جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

" المواطنة بين الواقع والخيال" | بقلم: نسرين نجم
" المواطنة بين الواقع والخيال"



بقلم: نسرين نجم  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
13-10-2019 - 1989

كثيرًا ما تتردد على مسامعنا كلمة "المواطنة" وهي من أكثر المفاهيم التي تتكرر في خطابات السياسين، وفي الندوات والمؤتمرات وورش العمل، لكنها وللأسف مغيبة عملًا وسلوكًا عند العديد من الشعوب التي تنظر إليها على أنها كلمة عابرة في كتاب "التربية الوطنية" أو أنه مفهوم هجين غريب شاعري... لذلك فإن مفهوم "المواطنة" يعيش أزمة علائقية واضحة بين المواطن (سيما الشباب) ودولته نتيجة لعوامل داخلية وأخرى خارجية.

لكن قبل أن نتحدث عن هذه العوامل لا بدّ من التوقف عند تعريف المواطنة وظهورها على الساحة السياسية... كما هو شائع فإن المواطنة هي الصفة التي تُمنح للمواطن والتي تتحدد بموجبها أمور عدة منها : الحقوق والواجبات.. وتعرف المواطنة في الموسوعة العربية العالمية بأنها: " إصطلاح يشير إلى الانتماء إلى أمة أو وطن" بينما تعرفها دائرة المعارف البريطانية على أنها " علاقة فرد ودولة كما يحدد قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من حقوق وواجبات"... وهي تعني المساواة بين المواطنين دون أدنى تمييز من ناحية الطائفة والدين والطبقة والثقافة والعرق.. لذلك يعتبر مبدأ المواطنة أحد الركائز الأساسية للعملية الديموقراطية.

بالطبع فإن "المواطنة" ليست فكرة سياسية بحتة بقدر ما تتضمن من أبعاد اجتماعية وقانونية ثقافية – سلوكية، وهي خلاصة تربية واعية وإنعكاس لثقافة سياسية ناضجة... وقد تبلور هذا المفهوم بعد معاهدة "وستفاليا" عام ،1648 وقد أتى مفهوم المواطنة كتطبيق عملي لفكرة "العقد الاجتماعي" عام 1789في فرنسا وعلى يد المصلح الاجتماعي روسو وهذا الأخير قد نظم العلاقة بين الحاكم والمحكومين، وقد تم إرساء دعائم المواطنة مع تشكل الدولة القومية الأوروبية الحديثة... لذا تعتبر المواطنة سيرورة تاريخية وديناميكية مستمرة وسلوك يكتسب عندما تتهيأ له الظروف الملائمة، وبالطبع هي تختلف إما نسبيًا وإما جذريًا من دولة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر.

وكما يقول Andrew Heyood” politics” بأن المواطنة في تجلياتها المجتمعية تمثل وجوهًا ثلاثة من العلاقات:

"1- علاقة المواطن بالوطن في حدوده الجغرافية وتراثه التاريخي، وينتج عنها إنتماء المواطن لوطنه ومن ثم اكتسابه الثقافة السياسية المواطنية.

2-علاقة المواطن بالمواطنين الذين يعيش معهم، وينتج عنها إبراز حق الشعب الذي هو، في المقاييس الديموقراطية العصرية، صاحب السيادة والحكم.

3-علاقة المواطن بالدولة التي ترعى شؤونه العامة وتعترف بحقوقه ضمن دائرة القانون."

نعود إلى العوامل الداخلية التي أضعفت مفهوم المواطنة سيما عند فئة الشباب، وهذه العوامل من المفترض أن تكون مقومات لترسيخ دعائمها.. ولكن غيابها (أي المقومات) أثر سلبًا على تجذريها وتثبيتها في النفوس، من بين هذه العوامل الداخلية:

* غياب العدالة والمساواة بين المواطنين.

*ضعف الولاء والإنتماء للوطن إلى حد ما، وسيطرة الولاء الأعمى لزعيم ما أو لرئيس تيار سياسي ما، وتغلغل العامل الطائفي- المذهبي في النفوس (نتيجة الصراعات والخلافات المذهبية والمناطقية التي عاشتها بعض دولنا العربية) على حساب العامل الوطني، وهذا الخلاف عززه عامل خارجي تمثل بدعم الدول الكبرى لفريق دون آخر ليس حبًا بهذا وكرهًا بذاك، بقدر ما هو يدعم تحقيق سلطتها واستبدادها ومطامعها.

*غياب المشاركة والمسؤولية، ففي أغلب دولنا العربية يسيطر مفهوم "الواسطة" على حساب "الكفاءة" الأمر الذي يحرم الكثير من الشباب ومن المواطنين بشكل عام من الوصول إلى المراتب والأماكن التي يجب أن يكونوا بها إنطلاقًا من العبارة الشهيرة "الشخص المناسب في المكان المناسب".

وهناك عامل آخر وهو : 

*بالإحباط عند جيل الشباب من عدم وضوح الرؤية المستقبلية لهم وغياب الخطط التنموية الاقتصادية الانتاجية المتعلقة بصناعة مصيرهم المعيشي والاقتصادي، سيما في ظل الأزمات الاقتصادية الخانقة وغياب لفرص العمل وسيطرة الفساد الإداري والمالي، أمور تدفع إلى بناء علاقة مأزومة بينهم وبين مؤسسات الحكومة تتمثل وتتمظهر بعصيان مدني من هناك دعوة لثورة من هناك، منشورات هجومية وناقدة بطريقة حادة ولاذعة للعمل المؤسساتي والحكومي على وسائل التواصل الاجتماعي، ارتفاع نسب الجرائم والانحراف وعدم الامتثال للقوانين... ويتحول حلمهم من البقاء في الوطن وتأسيس حياة فيه إلى حلم يتعلق بتأمين "تأشيرة سفر"..

وهنا لا يمكن أن ننكر دور العوامل الخارجية في تأزيم العلاقة بين المواطن وحكومته عبر بث أفكار وتحليلات تضعف جذوة الانتماء للوطن، وتصوره على أنه الضعيف الواهن وبأن لا مستقبل لمواطنيه لإقامة شروط الاستقرار، ولا سبل لمعالجة الأزمات المعيشية والاقتصادية والنهضوية، وتبدأ هذه الدول بالتسويق لمفاهيمها حول أن الوصول إلى الحرية والديموقراطية يتطلب "قلب الطاولة" على المسؤولين (وهي بالطبع لا تقوم بهذا التسويق محبة بالشعوب بل محبة بثروات هذا البلد أو ذاك تمامًا كما تفعل الولايات المتحدة الأميريكية مع الشعوب العربية).. بالطبع هذه الأفكار وجدت الأرضية الخصبة لها في بعض الدول كمصر مثلًا وذلك لغياب الحكم الرشيد في مواجهة هذا الغزو الفكري السرطاني، ولعدم بناء ثقافة سياسية وأكاديمية مقاومة لهذا الواقع المؤسف.. إضافة إلى الحروب العسكرية التي شنتها هذه الدول النيو- استعمارية تحت عناوين " الفوضى الخلاقة" و "تحرير الشعوب" وغير ذلك من شعارات طنانة رنانة، أظهرت الأيام والوقائع زيف ادعاءاتها وبأنها مجرد شعارات لتغطية الحصول على مطامعها.. وللأسف الكثير من الشباب سار مع هذه الموجة وحارب ضد بلده الأم ضاربًا بعرض الحائط كل ما يمثله له الوطن من حضن وهوية وانتماء..

لذلك ما نحتاجه لإعادة الحياة لمفهوم "المواطنة" ولنعزز الانتماء الوطني قبل الولاءات الأخرى:

- أن نبدأ بزرع "المواطنة" قولًا وفعلًا بدءًا من التنشئة الأولى عنينا بها الأسرة ومن ثم المدرسة الجامعة أماكن العمل، الحياة العامة..

- أن نعزز العلاقات بين أبناء الوطن الواحد على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، القبول بالاختلاف أي بالآخر كما هو.

- اعتماد مرجعية قانوية واللجوء إليها في حل النزاعات والخلافات قصدنا بها الدولة، بدلًا من مرجعيات فئوية وبدلًا من الاستزلام والتبعية.

- تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين دون أي تمييز.

- التفاعل الثقافي والديني والحوار الدائم بين مختلف الأراء، لتعزيز التواصل والترابط الوطني، وليكونوا جسدًا واحدًا في مواجهة أي خطر خارجي.

- الاهتمام بشؤون وشجون الشباب والعمل على إعادة الأمل لديهم عبر استثمار طاقاتهم وكفاءاتهم بالأساليب الصحيحة لتتضح الرؤية المستقبلية لهم، ولدفع العجلة الاقتصادية التنموية للبلاد.

- ضرورة مشاركة المواطنين بتفاعل بالشأن العام، حول هذه النقطة يذكر " الكسيس دو توكفيل" المؤرخ والمنظر السياسي الفرنسي:" الناس عندما يقلعون عن التعاطي بالشأن العام فالدكتاتورية تصبح قريبة".

وإن أخذنا الجانب النفس- اجتماعي لتطبيق المواطنة فإننا سنرى أن التماسك والترابط سيكون متينًا، مما يعزز قيم التكافل والتعاون والضحية، الأمر الذي سينتج عنه دولة الرعاية الاجتماعية التي تشكل شبكة من الأمن والأمان لمواطنيها، وستدفع بالتالي إلى تنمية الاحساس بالإنتماء والهوية والتعلق بالأرض والمشاركة في خدمة المجتمع ومعرفة الحقوق والواجبات... وهذه الأخيرة تعتبر الأساس الجوهري لتشكيل الدولة الحديثة إلى جانب كونها منظومة قيم انسانية وهي بالتالي تقترب بطريقة أو بأخرى من "مدينة الفارابي" حيث ينتشر الكمال وتشيع الطمأنينة وهذا ما نتمناه رغم أنه حلم صعب المنال ولكن نؤمن أنه لا يوجد مستحيل.
تطبيق المواطنة والعمل بها ليس بالصعب إن كنا نمتلك الارادة الحقيقية والتصميم وترفعنا عن المصالح الضيقة ونظرنا جميعًا إلى الوطن على أنه الحضن الدافئ لجميع أبنائه.

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


مآلات الأزمة الليبية بين الحرب والسياسة
بقلم: ســـامــح راشـــد

مستنقع شرق الفرات
بقلم: بيار عقيقي



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب نسرين نجم |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//