جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

التجريد الخلاّق.. أو الذكاء الاصطناعي كانكشاف | بقلم: ادريس هاني
التجريد الخلاّق.. أو الذكاء الاصطناعي كانكشاف



بقلم: ادريس هاني  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
17-09-2023 - 336

ولا زال البندول يتأرجح، ولمّا يتواسط بعد، وسيكولوجيا الاستعجال غير الاستشرافي لآماد الحركة الجوهرية للعقل، هي العقبة السيكولوجية الكأداء للمعرفة. وزمن الفلسفة ليس زمن الإنطباعات الاستعجالية التي تقع ضمن مقولة “أن ينفعل”، بل زمانها تحدده الخبرة الشعورية بالفينومين.

فسُلّم المدارك أو تاريخ الوعي في تقصّيه الترانسندنتالي، هو من يُحدِّد ويُقارب الزمن القصدي، زمن يصعب ضبطه بالإيقاع والمؤشر الميكانيكي للحركة.

تأخّر العقل العربي كثيرا ليُنتج نُخبا رخوة، مهما تمادت في نظراتها، لا تملك فنّ المسافة. والمسافة لا تعني البعد قدر الإمكان عن الذّات. فلا معرفة دون الوعي بتماس الذات بالموضوع. المسافة هنا بتعبير جوليان، هي البعد الموضوعي الذي يحقق الإراءة داخل الموضوع نفسه. لنقل هو النفوذ ما بين اللّحم والعظم بمُدى حادّة، النفوذ بين طبقات وتعقيدات الظاهرة نفسها.

وعند وعي ظاهرة التقنية، علينا توخّي هذه المسافة لكي نفهم، وننفذ لا لنبتعد ذُعرا من الذّاتي. الانقلاب الهيغلي على الذُّعر الكانطي بخصوص استبعاد الموضوع المكنون، واستجهال النومين، كما هو انقلاب هوسرل على اليسار الهيغلي بخصوص استبعاد الوعي الخالص، وإن كان لا أحد خرج من التجريد، لأنّ التجريد هو بحسب مقصوده وقاصده، تجريد غبيّ وتجريد ذكيّ قابل للترييض.

بالعودة إلى تطور التقنية وصولا إلى الاغتراب السيبراني، يحضر التجريد، وهو وسيلة الذات نفسها للانعتاق من الاغتراب. الوعي الخالص يعيد إنتاج الموقف الفينومينولوجي من الظاهرات. ما الذي يا ترى يجعل الإنسان يقرأ في التمظهر التقني انبهارا جارفا، سوى أنّنا نقع دائما ضحية للموقف الطبيعي. لا قيمة للعقل ما قبل التحليل الفينومينولوجي للوعي ومداركه، حيث العقل لحظة من لحظاته، ونبذة من تاريخه.

سعى غاستون باشلار للبحث عن مادية المادة، لنقُل: نسيان المادة، إذن، اليس جدير بنا أو أما آن الأوان للبحث عن عقلانية العقل؟ استيعاب المجال الترددي لتاريخ الأفكار، يعفينا من الوقوف في منتصف الطريق. لا زلنا نسلّم بالعقل كأقنوم وليس كمرحلة في تاريخ الوعي الفينومينولوجي، كمرتبة في سُلّم الوعي. إنّنا داخل المختبر ننقل صور الظاهرة الماثلة أمامنا، ثم ننقلها إلى مختبر الوعي، وهنا وحده عالِم الطبيعة والتقنية يدرك مهمّة التجريد وقيمة اللغة الرياضية.

العقل المشبع بالمعادلات الرياضية ولغتها، وحده يدرك قيمة الخيال والحدس في إنجاز المهمة العلمية.

هل التقنية تقنية في المبتدأ والخبر، أم أنّ أصل التقنية غير تقني حسب هيدغر؟ لنذهب بعيدا ونقول بأنّه ليس أصل التقنية فقط غير تقني، بل حتى غايتها غير تقنية، وهنا لا بدّ من وقفة تأمّل.

مع أنّ التقنية هنا من منظور الدازاين الهيدغيري، شكل من استفزاز الطبيعة لمزيد من الإظهار والانكشاف لإمكاناتها، وتدبير هذه الإمكانات في نسق من العلاقات، تنتهي بابتكار التقنية التي هي وسيلة الإنسان لتحقيق أغراضه. لسنا إزاء هيمنة على الطبيعة بالمعنى الديكارتي، بل استعمال إمكاناتها الدفينة وتحقيق ظهور قواها. التقنية لا تستغني عن قوى الطبيعة، وعبر الابتكار البشري تتحوّل قوى الطبيعة إلى انكشاف، إلى تقنية.

لنجرّب مثلا في الحقبة السيبرانية أن نوقف الكهرباء، وذلك عبر إيقاف مضخّ الطاقة ومنتجها، السدود، والمروحيات، سيتوقف كل شيء. كل جزء من هذه التقنية الأولى بما فيها البدائي، هو مؤثر في قوة ومصير التقنية، بما فيها السيبرانية. حتى المطرقة التي نحتاجها في بناء المنصات التي نحتاجها ايضا في طواحين الهواء، في السدود، في محطات توريد الكهرباء، وصولا إلى الحاسوب الذي لا يستغني عن المواد الطبيعية. هكذا وجب أن نفهم دورة التقنية كاستفزاز وإعادة توجيه لفعل الطبيعة عند هيدغر.

يتجاوز هيدغر الحديث عن التقنية في تمظهرها المادي، ويبحث ماهيتها، من حيث أصلها اللاّتقني، باعتبار أصل التقنية غير تقني، هكذا ترتسم قدرية دازاين داخل حتمية رؤية العالم عبر منظور التقنية بالعودة إلى أرسطي في الأخلاق عند نيقوماخوس، يستلهم هيدغر مفهوم الـ(techné: (τέχνη ، بمعنى كشف عن الحقيقة.

التقنية إذن كشف، إظهار، لنقل هي كشف لمكنونات القوة الطبيعية، يستطيع الإنسان إعادة توجيه الطبيعة وقواها، لنقل تدبير قوى الطبيعة، جعلها تشتغل بشكل مختلف ومختزل لصالح ما يحتاجه، عبر عملية استفزاز. إحكام السيطرة عبر تعزيز المراقبة والتفتيش والصعود، وفق تعبير هيدغر، نوع من”un arraisonnement de la nature”، مفهوم يحيل على عملية الإيقاف والصعود الذي تقوم به قوات البحرية للسفن قصد تفتيشها. السيطرة على الطبيعة هيدغيريا تتمّ عن طريق فعل الصعود أو الإيقاف الدوري ذلك.

لا شيء من حيث الماهية يتغير، فالتقنية المعاصرة هي كيفية أخرى، رياضية، لتحقيق هذا التوجيه والاستفزاز للطبيعة لتكشف عن قواها لصالح الإنسان. لكن لحظة انقلاب الوضعية يصبح الإنسان مستلبا في التقنية ، ومن هنا خطورتُها. تحويل الطبيعة عبر فعل الصعود إلى رصيد خاص. شيء لا يملك الإنسان الفكاك عنه، وقد تنقلب الوضعية فيصبح _لهذا السبب _ الإنسان ضحية التقنية، وهو ما يعني الاغتراب.

إنّ المخرج الهيدغيري من حالة الاستيلاب تلك، تكمن في المخرج الأنطولوجي، في استعادة الوعي بالوجود. القدر الممكن من السعادة، استحضار أصالة الوجود، وحدها تعفينا من هيمنة التقنية لأنها قدرنا ولا نستطيع أن نتخلّى عنها، لأننا نحن من أتى بها في نهاية المطاف. إنّه سؤال التقنية الذي يفرض أن ينطلق الحلّ من الفعل التّأمّلي لماهيتها.

نسيان الوجود يجعل الإنسان يغترب في التقنية التي يجهل ماهيتها، وقد ينتهي الأمر إلى ذُهان فيتيشي كما يبدو اليوم إزاء الذكاء الاصطناعي، متجاهلين أنّ لا شيء من هذا منفصل عن قوى الطبيعة نفسها، بعد إعادة توجيهها، ترى، ماذا بمقدور الذكاء الاصطناعي أن يفعل لو أنّ بُرغيّا انفلت من إحدى السدود المولدة للكهرباء، ألا نحتاج يومها، بل يتوقف كل شيء، على مطرقة يدوية؟ ماذا لو استنزفنا الموارد الطبيعية، فلا معادن بها تكتمل دورة التقنية نفسها انطلاقا من رصيد وخزّان القوى، التي يُنتج بها الإنسان كلّ هذا الذي ينقلب عليه، نتيجة غفلته عن ماهية الأشياء.

إن كان مبدأ التقنية غير تقني، لأنّها قدر بروميثيوسي، أو لنقل حتمية أن تكون نظرة الدازاين _كما نفهم من هيدغير_ للعالم هي نظرة تقنية بالضرورة، فإنّ غاية التقنية لا يمكنها أن تحول دون هذا الذُّهان التقني، من هنا أنّ الاغتراب التقني هو طريق انتحار كائن في تيه عن استيعاب ماهية الأشياء، وفي حافة نسيان الوجود، تتغّير بها غاية التقنية.

ثمّ، إنّ ما يميز الإنسان تقنيا، هو قدرته الفائقة على استعمال الذكاء بخلاف من يشاركه الحياة على الكوكب، عبر التجريد. يا لها من ملكة خلاّقة، بالتجريد يتمّ هذا التوجيه الاختزالي لقوى الطبيعة نفسها. إنّ ما يبدو ذكاء اصطناعيا، هو في نهاية المطاف امتداد للذكاء الإنساني، وشكل من الانكشاف الفائق لقوى الطبيعة نفسها.

من هنا نمسك بناصيةالبدايات. فإن فرضية ما بعد-الإنسان، هي هذا الشكل الذي يخرجنا من نسيان الوجود إلى تناسيه، إلى لحظة تعبير سيكولوجي عن إنسان مهزوم ماهويّا، مُدلّل بوصفه مميزا في ذكائه وقلقه، ربما اعتبر البعض هذه الفرضية (كما يصفهم “كلين”) “إنسان أتعبه أن يظلّ إنسانا”، وها هو يفعل ذلك عبر التقنية نفسها.

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


بيان بشأن الشعب الليبي الشقيق
بقلم: جامعة الأمة العربية

عندما يقع الارهاب الاخواني والداعشي .. فى حب إسرائيل !!
بقلم: الدكتور رفعت سيد أحمد



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب ادريس هاني |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//