جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

جليد موسكو لم يذب بعد | بقلم: محمد أ. الحسيني
جليد موسكو لم يذب بعد



بقلم: محمد أ. الحسيني  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
17-04-2022 - 1842

بات فولوديمير زيلينسكي يتصرّف وكأنه رئيس دولة كبرى، فهو من جهة يهدّد بأسقف مرتفعة، وكأنه يمتلك زمام المبادرة الميدانية في المواجهة ضد العملاق الروسي؛ ويفرض، معزّزاً بدعم عالمي غير مسبوق، أجندات سياسية وعسكرية وأمنية، ويرسم خارطة التطوّرات الدولية وكأنّ أوكرانيا أصبحت محور العالم. وتحوّل الممثل الكوميدي ضيفاً كبيراً في المنتديات والبرلمانات الدولية، يشرح ويوجّه وينادي بأوكرانيا على أنها "إسرائيل الجديدة"، ويطالب الدول بالحماية المطلقة على أطلال أشلاء ودمار شاركت قواته في افتعاله، وهي سياسة سبق أن نفّذها أسلافه الصهاينة في تبرير احتلال فلسطين.

ومن جهة أخرى يضع زيلينسكي نفسه في موقع المساومة، وكأنّه ينتظر على الضفة المقابلة من طاولة المفاوضات، ويؤكد أن لا حلّ للأزمة في أوكرانيا إلا بالتفاوض والحل الدبلوماسي، مستجدياً اللقاء مع القيصر فلاديمير بوتين باعتبار أنّه الباب الرئيسي لحلّ كل المشاكل، وتخليص العالم من شبح اندلاع حرب عالمية ثالثة. أما واشنطن البارعة في تسعير البؤر المشتعلة في العالم فهي حتى الآن تنجح في تسويق ترسانتها العسكرية بذريعة تمكين الحلفاء الأوروبيين والشركاء في "حلف شمالي الأطلسي" من الدفاع عن أنفسهم أمام الاجتياح الأرثوذكسي - السلافي القادم من الشرق والمدعوم من الامبراطورية الصينية الطامحة لغزو العالم، بحسب التصوير الأمريكي.

واشنطن ترسم معالم النظام العالمي الجديد

لم تترك الإدارة الأمريكية، ومن خلفها "حلفاؤها" الأوروبيون، سبيلاً إلى حصار روسيا إلا وفرضته منذ الأيام الأولى على انطلاق العملية الوقائية التي شنّتها موسكو في أوكرانيا، وفرضت خلال أقلّ من شهرين كمّاً هائلاً من العقوبات لم تكن موسكو تتوقّعه في مجالاتها ومستوياتها، وفق اعتراف مسؤوليها أنفسهم، وتعمل بشكل دائب على توريط الصين في أزمة الشرق والغرب، من خلال نكء الجرح المؤلم لبكين في تايوان، وتجنّد في هذا السياق حلفاءها في الشرق الذين يشكّلون نقطة استفزاز للعملاق الصيني، ولا سيما اليابان وكوريا الجنوبية وأوستراليا.

المواجهة ليست بين روسيا وأوكرانيا، وهذه المعادلة لم تكن غائبة في حسابات الإدارة الأمريكية قبل شهور أو سنوات من 24 شباط 2022، وهي الآن تطبّق مشروع إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد (New World Order) الذي تردّد على ألسنة الرؤساء الأمريكيين منذ عهد بيل كلينتون وصولاً إلى جو بايدن، باستثناء حقبة دونالد ترامب التي كانت مخصّصة لمعالجة الوضع الاقتصادي المترهّل في الولايات المتحدة، ولكن كيف سيكون شكل هذا النظام في ظلّ تداول سيناريوهات مرعبة باحتمال اندلاع حرب نووية، أو بانزلاق العالم نحو أزمة صحيّة طاحنة - لم تنجح جائحة كورونا بتحقيقها - بفعل حرب بيولوجية وجرثومية كانت تجهّز لها واشنطن انطلاقاً من أوكرانيا، وبدأت تتكشّف أوراقها في الوثائق التي نشرتها موسكو على الملأ، ولا نسقط من الحسابات الانهيار الاقتصادي العالمي الوشيك، الذي بدأت تتمظهر ملامحه في صرخات التحذير من الجوع في أوروبا بفعل المواجهة الكونية المرتقبة، والذي سيكون واحداً من المسبّبات الرئيسية للفوضى التي ستضرب الأنظمة العالمية؟

ألمانيا خارج السياق الأمريكي

إذًا، لم يعد الحديث مقتصراً على مراقبة تطوّرات الخارطة العسكرية على الأرض، مع تأكيد القيادة الروسية أن العملية مستمرة حتى تحقيق الأهداف، وأهمّها وفق ما أعلنته موسكو مراراً إخراج إقليم دونباس من دائرة حكومة كييف، ووصلها برّاً وبحراً مع شبه جزيرة القرم وبحر آزوف، فضلاً عن منع تحويل أوكرانيا إلى موقع عسكري أمريكي متقدّم على الحدود الباردة، وعليه فلا بد من مراقبة الإجراءات التي تقوم بها واشنطن في دفع أوروبا وبعض دول الشرق الأقصى إلى مواجهة روسيا ومعها الصين ولاحقاً كوريا الشمالية، في مخطّط تدميري شامل لا يجد معه معظم الأوروبيين بدّاً من السير به على "العمياني"، بلا حول ولا قرار.

وحدها ألمانيا شذّت عن هذا الانسياق الأهوج نحو المواجهة غير المحسوبة عسكرياً والأهم اقتصادياً، وتتبعها فرنسا بنسبة أقلّ وبخطاب متذبذب، إلى حين تحطّ نتائج الانتخابات رحالها، لتحدّد من الذي سيحكم في قصر الإليزيه، ويتّخذ القرار بشكل حاسم. وما يدفع برلين إلى انتهاج سياسة متباينة عن نظرائها الأوروبيين لا يتعلّق فقط باعتماد ألمانيا على موارد الطاقة الروسية - وهي موارد لم تنقطع أبداً، بل زادت وتيرتها بشكل مطرد بحيث حقق الناتج التجاري الروسي فائضاً بنسبة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة - بل لأسباب أخرى تتعلّق بقناعة المسؤولين الألمان أن لا أمن أوروبياً من دون روسيا، وأن المآل الذي ستصل إليه أوروبا، في حال اندفاعها في أتون الحرب، لن يكون سوى دمار أوكرانيا ومعها القارة العجوز، دون أن تؤدي الحرب إلى هزيمة الحلف الروسي - الصيني. كما أن سعار الكراهية الذي تروّج له واشنطن سيؤدي إلى نشوء أمم متحاربة ويقسّم العالم بين شرق وغرب تحكمهما العداوة وليس التوافق إلى أمد بعيد، خصوصاً مع سقوط نظرية القطب الواحد ونشوء أقطاب جديدة باعتراف أمريكي وأوروبي. ولا نغفل أن ألمانيا لم تسقط يوماً من حساباتها الخروج من قوقعة التبعية لأمريكا، وهي وحدها في أوروبا التي كانت تتجرّأ وتعارض "السيّد" الأمريكي حفاظاً على مصالحها الحيوية، فكيف لو أنها ترى نفسها تستحق أن تكون قطباً بين الكبار؟!

حرب صليبية جديدة لتدمير العالم

من المؤكد أن بايدن - أو من وراءه في الإدارة الأمريكية ممّن يخطّط ويرسم سيناريوهات التدمير - ماضٍ في حشر موسكو وبوتين في الزاوية، وسيندفع حتماً إلى توريط الصين في المواجهة النارية، فلا سبيل لإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد سوى بإحراق القديم وبناء منظومة أخرى على أنقاضها، وقد مهّد لذلك باستباق الخطوات المرسومة من خلال إطلاق وصف "مجرم حرب" على بوتين، ويعمل الآن على تكريس تهمة ارتكاب "الإبادة الجماعية" وصولاً إلى وصمه بصفة "الإرهاب"، واستصدار القرارات المعلّبة في الأمم المتحدة، وصولاً إلى طرد روسيا من المنظومة الدولية نهائياً وعزلها ووضعها في خانة الدول "المارقة"، وهكذا تعيد واشنطن نبش مقولة "الحرب الصليبية الجديدة" التي أطلقها جورج بوش الابن بعد تفجيرات 11 أيلول الهوليودية لتبرير الاجتياح الأمريكي لقلب المنطقة العربية على تخوم الحدود الإيرانية.

جليد موسكو لم يذب بعد

مشكلة الأمريكي هي استغراقه في لعب دور الحاكم المتسلّط، واقتناعه بأنّه القادر على فرض قراراته على الدول والأنظمة في العالم، مستغلاً فائض القوة العسكرية والقدرة على التحكّم بالحركة المالية والتجارية في العالم. وقد نجح في هذا السياق في تعامله مع معظم أوروبا ومعظم الدول العربية، ولكنّه انهزم بشكل ذريع في مواجهته مع إيران، ولم يستطع أن يفرض هيمنته على سوريا ولبنان، ولا يثق في إمكانية تجيير هيمنته على الدول الخليجية لصالحه، ولم يستطع أن يحقّق شيئاً من ذلك في مواجهته مع روسيا حتى اليوم، وتالياً مع الصين وكوريا الشمالية. أما بوتين فقد أكّد بشكل صريح أن الحرب في أوكرانيا هي الخطوة الأولى لكسر التحكّم الأمريكي في العالم، وحتى الآن لا يبدو حاكم روسيا مستعجلاً لحسم المعركة، فالجليد عنده لم يذُب بعد، ولم يحن الوقت ليقول كلمته الأخيرة.

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


تناقضات إردوغان لن تنتهي.. جاء دور باكستان!
بقلم: حسني محلي

تركيا والمصالحات الإقليميّة: سوريا لا تزال استثناءً...
بقلم: محمد نوزر الدين



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب محمد أ. الحسيني |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//