جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية المقاومة القانونية | توثيق جرائم الصهيونية

وعد بَلفور..الأسباب غير المعلنة | بقلم: الدكتور علي ع. فضل الله
وعد بَلفور..الأسباب غير المعلنة



بقلم: الدكتور علي ع. فضل الله  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
08-01-2024 - 252

في الثاني من تشرين الثاني 1917م، أرسل وزير خارجيّة المملكة المتّحدة (بريطانيا) آرثر جيمس بلفور رسالة موجّهةً إلى منزل المصرفيّ والسياسيّ اليهوديّ ليونيل وولتر دي روتشيلد في لندن، في 148 بيكاديللي، ذكر فيها ما يأتي: “تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين، وستبذل أقصى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جليّاً أنّه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنيّة والدينيّة التي تتمتّع بها الطوائف غير اليهوديّة المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسيّ الذي يتمتّع به اليهود في أيّ بلد آخر”. وأُطلق على هذه الرسالة اسم «إعلان بلفور» (Balfour Declaration).

- بين رفض وتأييد
هذا النصّ كان نتاج مفاوضات ومداولات استمرّت طويلاً، وهو يمثّل تسوية بين عدد من الآراء المتفاوتة لدى السياسيّين البريطانيّين. فقبل يومين من صدوره، كانت حكومة لويد جورج تناقش إصدار هذا القرار بخصوص فلسطين، التي كانت خاضعة للاحتلال البريطانيّ، تحت مسمّى ملطّف أسمته عصبة الأمم بالانتداب. اختلف الوزراء البريطانيّون حول القرار، فكان ثمّة من يؤيّده ويعارضه. ويُنقل أنّ من بين المعارضين، للمفارقة، الوزير اليهوديّ الوحيد في الحكومة، وهو إدوين مونتغيو، والذي كان يتخوّف من تأثير القرار على وضع اليهود ومساواتهم مع غيرهم.

في هذه الأثناء، كان الناشط الصهيونيّ حاييم وايزمان ينتظر خارج القاعة، مترقّباً قرار الإمبراطوريّة التي لا تغيب عنها الشمس. من الواضح أنّ وجود وايزمان، الذي أصبح فيما بعد أوّل رئيس للكيان، في أروقة رئاسة الحكومة، دليل على النفوذ الكبير الذي تمتّعت به المنظّمة الصهيونيّة في ذلك الوقت. بعدها، خرج المستشار السياسيّ مارك سايكس ليهنّئه بالقول: “دكتور وايزمان.. المولود ذكر”.

- «وطن قوميّ»
تمكّنت الحركة الصهيونيّة، بعد جهد استمرّ لسنوات، من استصدار هذا القرار من الدولة الأقوى في العالم في ذلك الوقت، ومثّل هذا المولود انتصاراً كبيراً لهذه الحركة. فمنذ بداية الحرب العالميّة الأولى عام 1914م، بدأ البحث على المستوى الحكوميّ البريطانيّ في دعم إنشاء “وطن قوميّ” لليهود في فلسطين بالتحديد، بعد استبعاد خيارات أوغندا وغيرها من المناقشات. وكان أوّل لقاء بين بلفور ووايزمان قبل ذلك بعشر سنوات، أي في عام 1904م، حيث ناقشا الفكرة. وقبل إصدار إعلان بلفور بتسعة أشهر، في 7 شباط/ فبراير من عام 1917م، شارك سايكس في مداولات مع المنظّمة الصهيونيّة، والتي أدّت إلى طلب بلفور، في 19 حزيران/يونيو من العام نفسه، من روتشيلد ووايزمان تقديم مشروع للحكومة حول الإعلان. وخلال شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأوّل/أكتوبر، نوقشت صيغ متعدّدة، وكان ثمّة من يعارض هذا الإعلان كما ذكرنا، كما كان يهود العالم يتابعون باهتمام ما يجري في الأروقة الحكوميّة البريطانيّة. في المقابل، مثّل الوعد خيانة من التاج البريطانيّ للوعود التي قطعها سابقاً لشريف مكّة خلال مراسلات الحسين – مكماهون الشهيرة، وحتّى اليوم، لم تعتذر الحكومة البريطانيّة عن إعطائها ما لا تملك إلى من لا يستحقّ. نعم، اعترف البريطانيّون، عام 1939م، بأنّه كان من الضروريّ أخذ رأي السكّان الأصليّين لفلسطين بعين الاعتبار. كما اعترفوا، عام 2017م، بأنّ الإعلان كان ينقصه حماية الحقوق السياسيّة للعرب الفلسطينيّين. لكن، هل اعترف البريطانيّون بخطيئة وعد بلفور؟ حتّى الآن لا.

- أسباب إقرار وعد بلفور
إنّ الأسباب التي دفعت حكومة المملكة المتّحدة لإعلان منح فلسطين لليهود كانت مثار جدل ونقاش، لكن يمكن عرض عدد من الأسباب التي أدّت إلى إطلاق هذا الوعد المكوّن من 67 كلمة، لكن ذي الأثر الكبير في غرب آسيا:

1. انتهت الحرب العالميّة الأولى بانتصار محور الحلفاء. وكان من نتائج هذه الحرب تقاسم تركة الإمبراطوريّة العثمانيّة، التي كانت فلسطين تحت سيطرتها. ومن اللافت، عام 1921م، أنّ صكّ الانتداب الذي منحته عصبة الأمم لبريطانيا، تضمّن الإشارة إلى “مشورة يهوديّة” تمهّد لإنشاء وطن قوميّ لليهود في فلسطين. هذه فضيحة كبيرة لأوّل منظّمة دوليّة، بسماحها، في النصّ، بالبحث في سرقة أرض لشعبٍ موجود، دون أيّ مسوّغ.
2. انقسام “الاستعمار” إلى قسمين: إحلاليّ واحتلاليّ. وقد وضعنا كلمة استعمار بين مزدوجين لأنّها، في معناها الأصليّ، كلمة إيجابيّة، لكن شاع استخدامها لوصف الاحتلالات الغربيّة المتوحّشة لشعوب العالم. ففي قارّتَي أميركا وأستراليا، كان “الاستعمار” إحلاليّاً، أي أنّه هدف، في المقام الأوّل، إلى إبادة الشعوب الأصليّة والحلول مكانها. هذا النوع من التفكير كان عاديّاً في ذلك الوقت، وهو ما حاولوا تطبيقه في فلسطين دون حدوى. أمّا الاحتلاليّ فهو الذي يهدف إلى احتلال بلد ما والسيطرة عليه.

3. معاناة بريطانيا من التراجع الجيو-استراتيجيّ على مستوى العالم، وحاجة الإمبراطوريّة إلى المدد العسكريّ الأميركيّ لتتمكّن من الانتصار في الحرب. لذلك، سعت إلى تثبيت قواعد نفوذ لها في العالم، ومنها في فلسطين، من خلال النظر إلى التواجد اليهوديّ هناك، باعتباره خطّ دفاع أوّل لها وللغرب، في قلب العالم العربيّ والإسلاميّ، خوفاً من قيامه من جديد يوماً ما. وقد استثمرت الصهيونيّة في هذه المخاوف، وفي الوقت نفسه، هدف الأوروبيّون إلى التخلّص من عبء اليهود في بلادهم، ومن ميلهم الدائم نحو الربا والاحتكار والمهن غير الأخلاقيّة والفتن والخيانة، كما كانوا يعتبرون.

4. الجهد الذي قامت به الحركة الصهيونيّة التي دعت في أوّل مؤتمراتها عام 1897م، إلى تأسيس “وطن للشعب اليهوديّ في فلسطين تحت حماية القانون العام”. ولذلك، وُضعت خطط مبكرة من أجل تكثيف هجرة اليهود إلى فلسطين والترويج للسرديّة الصهيونيّة وزيادة الضغط السياسيّ من أجل الاستحصال على دعم الدول الكبرى لتحقيق هذا الهدف.

5. تقاسم النفوذ في غرب آسيا، فبحسب تقسيم مناطق النفوذ في منطقتنا، قدّم الفرنسيّ نفسه حامياً للطوائف الكاثوليكيّة، وقدّم الروسيّ نفسه حامياً للطائفة الأرثوذوكسيّة. فاحتاج البريطانيون إلى تبنّي طائفة متنامية العدد في فلسطين، وهي اليهوديّة، خصوصاً مع ضعف التواجد الإنجيليّ في الشرق الأدنى.

6. الحصول على دعم المنظّمات اليهوديّة في الولايات المتّحدة، خصوصاً في أجواء الحرب العالميّة الأولى. فقد قدّر البريطانيّون أن اللوبي اليهوديّ في مركز القرار الأميركيّ مفيد في التأثير على واشنطن، التي تمهّلت في الدخول في الحرب إلى جانبها. الجدير ذكره هنا، أنّه من عام 1902م، أصبح الاقتصاد الأميركيّ هو الأوّل في العالم، في دلالة إلى تعاظم قوّة الولايات المتّحدة، وجهوزيّتها لسيادة العالم في العقود اللاحقة.

7. تمتّع أسرة روتشيلد بنفوذ واسع في بريطانيا، وقدرة مجموعة من قادة اليهود في جمع الدعم لسياسات المملكة المتّحدة في الغرب. ولا بأس من لفت النظر إلى أنّ وايزمان نفسه، كان كيميائيّاً، وهو قدّم تركيبة خاصة بالمتفجّرات، ساعدت بريطانيا في الحرب، وكان من الجيّد مكافأته على ذلك.

8. رغبة بريطانيا في مدّ نفوذها “الاستعماريّ” إلى الشرق، وموقفها من المسلمين عامّة، وهو ما لوحظ في كلام قائد جيوشها الجنرال ألنبي عندما وصل إلى القدس، ومعايرته صلاح الدين الأيوبيّ بأنّ الأوروبيّين عادوا كما قال.

9. وجود مشروع مسيحيّ يتبنّى فكرة أنّ العهد القديم يدعو إلى تجميع اليهود في فلسطين كي يأتي المخلّص. وهذا النوع من التفكير شائع اليوم، ويوجد في الولايات المتّحدة الأميركيّة نحو 75 مليون أميركيّ يتّبعون هذا النهج من التفكير التوراتيّ. وهنا، من المفيد الإشارة إلى معركة جرت قبل يومين فقط من إعلان وعد بلفور، وهي معركة بئر السبع في فلسطين في 31 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917م. في هذه المعركة، انتصر البريطانيّون على الجيش العثمانيّ وسيطروا على بئر السبع. حينها، اعتبر بعض الإنجيليّين أنّ الجنود “يحقّقون نبوءة توراتيّة من خلال المساعدة في إعادة إسرائيل إلى اليهود”.

10. حاجة الحركة الصهيونيّة إلى دعم دولة كبرى لمخطّطاتهم من أجل إقناع باقي اليهود بفعاليّة مشروعهم وربحيّة الاستثمار فيه، وقد نجحوا في ذلك. يجدر الذكر أنّه قبل وعد بلفور، كان يوجد في بريطانيا نحو 300 ألف يهوديّ، فقط ثمانية آلاف منهم كانوا يؤيّدون الفكرة الصهيونيّة. أمّا عام 1913م، فكان 1% فقط من يهود العالم ينتمون إلى الحركة الصهيونيّة.

-أيّ سلام؟
عام 1949م، قُبل الكيان «الإسرائيليّ» عضواً في الأمم المتّحدة، وهي التي تشترط في ميثاقها أن تكون كلّ دولة فيها “مُحبّة للسلام”. في الواقع، لا يمكن وصف آرثر بلفور بأنّه دعم السلام في العالم، ولا يمكن النظر إلى «إسرائيل» بأنّها مُحبّة للسلام. لقد كان إنشاء هذا الكيان اعتداءً موصوفاً على شعب مشرقيّ.

ومن المفارقة، تخليداً لذكرى بلفور، وضع أقاربه في اسكتلندا لوحاً تذكاريّاً داخل إحدى الكنائس، كُتب عليه: «في ذكرى آرثر بلفور، الذي تمكّن عبر قدراته العقليّة والروحيّة كرجل دولة وفيلسوف، من إثراء مملكة العقل ودعم الحقيقة والنزاهة والسلام في العالم»!


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//