جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية المجلس الثقافي

الدين والتنوير العقلاني والسياسي | بقلم: د. السيد ولد أباه
الدين والتنوير العقلاني والسياسي



بقلم: د. السيد ولد أباه  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
19-06-2018 - 1607

تساءلنا في مقالة الأسبوع الماضي عن طبيعة العلاقة بين ديناميكيات ثلاث عرفها المجتمع الغربي، هي التنوير العقلاني، والدولة السيادية، والتدبير القانوني للدين في الشأن العمومي ، من حيث مطالب وحاجيات المجتمع العربي الراهن.

ما يتعين التنبيه إليه هو أن العلاقة بين الديناميكيات الثلاث ليست بديهية ولا تلقائية رغم الخيوط التي جمعت بينها في السياق التاريخي. فإذا كان التنوير نتاج موقف فلسفي اتسم بالعقلانية الكونية المتسامحة، فإن الدولة السيادية لم تكن هي أفق المشروع التنوير، بل هي الحل العملي للمشاكل التي طرحها التنوع الديني والفكري في المجتمعات الحديثة، بينما شكّل التدبير القانوني للدين حلاً للمشكل الذي طرحه الانفصام المتزايد بين الحقل السياسي والحقل المدني.

لابد هنا من التمييز بين طبيعة التجارب الثلاث الكبرى التي عرفتها أوروبا: التنوير الألماني الذي كان في جوهره ثمرة إصلاح ديني عميق واتسم بالكونية الإنسانية أفقاً للاستخدام العمومي للعقل (كانط ومندلسون وليسنغ)، والتنوير الإنجليزي الذي كان في عمقه إصلاحاً سياسياً انطلق من مركزية فكرة الحرية الفردية بما تقتضيه من تقييد لسلطة الدولة وتحييد للكنيسة في الشأن العمومي (هيوم وهوبز ولوك)، والتنوير الفرنسي الذي أخذ شكلا راديكالياً اصطدم بالدِّين واتجه إلى تعويضه معرفياً بالعقل الوضعي واجتماعياً بالدولة الكلية المعبرة عن الإرادة الجماعية المشتركة (مونتسكيو وديدرو وفولتير وروسو).

ما يجمع هذه الحركيات الثلاث، هو النزعة العقلانية الذاتية التي هي جوهر التنوير (الاستخدام العمومي الحر للعقل حسب تعريف كانط)، بيد أنها اختلفت أشد الاختلاف في طبيعة تصور وإدارة المسألة الدينية السياسية. في ألمانيا التي كانت تحكمها ممالك ودوّل متعددة ولم تكن فيها سلطة كنسية قوية نتيجة لنجاح حركة الإصلاح الديني (البروتستانتي )، برزت أطروحة الديانة الطبيعية العقلانية كتعبير عن الجوهر الأخلاقي في اللاهوت الديني وأطروحة الجماعة العقلانية كتعبير عن المجموعة الدينية الشعائرية.

وفي التقليد الإنجليزي ظهرت فكرة الدولة السيادية التي كانت حلا للإشكالية التي تولدت عن التعارض بين مقتضيات الفردية الذاتية في نزوعها ضد هيمنة وتحكم السلط الدينية والسياسية ومقتضيات النظم المؤسسية الضامنة والمجسدة للحريات الفردية. ما حدث عمليا هو تشكل «لاهوت سياسي للدولة الحديثة التي اعتبرها هوبز «إلها فانيا» تقدم له قرابين الطاعة والخشية والولاء.

وفي المسار الفرنسي حيث تركة الدولة الملكية المركزية والمؤسسة الكاثوليكية القوية، ظل الصدام محتدماً منذ قيام ثورة 1789 بين مشروع التغيير الراديكالي العنيف الذي يستند لمدونة التنوير العقلاني في الهيمنة على المجتمع وتقويض الحريات الفردية بما فيها الحريات الدينية ومشروع البناء القومي للدولة الذي استند إلى المورث الرمزي للكنيسة الكاثوليكية؛ فكانت النظم اللائكية في بداية القرن العشرين تطوراً طبيعياً في هذا المسار الاستثنائي في أوروبا.

ما نستنتجه من التجارب الأوربية التي أشرنا إليها باقتضاب هو أن التنوير العقلي في قيمه النقدية والذاتية وتصوره المتسامح للتنوع العقدي، لا يتعارض مع ثوابت الدين وكلياته، بل يمكن بسهولة صياغته وفق محددات ومفاهيم التقليد الإسلامي كما حاول دعاة الإصلاح الديني في الإسلام من الإمامين الأفغاني ومحمد عبده إلى اليوم. كما أن الدولة المدنية الحديثة في منطقها الداخلي لم تقم على القطيعة مع الدين، وإنما سعت إلى بلورة النظم القانونية لضبط الحقل المدني في تنوعه وتعدديته، بما يعني نتيجتين أساسيتين هما: ترجمة المضمون المعياري للدين في قيم عقلانية كلية، والحفاظ على الحرية الدينية من حيث هي إحدى محددات الحرية الفردية المصانة.

لقد ذهب المفكر التونسي هشام جعيط في كتاب صادر في سبعينيات القرن الماضي إلى أن الإسلام هو الذي شكل الأساس التاريخي والمرجع القيمي والاجتماعي للدولة العربية في عصورها الوسطى، كما كان الأساس الذي استندت إليه شرعية الدولة الوطنية الوريثة لحركة التحرر الوطني، لذا فإن الدولة العربية الحديثة لا يمكن أن تتخلص في متخيلها السياسي من الدين ولا أن تتخلص منه مؤسسياً على غرار الدول الليبرالية الغربية.

والواقع أن عموم الدول العربية تبنت دستورياً الإسلام ديانةً للدولة، ولذا فلا معنى لطرح الشرعية الدينية للدولة كما هو توجه جماعات الإسلام السياسي، كما أن الإدارة العمومية للحقل الديني في المجتمعات العربية ضرورة حقيقية لإخراج الدين من التجاذبات السياسية وانتزاعه من مخالب الجماعات المتطرفة والعنيفة التي تحوله إلى معول لهدم المجتمعات والدول.


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//