جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

الصراع مستمر في أميركا | بقلم: صبحي غندور
الصراع مستمر في أميركا



بقلم: صبحي غندور  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
09-01-2021 - 1093

أميركا التي يعرفها العالم المعاصر بأنّها قامت على أساسٍ دستوري سليم واتّحادٍ قوي بين الولايات، هي أيضًا أميركا التي تأسّست كمجتمع على ما يُعرف اختصارًا بأحرف: WASP والتي تعني "الرجال البيض الأنجلوسكسون البروتستانت". والدستور الأميركي العظيم الذي جرى إعداده منذ حوالي 230 سنة، كان معنيًّا به أوّلاً وأخيرًا هؤلاء المهاجرون القادمون من أوروبا، والذين مارسوا العبودية بأعنف أشكالها ضدّ الأفريقيين المستحضرين للقارّة الجديدة، إلى حين تحريرهم قانونيًا من العبودية على أيدي الرئيس إبراهام لنكولن في نهاية القرن التاسع عشر، بعد حربٍ أهلية طاحنة مع الولايات الجنوبية التي رفضت إلغاء العبودية في أميركا.

وقد كانت الانتخابات العامّة في أميركا، قبل حقبة العشرينات من القرن الماضي، محصورةً فقط بالرجال إلى أن حصلت المرأة الأميركية، بعد نضالٍ طويل، على حقّها بالتصويت. كذلك بالنسبة إلى أصحاب البشرة السوداء ذوي الأصول الأفريقية، حيث لم يحصلوا على حقوقهم المدنية إلّا في حقبة الستّينات من القرن الماضي. حتّى الشباب الأميركي، بين سن 18 و21، لم يأخذوا حقّهم بالتصويت في الانتخابات إلاّ بعد حرب فيتنام التي كان من ينتمون إلى هذه الفئة من العمر هم أكثر ضحاياها، فجرى منحهم حقّ اختيار من يقرّر مصير حياتهم!.

وقد تعايشت "الأصولية الأميركية" مع كلّ هذه التطورات الدستورية والاجتماعية الهامّة وأُجبرت على تقبّل نتائجها، لكنّ ذلك لم يلغِ العنصرية الدفينة في المجتمع الأميركي، خاصّةً في الولايات الجنوبية التي انهزمت في الحرب الأهلية. أيضاً، رغم أنّ النساء يشكّلن أكثر من نصف عدد السكان، فإنّ نسبة تمثيلهنّ في الكونغرس كانت محدودة، وكذلك في مراكز القيادة بالمؤسّسات الحكومية والخاصّة، ولم تحصل المرأة الأميركية بعد، في كثيرٍ من المواقع المهنية العامّة والخاصّة، على المساواة مع الرجل في قيمة أجور العمل.

ومن المهمّ أيضاً الإشارة إلى ما شهدته نيويورك وأماكن أخرى، في مطلع القرن العشرين، من حوادث دموية بين الأصوليين الأميركيين "الواسب" وبين المهاجرين الأيرلنديين الكاثوليك، كانعكاس للصراع بين البروتستانت والكاثوليك في أوروبا.

أمّا أميركا الحديثة فهي غير ذلك طبعًا، حيث الهجرة الكبيرة المتزايدة إلى الولايات المتحدة، في العقود الخمسة الماضية، من مختلف بقاع العالم، وبشكلٍ خاص من أميركا اللاتينية، بدأت تُغيّر معالم المجتمع الأميركي ثقافيًا ودينيًا واجتماعيًا وسياسيًا. وقد احتضن "الحزب الديمقراطي" هذه الفئات الجديدة، بينما راح "الحزب الجمهوري" باتجاهٍ محافظ ولّد فيما بعد ظاهرة "حزب الشاي"، التي أصبحت قوّةً مؤثّرة داخل تيّار "الجمهوريين"، في مقابل نموّ وتصاعد "التيّار الليبرالي" التقدّمي وسط "الحزب الديمقراطي".

ووسط هذه البيئة السياسية والاجتماعية، جرت أحداث 11 سبتمبر 2001 وما لحقها من حروب إدارة بوش الابن (الجمهورية)، والتي سبّبت أضرارًا اقتصادية وعسكرية وسياسية كبيرة للولايات المتحدة، وأدّت إلى فوز المرشّح الديمقراطي باراك أوباما في انتخابات العام 2008. لكن لم يصل أوباما الى منصب الرئاسة بتأييدٍ من عموم فئات المجتمع الأميركي، بل من تحالف الأقلّيات والمهاجرين وجيل الشباب، والذين نجحوا أيضاً في التجديد له لفترة رئاسية أخرى دون التمكّن من توفير غالبية مؤيّدة له في مجلسيْ الكونغرس الأميركي طيلة ستّ سنواتٍ من حكمه.

فالنمط الأميركي الثقافي اللاعنصري المعتدل، الذي جاء بأوباما للحكم، واجه عدّة تحدّياتٍ داخلية أبرزها الشعور العنصري الدفين في المجتمع الأميركي مقابل ما عليه أوباما من أصول إثنية أفريقية، ودينية إسلامية (لجهة والده)، ثمّ برنامجه السياسي والاجتماعي المتناقض مع برنامج اليمين المحافظ الأميركي.

ووجدنا في العقد الماضي خروجًا للقاعدة الشعبية في الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، عن رغبات القيادات التقليدية، حيث ظهر دونالد ترامب في الحزب الجمهوري، وبيرني ساندرز في الحزب الديمقراطي، وكان الأوّل تتويجًا لهيمنة تيّار محافظ وعنصري ومتمرّد عند الجمهوريين بدأ مع ظهور "حزب الشاي" منذ العام 2009، والثاني (أي ساندرز) كان تأكيدًا لقوة تيّار سياسي متنوّر ظهر عند الديمقراطيين منذ المؤتمر الحزبي في العام 2004، وتكرّس بفوز أوباما في العام 2008.

فالمجتمع الأميركي قام أصلًا على التمييز العنصري من الناحية العرقية، وشاهدنا في السنوات الأخيرة ممارساتٍ عنصرية كثيرة حدثت في أكثر من ولاية ضدّ الأميركيين ذوي البشرة السوداء. وهي عنصريةٌ متطوّرة ومتجدّدة الآن ضدّ كل أنواع المهاجرين الجدد من غير الأصول الأوروبية، فهي عنصرية شاملة حاليًا للأقلّيات ذات الأصول الدينية الإسلامية واليهودية، وللأقلّيات المختلفة ثقافيًا ولغويًا كالقادمين من أميركا اللاتينية ومن شرق آسيا. وقد ساهمت في إشعالها خطب وسياسات دونالد ترامب خلال حملاته الانتخابية ثمّ بعد تولّيه الرئاسة الأميركية.

هذه المتغيّرات تحصل في الحياة السياسية الأميركية منذ مطلع هذا القرن الجديد، وبعد تداعيات 11 سبتمبر 2001، حينما ارتبط موضوع الأمن الداخلي الأميركي بحروب كبيرة في العراق وأفغانستان، وبمسائل لها علاقة بالإرهاب وبالعرب وبالمسلمين، وبالأقليات الدينية والعرقية، وبتضخّم عدد المهاجرين اللاتينيين إلى أميركا، إضافةً طبعاً للدور الخطير الذي قام به من عُرِفوا باسم "المحافظين الجدد" في تغذية مشاعر الخوف من "الآخر" لدى عموم الأميركيين، ممّا دعم أيضًا الاتّجاه الديني المحافظ في عدّة ولاياتٍ أميركية، خاصّةً بعد فوز أوباما بمنصب الرئاسة وخوف أصحاب هذا الاتّجاه على نهاية عصر "أميركا البيضاء البروتستانت الأنجلوسكسون"!.

ولن يكون من السهل أبدًا خلال السنوات القليلة القادمة إعادة اللحمة بين أطياف المجتمع الأميركي الذي قام تاريخه أيضًا على استخدام العنف، وما زال عددٌ كبير من ولاياته يرفض التخلّي عن اقتناء الأسلحة الفردية وفكرة الميليشيات المسلّحة!.

 

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


خيانة شعب ..خيانة وطن ..... ما بين الإستبداد والتبعية ..إلى التطبيع
بقلم: الدكتورة هالة سليمان الأسعد

عُسْر الديمقراطية عربيا
بقلم: عبد الحسين شعبان



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب صبحي غندور |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//