والمشرذم. وكان بديهيا أن تتشكل معها الحالة الثورية الوطنية التقدمية البديلة لحالة التخلف والإقطاع والاستبداد والرأسمالية الغربية والشيوعية الشرقية، من خلال بروز عبد الناصر كواحد من الأقطاب العالميين للمثلث الذي أسهم في ولادة معسكر الحياد الإيجابي الذي تمثل بمجموعة دول عدم الانحياز.
فعلى مدار 48 عاما أعقبت رحيل عبد الناصر، منيت جميع التجارب الفكرية والسياسية العربية بالفشل الذريع، لأنها لم تستطع تشكيل البديل الذي يحظى بثقة الجماهير العربية وتأييدها، بل على العكس من ذلك قادت الأمة إلى العديد من الخيبات المؤلمة. وقد أخذ على تلك التجارب منفردة ومجتمعة أنها بدل أن تتناول التجربة الناصرية بوضعيتها الثورية وشخصية قائدها الفذة بالتقييم المنطقي المجرد والنقد الموضوعي والبناء على ضوء نجاحاتها وإخفاقاتها والظروف الداخلية والإقليمية والدولية لغرض تصحيحها والبناء عليها، اختارت مواجهة الجماهير بمفاهيم جديدة اتسمت بروحية انقلابية تصادمية وتغيرية، الأمر الذي أدى إلى لفظ الجماهير لتلك المفاهيم والعمل على إسقاطها وبقائها على وفائها للثورة وتجربتها وقائدها.
اليوم ونحن ننظر بحزن وألم إلى ما آلت إليه الأوضاع العربية بسبب الخريف العربي الذي لم تزل رياحه المدمرة تعصف بالعديد من البلدان العربية وبسبب ما يُقال عن "صفقة" يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لفرضها على الفلسطينيين خدمة للمشروع الصهيوني التوسعي في الوطن العربي، أجدد طرح ذات السؤال الذي لطالما طرحته من قبل:
ترى ألم تحن لحظة الحقيقة التي يفترض معها أن يعترف المصريون والعرب بحالة التميز التي شكلتها ثورة 23 تموز/يوليو 1952، بتجربتها وشخص قائدها، والتي يمكن أن يخطوا معها خطوات إلى الأمام تحفزهم على تقييمها ونقدها بشكل بناء وموضوعي لأخذ العبر من نجاحاتها وتصحيح إخفاقاتها ووضعها موضع التطبيق العملي والبناء عليها، والعمل الجدي لوقف تدمير الوطن العربي بدعاوي الديمقراطية المزيفة و"الربيع العربي" الكاذب و"صفعة العصر" التآمرية وإخراجه من حالة الوهن والضعف والاستكانة والتفكك، وتحقيق الربيع العربي الحقيقي الذي لطالما نشدناه وانتظرناه؟ أظنها حانت، أو قرب أوانها!!

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


الرئيس الأمريكي والكتب
بقلم: عبد الحسين شعبان

حقوق الشعوب والأمم من حقوق الإنسان
بقلم: د. عبدالاله بلقزيز



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب محمود كعوش |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//